أسبوع تقريبا مرّ على الحملة الانتخابية التي كشف خلالها المترشحون عن التزامهم بميثاق أخلاقيات الممارسات الديمقراطية في خطبهم السياسية عبر تجمعات شعبية وأنشطة جوارية وحوارات مع الصحافة، لاستمالة الناخبين وإقناعهم بجدوى المشاركة في الاستحقاق الرئاسي ل12 ديسمبر القادم، باعتباره محطة مفصلية في تحقيق التغيير الجذري والإصلاحات العميقة لنظام الحكم والمنظومة التشريعية والقانونية وتكريس حقوق الإنسان والحريات الأساسية قولا وعملا. أبرزت البرامج الانتخابية التي كشف عنها المترشحون، منذ انطلاق الحملة، الحاجة الملحة، ليس فقط للتكفل بانشغالات المواطن الذي ملّ من النظر إليه كوعاء انتخابي يُتفقّد عند الاقتراع ويّترك وشأنه بعده، بل اعتباره طرفا فاعلا في المعادلة الديمقراطية، يسمع رأيه وتؤخذ اقتراحاته في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار محليا أو مركزيا، تجسيدا للسيادة الشعبية التي هتفت بها الحناجر ولازالت في المسيرات السلمية عبر الوطن، تطبيقا للمادتين السابعة والثامنة الشهيرتين في أسمى القوانين. من هنا تقاطعت مواقف المترشحين وحدث التوافق بينهم حول أولوية التغيير الجذري للنظام السياسي محل الطلب الملح وضرورة الأخذ في الحسبان التطورات المتسارعة في البلاد التي تحتم أولويات التقويم والتجدد الذي يضمن الممارسة الديمقراطية التعددية التي لا تقبل بحكم انفرادي يخول صلاحيات شبه مطلقة لرئيس البلاد، ويفرض تحديد العهدات بطريقة تسمح بالتداول على السلطة وتفسح المجال للمعارضة، ولو كانت أقلية، للعب دورها البنّاء والرقابي في المشهد التشريعي المفتوح. اهتمت خطب المترشحين بهذه المسألة واضعة إياها في أولى الاهتمامات، واعدة بعدم الاكتفاء بسرد وعود وهمية أو الترويج لكبرى المشاريع وأضخمها التي لا تجد طريقها إلى التجسيد المبكر حسب الرزنامة المعدة، بل التزامات تضبط الخيارات بدقة وواقعية يفرضها الظرف وتحتمها تحديات الراهن والآتي. في صدارة الخيارات، وضروريات الورشات القادمة المنتظرة ما بعد الرئاسيات، تعديل الدستور ومنحه صفة الديمومة المساعدة على إدارة شؤون الرعية وتسيير نظام الحكم واعتماد المنظومة الاقتصادية التي تعطي أجوبة للانشغالات ولا تكتفي بإثارة الأسئلة بشأنها والتمادي في زرع اليأس والشكوك في بلد يمتلك مقومات النهوض من الأزمة اعتمادا على كفاءاته المحلية ومدخراته دون انتظار وصفات الآخر وإملاءاته. على هذا المنوال، جاءت آراء المترشحين صريحة ومتوافقة حول وجوب اعتماد دستور ينهي إشكالية طبيعة النظام السياسي في الجزائر وتحديد بدقة أيّ النماذج الأنسب لبلاد ظلت دساتيرها تصدر دوما عند الطوارئ والأزمات ولم تستقر، الأمر الذي لم يعد مقبولا في نظر المتنافسين خلال هذه المرحلة الحاسمة من مسار استكمال بناء الدولة الوطنية الجديدة التي ترتسم معالمها بعد الانتخابات الرئاسية بتجند الجميع لإنجاحها باعتبارها مخرج النجاة والطريق المؤدي إلى التغيير المنتظر.