تتأسس السياسة الخارجية لأي بلد على ما تمليه مصالحه الوطنية، وتعد الدبلوماسية الأداة التنفيذية الأهم في تحقيق توّجهات السياسة الخارجية، كما تمثل أحد الأبعاد الحيوية التي تستخدمها الدولة وتوظفها في تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية سواء ما تعلق بالتمثيل أوالحماية أوالوقاية أوالتفاوض. منذ بداية الألفية الثالثة، شهدت السياسة الخارجية للجزائر تطوّرا كميّا ونوعيا هائلا، وذلك استجابة للمعطيات الدولية وتفاعلا واسهاما في حل المشاكل والأزمات التي أصبح العالم يتخبّط فيها. ومن مبدأ أهمية ملف السياسة الخارجية، فقد كان حاضرا في برامج المترشحين لمنصب رئاسة الجمهورية في انتخابات الثاني عشر من ديسمبر المقبل، وهذا أمر منطقي بل وضروري أن تتضمن كل برامج المترشحين الخمسة لنقاط تتعلق بالسياسة الخارجية والممارسة الدبلوماسية، بحيث نجد الطرح المغاربي في برنامج أحدهم من خلال تركيزه على حل قضية الصحراء الغربية في إطار الشرعية الدولية ناهيك عن الاهتمام بالقضية الليبية التي تحتاج كثيرا للدبلوماسية الجزائرية في المستقبل المباشر والقريب، بينما يتمسك بعض المترشحين في برامجهم بضرورة مواصلة السياسة الأخوية مع العالم العربي، بل والاهتمام أكثر بالقضايا العربية والعمل على تفعيل دور الجامعة العربية ومواصلة المطالبة بضرورة إصلاحها، ناهيك عن أن بعض المترشحين ركزوا في برامجهم على تعميق التعاون مع الدول الإفريقية من خلال ممارسة سياستنا الخارجية المرغوبة نحو العمق الإفريقي للجزائر، فإفريقيا هي الشريك الأمني والاستراتيجي للجزائر ويمكن أن تتحول إلى شريك اقتصادي وتجاري من خلال إعلان مترشح آخر ولاية تمنراست كعاصمة تجارية للأفارقة، بل والذهاب إلى التركيز على ربط الشمال بالجنوب عن طريق السكك الحديدية والطرقات التي تمتد نحو العمق الإفريقي. بينما ركز بعض المترشحين على إطلاق سياسة خارجية جزائرية جديدة وفق منطق الندية (سياسة الند للند) خاصة مع فرنسا وبقية الدول في العالم الغربي، في حين دافع البعض الآخر على القضية الفلسطينية من خلال العلاقات القوية بين البلدين والشعبين. قد تغيب كل معالم السياسة الخارجية الجديدة للجزائر بالنسبة للمترشحين، لأنها ببساطة تحتاج إلى ملفات خاصة وقوّية، وتحتاج أيضا إلى متخصّصين أكفاء يدرون تعقيدات السياسة الخارجية وتشعّب الملفات الدبلوماسية العالمية، لأن الجزائر تتموقع في العديد من الدوائر الجيواستراتيجية مثل الدائرة المغاربية، والإفريقية العربية والمتوسطية، ناهيك عن التعاون الدولي المفتوح في إطار التعاون جنوب- جنوب، وحوار شمال- جنوب، والتعاون من خلال المنظمات الجهوية كاتحاد المغرب العربي والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والمنظمات القارية كالاتحاد الإفريقي والمنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة. تلكم هي أبرز النقاط التي تم ذكرها، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن هناك فرق بين ما يطرحه المترشحون في برامجهم من خلال ما يتم تسويقه سياسيا للمجتمع الجزائري وما يتطلع إليه الآخرون من خارج الوطن خاصة الدول المهتمة بالشأن الجزائري. وبخصوص الجالية الجزائرية في الخارج، فلقد ناقش كل المترشحين هذه النقطة رغم أن هناك تفاوتا في اهتماماتهم بالموضوع، فالاستفادة من الخبرات الجزائرية في المهجر أصبحت ضرورية وملحة في هذا الوقت بالذات، خاصة وأن البلاد مقبلة على إصلاحات عميقة ستمسّ كل جوانب الحياة، ناهيك عن إطلاق العديد من البرامج التنموية والاقتصادية التي نحتاج فيها الى خبرائنا في الخارج. مع كل ما سبق، فإن الجزائر تحتاج إلى تجديد منظومتها الدبلوماسية بما يتماشى ومنطلقات العصر، وكذا تكييف بعض مبادئها في السياسة الخارجية بما يخدم المصلحة الوطنية، فنحن نحتاج إلى حوكمة الفعل الدبلوماسي الجزائري.