ما تزال الجزائر تبحث عن منافذ للخروج من المأزق السياسي، وقد اتضح المشهد للجميع، بين من يريد تغييرا جذريا للنظام وتشييد جزائر جديدة وفية لمرجعية نوفمبر، متفتحة على المتغيرات والعصرنة، ومن لا تجد الحل إلا في تنظيم سريع للانتخابات الرئاسية. ويلاحظ ان الطرف المساند للمقترح الأول يوجد في الحراك الشعبي المشدد على هذا التوجه ورفض التنازل ، بينما نجد في الجهة الأخرى، شخصيات وطنية وممثلي أحزب والسلطة، اعتقادا منهم أن هذا الخيار هو أفضل الحلول واقل كلفة وأكثر ضمانا. مواقف مختلفة لمشهد جزائري تختلف وتتعدد الحلول والرؤى حول الراهن، و مهما تكن الاختلافات في المواقف فيجدر الوقوف عند النقاط التي تجمعنا وتوحدنا،عبر الترويج والتسويق لها ، ومناقشة نقاط الخلاف بصدق وموضوعية، لكي لا نقع في الفتن و وكي لا نفتح الأحقاد ، فوطن الشهداء ينتظر منا الوحدة وليس الفرقة، والاجتماع والحوار و ليس التعارك والتقاتل والشقاق، ترقبا للحظة الأمل القادم.الوطن يحتاج منا تنازلات وتوافق للذهاب الى الابعد في البناء والتقويم والتقييم دون السقوط في التصعيد والمبالغة في رفع سقف المطالب. يقول الدكتور عمار طالبي:» كل ليل يعقبه صبح، وكل ظلام يعقبه نور، وكل استبداد تأتي بعده حرية، ونحن لا محالة نستبشر خيرا، ونعقد في أنفسنا أملا، فإن الشعب لا يهدأ له بال، إلا إذا لاح الفجر الصادق وشعر بصدقه و وتحقق، برجال له وطنيين ،يضحون بأنفسهم وأوقاتهم من أجل حرية الوطن» نعم، نترقب الأمل في الحل النهائي للأزمة، وهو الأمل ذاته الذي ترقبناه، منذ سنوات عندما كان الفساد متحالفا مع نظام الاستبداد، وكنا ننتظر تحركا شعبيا سلميا جزائريا،قصد تغير الأوضاع السياسية ، وما كتبناه في الزمن الماضي الدليل الحي :» على السلطة أن تغير ممارساتها وتفتح لهذا الوطن أبواب الحرية والديمقراطية، وتترك أبناءه يشيّدون دولة قوية تنافس أقوياء العالم تفكيرا وممارسة وليس بشعارات زائفة تسقط كأوراق الخريف بسقوط أسعار البترول..ومع هذا الراهن الصعب علينا أن نفتح منافذ للأمل الجزائري والعربي في الانتقال الديمقراطي والتطور المدني والحضاري».
مؤسسات وفساد متعدد وبعد مرور يد الحساب والعقاب على كثير من الدوائر الوزارية والمصالح الادارية والجماعات المحلية وصل الدور الى جهات اخرى ،لفتح ملفات الفساد، حيث يبدأ البحث في ممارسات غير قانونية واستعمال النفوذ.هي مهمة تتولاها السلطة القضائية باستقلالية قرار وأخلاقيات مهنة وسلطان قانون لا يعلى عليه شيئ. ومن أخبار عصابات الوزراء و الولاة في العهد السابق ، جاءت اخبر استكمال النواب العامين لمجالس قضائية التحقيقات الخاصة بملف نهب العقار في اكثر من ولاية ودائرة وبلدية، والمتهم فيها مسؤولين نافذين وإطارات وبرلمانيين ورؤساء بلديات ومسؤولين على قطاع العقار نتذكر القضية التي تتعلق بنهب حوالي 600 قطعة استولت عليها مافيا العقار بوهران ،وعند التحقيق تم الكشف على ممتلكات رهيبة للمتهمين من العقارات والأموال والجواهر، وبروز الثراء الفاحش لإطارات عديدة في الولاية، وهو ما كشفته المصالح الأمنية القضائية. مبادرات وحوار..لكن وفي المشهد السياسي يتواصل الحوار والبحث عن التوافق،كما اصرت الكثير من التشكيلات السياسية والشخصيات الوطنية وفعاليات المجتمع المدني المتحاورة مع الهيئة الوطنية للوساطة والحوار على الكثير من المطالب منها بالخصوص، تشكيل سلطة مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية تتكون من شخصيات نزيهة ونظيفة ومحل توافق.شخصيات تضع نصب الأعين الاستجابة لمطالب حراك متواصل منذ 22 فيفري الماضي في الإصرار على التغيير الجذري وترك العمل ألترقيعي جانبا الذي يغير شخصا بآخر. يصر الكثير من المشاركين في المشاورات مع هيئة الوساطة على هذه السلطة المستقلة التي تحل محل حكومة بدوي الحالية..وهو حدث مثلا مع نور الدين بحبوح رئيس حزب اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية . وتكرر مع ممثلي تشكيلات سياسية. لكن الغريب هو ما تعرضت له هيئة كريم يونس من نقد أليم وتعدي ، وتهديد بالقتل مثلما ذكره منسقها للصحافة رافضا أن تجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه متقبلا بالمقابل الحوار في اطر حضارية وسلمية وما يعنيه من تبادل الآراء من اجل اختيار انسبها وأكثرها فائدة للجزائر. نحن قد نختلف مع ما بعض ورد في مضمون تقرير هيئة الوساطة والحوار ومع أعضائها ومواقفها ،لكن في سياق حضاري سلمي، لا يشوه الحراك الشعبي، ولا يحول النقاش من رفض النظام لرفض المبادرين بالحلول والمقترحات،وفيهم الشرفاء الوطنيون الذين عارضوا «النظم البوتفليقي». وإذا سمحنا بهذه الممارسات، نكرس حالة غريبة، وهي التعدي على كل صاحب رأي يخالفنا، وهنا سيتهجم أصحاب قوى البديل الديمقراطي على قوى المجتمع المدني، وسيهجم الطلبة على قوى أحزاب المعارضة، وسيتعدى المحامون و القضاة على الأطباء والمعلمين، وسيتهجم أساتذة الجامعات على الشخصيات الوطنية، وهكذا، لندخل في الجنون ونكتب الفتن؟؟ لغة الحكمة لنكون واقعيين، ونتفق حول مسالة في غاية الاهمية ان الكثير من مطالب الحراك جسدت، منها ذهاب بوتفليقة والعهدة الخامسة، متابعة عصابات النهب والفساد والزج بهم في السجون. وما تبقى قد يجد طريقه الى التطبيق خطوة خطوة دون اندفاعية تفرغ البلاد من المؤسسات المسيرة للامور وادارة للمصالح والشان العام.لنتفق بأن الجميع يدعم الحراك الشعبي، ويريد له الانتصار، لتحقيق ما تبقى من مطالبه المشروعة و حل الأزمة، مع وجود كل الحريات الجماعية و الفردية، السياسية والثقافي و الفكرية، في إطار دولة القانون،فالوطن يحتاج للحكمة اليوم قبل كل شئ. وقبل أيام أعلنت فعاليات المجتمع المدني مقترحات للخروج من الأزمة، وفيها دعم للحراك السلمي الوطني،وتفاعل مع مختلف المبادرات الوطنية المتعددة، وأكدت على: - الدفاع عن الحقوق و الحريات(مثل حق تأسيس الأحزاب والجمعيات، حق التظاهر، حرية التعبير...) -التمكين للسادة الشعبية عبر مسار انتخابي حر ونزيه بتوفير الآليات والضمانات اللازمة. -دعم الحوار الجاد والمسؤول الذي يقتضي اعتماد إجراءات بناء الثقة الغائبة( الإفراج عن معتقلي الرأي، رفع التضييق على الفضاءات العمومية...). والكثير من هذه المسائل وردت لدى هيئة الوساطة والحوار التي تطالب السلطة باجراءات تهدئة وتفتح اعلامي وانفتاح سياسي اكبر لكسب الثقة المهتزة وتكريس المصداقية في علاقة المواطن بمؤسسات الدولة والجمهورية بعيدا عن لغة التخوين واطلاق التهم والضرب على وتر «المؤامرة». تحتاج المرحلة الجزائرية الحالية للحكمة و العقلانية وقراءة التاريخ السياسي، والانفتاح على التجارب العربية و الدولية في التحول السياسي، لتجنب كل خطأ،مع الحذر من اصوات الفتنة والتفريق،ونريد وقفة وطنية واحدة للمساهمة في كل حوار جاد بناء. نريد توقيف كل صوت قادم من أوكار المافيا و العصابات( على فكرة هي تواصل نشاطها.. بتجارة منظمة للأسلحة، المخدرات، التهريب،....لكن قوات الجيش والأمن المختلفة تتصدى لها بيقظة عالية)،فهل تأتي الضمانات قبل إجراء الانتخابات الرئاسية؟ وكيف نقنع باقي التيار المعارض لمقاطعتها ؟و ما السبيل للوصول لانتخابات نزيهة حرة على ضوء ما يريده الشعب وما يطالب به من ضمانات وإجراءات التهدئة، ولا داعي للتعطيل وخسارة الوقت. عن الفرح الشعب الناقص.. فإذا فرح الشعب بمحاربة الفساد،لكن فرحه يبقى ناقصا اذا لم يكتمل باشياء اخرى تصب في بناء الجزائر واخراجها من حالة الانسداد السياسي.نعتقد ان شعبنا سيفرج بمواصلة الحول السياسي وتحقق التغيير والتحرير الكامل، ونجاح حراكه السلمي، بدخول رموز الفساد والفضائح ونهب المال العام بلا وجه حق الى السجون فرادا وجماعات. هنا تكون العدالة هذا الفيصل وهي الملاذ لكل الجزائريين لكشف شبكات الإجرام و العصابات،في ظل الاتحاد الموجود بين بؤر الفساد في المؤسسات وشبكات التخريب المالي الاقتصادي والنهب والاختلاس، لتساهم العدالة في إرجاع الأموال والعقارات المنهوبة، في ظل حوار جاد صادق، وليس حوار التطبيل والتسويق لرؤى السلطة وزمرها، وإلا كان هو «حوار أعرج في وضع حرج» كما عبر البروفسور محمد بوالروايح. فيضانات وملامح عصابة و من علامات الخراب الاقتصادي وهشاشة البنية التحتية التي خلفها النظام السابق، ملامح الغرق التي حلت بالمدن و الشوارع والمنازل، بعد بدايات الأمطار الخريفية، فمن العار أن نشاهد مدنا مثل مدن ولاية سكيكدة تغرق وهي التي تتحصل بلدياتها على أموال طائلة في ولاية ساحلية كبرى، لها الميناء الضخم وبجانبها شركات كبرى منها سوناطراك؟؟ لتأتي بعدها الحركات الاحتجاجية و قطع الطرق وغلق البلديات و...؟؟؟ هنا نحتاج لحل تشريعي يرفع الحصانة عن كل البرلمانيين والإطارات في الدولة والوزارات، بدل رفعها في كل مرة عن واحد أو إثنين فقط،لأن الفساد قد عم، ونريد حلولا جذرية، وكشفا للحسابات والغناء الفاحش، ومحاسبة قانونية عادلة لكل السارقين الذين يشتمهم الشعب في كل مسيرة:»كلتيو البلاد يا سراقين». والشعار واضح ، ومعه شعارات أخرى ترفع في كل مسيرة سلمية يومي الجمعة والثلاثاء تستدعى التوقف عندها والتمعن فيها دون تركها تمر مرور الكرام. بقي أنني استغربت موقف مبادرة» ميثاق مواطنة من أجل جزائر حرة و ديمقراطية»،التي لا ترى مستقبلا للموالاة في الجزائر الجديدة وتدعو لوضع «الأفلان» في المتحف ومعه منظمة اتحاد العمال،متناسية أبجديات العمل الديمقراطي وحقوق الإنسان.فكيف الادعاء ببناء الديمقراطية والقبول بإقصاء الآخر من لا يتماشى وفكرك وأطروحاتك.الم يولد هذا الموقف رد فعل مناوئ يصب في التصعيد والتراشق الفكري والايديولوجي المغذي للحقد والضغينة المناقضة كلية لروج التجديد والتغيير المرفوع من اجل نظام سياسي بديل الصندوق فيه الفيصل في كل خيار وسياسة وقرارات. نقول هذا للتاريخ وبتأمل للحراك الشعبي ومساهمة فيه، وبقراءة واعية لتحولات الراهن الجزائري، نحتاج لمبادرات سياسية جادة ووطنية لا مكانة فيها للإقصاء ، تضاف للمبادرات الاجتماعية المقدمة مع الدخول المدرسي، وهنا فقط ستكون الفرحة الوطنية الكبرى. فمن يصغي؟؟ أخيرا... تحتاج الجزائر لكل الشرفاء من أبنائها، ولا حل لها إلا الوصول لبر الأمن و السلم والتقدم، فمع بعض التنازلات سيكون النجاح السياسي، دون تجاهل التهديات الداخلية و الخارجية، وليس مسموحا هنا أن ترتفع الأنانيات والمصالح الفردية، بل نريد لوطن الشهداء كل معالم التضحية الوطنية الجماعية... وعلى السلطة أن تصغي بحكمة لمطالب الشعب، وهو شعب أبان عن وعيه و تحضره وسلمييته، فعليه أن يحذر الاختراق و الذباب الالكتروني.