جدل واسع تشهده الدوائر السياسية والمؤسسات المالية الأورربية حول اليونان، توحي بأنّ هناك انسدادا معينا، وخللا واضحا في كيفية إخراج هذا البلد من الضائقة المالية التي لحقت باقتصادياته، وعصفت بكل الآليات التي كانت صمّام أمان لحماية المنظومة المالية لهذا البلد على قاعدة ما يعرف بالديمومة. الانفتاح المالي الأوروبي على اليونان تحوّل في فترة وجيزة إلى تحفّظ بارز، بعدما سجّل هؤلاء عدم قدرة هذا البلد التعافي بالسرعة المطلوبة من انهيار اقتصادياته بشكل سريع جدا، أصبح تسييره في أيدي جهات أخرى منها الاتحاد الاوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي. هذه المؤسسات تسعى من أجل أن ترافق اليونان من أجل التخلّص من ثقل ديونه، لكن بأي ثمن!؟ الأوروبيون ومن سار على دربهم، يدركون جيدا بأنّهم ليسوا أمام أزمة سياسية تهزّ أركان هذا البلد، وإنما كان الأمر هيّنا بالنسبة لهم في حلّها عن طريق الانتخابات وغيرها من أساليب العمل المتّفق عليها، حتى وإن طال أمدها فإنّ الأمر لا يقلقها أبدا. اليوم هناك جدل حاد في الأوساط السياسية والمالية الاوروبية حول اليونان، هل يتمّ مواصلة مساعدته بالطرق القديمة ما يعرف بالقروض أم توقيف ذلك؟ هذا ما يتداول في كل الفضاءات الاقتصادية الأوروبية، حتى وصل الأمر في هذا الشأن إلى نفي من الاتحاد الاوروبي على أنه طلب من اليونان إلغاء 100 ألف وظيفة حكومية قصد الحصول على الحصة الأولية من السلفية الثانية، مكتفيا بالقول أن هناك التزام بالاتفاق على تطبيق خطّة عمل حل أزمة اليونان. وفي هذا الشأن، فإنّ مسؤولي منطقة اليورو قرّروا منح اليونان 109 مليار أورو في جويلية الماضي، لكن البعض من البلدان تحفّظت على ذلك، من باب عدم قدرة اليونانيين على تسوية أوضاعهم المالية. وفي هذا الإطار كذلك أجّل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إيصال الدفعة الأولى من القرض الثاني قيمتها 8 مليار أورو إلى غاية الشهر الداخل أي أكتوبر. هذه التطورات والمستجدات الاقتصادية والمالية تترجم حجم النقاش الكبير الدائر بداخل البلدان المنضوية تحت اسم الاتحاد الأوروبي، الرافضة جملة وتفصيلا تمويل الاقتصاد اليوناني باقتطاعات من مدخرات واحتياطات ومخزونات تلك البلدان، وفي مقدمة هذه البلدان فرنسا التي فتحت حوارا معمّقا حول الأزمة المالية في اليونان بين خبرائها الماليين بمشاركة السياسيين. وما لم تقله هذه النقاشات وأخفته، هو عدم إلحاق الضرر المعنوي ببلد جزء لا يتجزّأ من كيانهم السياسي “الاتحاد الأوروبي” على أو بعدم قدرته على حل معضلة المالية إن آجلا أو عاجلا، وكل الوصفات العلاجية المقدّمة له كان مآلها الفشل الذريع، أقلقت كثيرا الأوروبيين إلى درجة لا يمكن تصوّرها، تظهر في نقاشات مسؤوليهم، لذلك يسجل بأن هناك تراجعا ملموسا في مرافقة اليونان في هذا المسعى الراهن، وإلاّ كيف يفسّر إبداء ذلك الامتعاض من كل الإجراءات المتخذة لتسوية تلك الأوضاع المالية الصعبة. لذلك فإنّ التحفظ الأوروبي على المضي قدما نحو مساعدة هذا البلد بشكل مباشر وصريح وجدي، يؤكد رفض اليونان تلك التدابير الأوروبية المتعلقة بتسريح العمال، وغلق المناصب الوظيفية في الإدارة، وغيرها من طرح ترسانة إجراءات لعودة المياه إلى مجراها الطبيعي، وهي “تضحيات” ستسبّب لليونان متاعب اجتماعية لا بداية ولا نهاية لها. ولا مفر أبدا من قبول اليونان لقروض الاتحاد الأوروبي من دون الإذعان لكل الشروط المطروحة أمام هذا البلد، الذي يعي حقا حجم المآساة الاجتماعية التي تنتظره، وهذا في حالة عدم تعافي اقتصادياته إلى نهاية السنة، وهو الشرط الذي لم يكشف عنه نظرا لحساسيته. في مثل هذه المواقع والأحداث قد يؤجّج الوضع أكثر فأكثر باتجاه الأمور السلبية المعروفة في السياسات التقشفية التي مرّت بها العديد من البلدان، خاصة وأن صندوق النقد الدولي له يد قوية في حالة اليونان، فهو الذي يقترح برامج التصحيح الهيكلي التي تتطلب غلق كل مصادر الإنفاق التي يراها غير ضرورية وبالنسبة له مفلسة، ومن ثم له دخل مباشر في إعداد الميزانيات المالية عن طريق توصياته واقتراحاته، ومن لا يعمل بها فإنّ مصيره يتعقّد أكثر فأكثر. واليونان توجد في هذا المنعرج الحاسم كون الأصوات من داخل المؤسسات الأوروبية تطلب بالتخلي عنها، وتركها تتصرّف في أحوالها كما يدعون في ذلك يوميا.