الشعب الجزائري يريد تغييرا حقيقيا في النظام السياسي الحاكم بإحلال نظام دستوري وديمقراطي يستمد شرعيته من الشعب صاحب السلطة و السيادة الذي لا يكتفي بتغيير الواجهة عبر الإجراءات السريعة والآنية التي مست الكثير من رموز الفساد السياسي والمالي حتى الآن. و هنا تكمن صعوبة الحل السياسي للازمة الراهنة وعدم الاتفاق على خطة للخروج منها بشكل عبر انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة نظرا للشك وعدم الثقة بين الأطراف السياسية المعنية والظاهر أن المعارضة بكل أطيافها قد ارتكبت خطأ جسيما برفضها التحاور المباشر مع السلطة الحاكمة المتمثلة في رئيس الدولة وحكومة تصريف الأعمال وقبولها التحاور مع لجنة الحوار والوساطة بتركيبتها المختلفة و التي ليس بيدها اتخاذ القرار السياسي اللازم ولا ندري متى تنتهي مهمتها الصعبة والمعقدة لإقناع الطبقة السياسية بالمشاركة في الندوة المنتظرة والتوقيع على الميثاق الخاص بتنظيم الرئاسيات وهذا التردد والتباطؤ يثير الشك لدى المواطنين ويزيد من الضغوط والأعباء على المؤسسة العسكرية التي تعلق عليها الآمال في المساعدة على الانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة في البلاد. لقد تحققت أشياء كثيرة بفضل الحراك السلمي الذي ساهم في انقاد البلاد من التخريب والدمار على ايدي العصابة التي مارست النهب والفساد على نطاق واسع وبشكل غير مسبوق وكادت تقضي على الدولة الجزائرية لكن يجب أن نكون على حذر فقد ربحنا معركة ولم نربح الحرب وأنصار العصابة ينشطون بقوة وهناك قوى داخلية وخارجية تتربص بنا وتريد المحافظة على النظام القديم وتعفين الوضع وإفشال الحراك وعلينا ان نستفيد من التجارب الماضية لكي لا نلدغ من نفس الجحر مرتين فقد عاشت الجزائر تجربتها الديمقراطية الأولى بعد أحداث الخامس أكتوبر سنة 1988واصدرت أول دستور ديمقراطي تعددي في 23 فبراير1989 وتكونت أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات وصحافة مستقلة وجرت انتخابات محلية ولائية وبلدية سنة 1990وكانت نزيهة وشفافة واستمرت تلك التجربة الديمقراطية الرائعة حوالي ثلاث سنوات قبل ان يتم الانقلاب عليها في 11جانفي 1992 واقالة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد وحل المجلس الشعبي الوطني وإحداث فراغ في السلطة وإدخال البلاد في عشرية سوداء دموية وحكمه بالقوة وقمع الحريات بشكل غير مسبوق. وللأسف الشديد فان بعض الوجوه التي كانت مسؤولة على تلك المأساة التي ذهب ضحيتها 250 ألف مواطن جزائري مازالت تطمح إلى العودة من جديد ولهذا علينا أن لا نسرف في الأمل والتفاؤل فالسياسة حرب بلا سلاح أو مواصلة للحرب بوسائل أخرى كما يقول خبراء العلوم السياسية ولدينا تجارب ديمقراطية في الوطن العربي أحبطت بنفس الطريقة التي تمت عندنا كما حدث في مصر حيث عاد النظام القديم في ثوب جديد لكن أكثر غلظة وشدة وقمعا وكما حدث في اليمن وليبيا فأجهضت فيها الثورة وأشعلت بدلها الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي .