الانتخاب لبنة أساسية لترسيخ مكانة الجزائر عالميا الحراك الشعبي السلمي أبهر العالم تقول الدكتورة الجزائرية ناصرية العرجة فليتي، الوزير المفوض ونائب المندوب الدائم للجامعة العربية لدى الأممالمتحدة، في حوار ل «الشعب» إن الدول تبنى وتدوم بفضل إقتصادها وقوتها العسكرية وتعرف وينتشر صيتها بفضل حنكتها السياسية، وليس بالغريب أيضا أن يبنى بلد كالجزائر على أساس الخيار الشعبي الحر، الممثل في الانتخابات الرئاسية، هذا المد الانتخابي لبنة أساسية لتعميق معنى الجمهورية وترسيخ مكانة الجزائر بين الأمم. الشعب : الجزائر تعيش على وقع الاستحقاق الرئاسي ل 12 ديسمبر، ماهي النظرة لخطوة الانتقال الديمقراطي ؟ ناصرية العرجة فليتي : ليس غريبا على بلد بحجم وقامة الجزائر أن تحيا على مدار تاريخها الحديث عرسها الإنتخابي وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ ودلالات، مهما كانت الظروف أو الملابسات، وليس غريبا على بلد العزة والحرية، التي علّمت العالم معنى الشهادة لأجل الوطن، ومعنى الصبر لأجل استمراريته، أن تكون مدار اهتمام كل العالم. ليس بالغريب أيضا أن بناء بلد كالجزائر على أساس الخيار الشعبي الحر، الممثل في الانتخابات الرئاسية، فقد عاشت بلادنا لأكثر من ثلاثة عقود ويزيد هذا المد الانتخابي الذي بقي كلبنة أساسية لتعميق معنى الجمهورية مكانا ومكانةً بين الأمم، ومن المفارقات أن لا يلاقي هذا المد الانتخابي الديمقراطي أي معارضة ممن أسسوا لمعالم هذه الديمقراطية عالميا. الدول العظمى تؤسس على الدسترة أي على احترام مبادئ الدستور وتفادي الفراغ وهو ما حصل في الجزائر منذ استقالة الرئيس السابق. وأعتقد أن وعي القيادة العسكرية في البلاد كان قد فاق ميزانا ووزنا كل التوقعات بفضل الرؤية الاستشرافية التي قطعت الطريق أمام كل المصائد أو الحيل داخليا أو خارجيا فكان التمسك بتطبيق الدستور هو الحل الأسلم والأصوب بدءًا بتنفيذ المادة 102 إلى الإعلان عن الانتخابات الرئاسية كفترة تصحيحية تؤسس لجزائر الغد: جزائر قوية رائدة بحلّة نوفمبرية واعدة وفاءً لعهد الشهداء والحرية. - منذ بداية الحراك الشعبي سجلت خرجات، غير رسمية بل ومنها رسمية من وراء البحر ما يعدّ بمثابة تدخل في المشهد السياسي بالجزائر، ما هي قراءتكم لذلك؟ لم يكن أحد من السياسيين الأجانب بمن فيهم التيار الفرنسي الحاكم منه أو المعارض قد استشرف وضع البلاد الحقيقي أثناء وبعد الحراك الشعبي السلمي الذي أبهر العالم في ثباته، لأنهم كانوا يبنون آمالهم على بقايا الأذناب لمواصلة نهب خيرات البلد، والدليل على ذلك تخبطهم المستمر في التحليل حينا وفي مؤازتهم لمتظاهرين بعينهم وأقصد أولئك ممن ادعوا أنهم أكثر انتماء ووطنية وهم أكثر من يبغض أن يرى الجزائر بين مصاف الدول ريادةً ومكانة. فلم تنفع معهم كل الخطط والفتن ما ظهر منها وما بطن من جهوية إلى استشراء المال الفاسد ومحاولات استضافة «الربيع المشؤوم» لقلب البلاد رأسا على عقب، حاولوا ولا يزالون للأسف، لكن قلة إدراكهم بحقيقة الجزائري وبحقيقة انتمائه لهويته واعتزازه بكرامته وحبه لتراب وطنه وبواقع التسيير المؤسسي للبلاد جعلهم يسقطون في شر أعمالهم بل ويفضحون من خلال منابرهم وبرلمانتهم (المنبر الأوروبي والفرنسي تحديدا) والتي نصبوها تحت مسمى « حقوق الإنسان » لتمرير ادعاءات زمرة خونة تخشى أن ترى الجزائر وشعبها الأبي الاستقلال الحقيقي الذي طال أمده وإن بقي منه ظل من ظلاله التي نحيا فيها ونتفس من خلالها لأن نكون يوما بحق الأحرار… أحرار في استثمار موارد بلادنا الجمة بما يجعل البلاد تحيا شامخة الرأس مرفوعة.. أحرارا في تسيير شؤونها بما يقويها بين الأمم لا بما يبقيها تابعة متبوعة.. أحرارا في تمثيلها بثوبها النوفمبري الحقيقي الذي لا يقبل تدخلا ولا فضولية فيما يراه الشعب لبناء العلاقات الدولية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون البناء.. أحرار في تثبيت كرامة وعزة البلد ووالد فيها وماولد .. أحرار في أن نرى بلادنا بعيدا عن المحسوبيات والأنانيات و ألاعيب الفساد بلد القانون والحكم الرشيد. لمن يسأل عليه أن يقرأ التاريخ جيدا - رافق الجيش الحراك الشعبي واضعا ورقة طريق المشهد السياسي في الجزائر إلى جانب المهام الدستورية، بالمقابل هناك من يطعن في دستورية مهامه، ما تعليقكم؟ الدول تبنى وتدوم بفضل قوتها الاقتصادية والعسكرية وتعرف وينتشر صيتها بفضل حنكتها السياسية، فماذا لو جمعت المؤسسة الواحدة فيها الأمرين معا ..تلك هي المفارقة الكبرى وتلك هي الحقيقة العظمى.. الكل يعرف أن المفاوضين الجزائريين الأشاوس الذي أداروا بحنكة منقطعة النظير المفاوضات الفرنسية الجزائرية (مفاوضات افيان) قبل الاستقلال، كانوا قدر المسؤولية كانوا يدركون حقيقة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وحين نتحدث عن المؤسسة العسكرية الحالية لا يجب أن ننسى ولو للحظة أنها امتداد جيني لجيش التحرير الوطني الذي جاهد لأجل الاستقلال وخاض المعارك الحامية الوطيس فقط ببندقية ورشاش أمام أعتى وأكبر الجيوش في تلك الحقبة التاريخية قوةً وغطرسةً. لهذا ليس غريبا أن يجعل الدستور الجزائري الجيش الوطني الشعبي العمود الفقري للدولة والسند الوحيد للشعب وذلك في إطار المهام التي يخولها له الدستور في مادته 28. وأقول لمن يسأل عن السرّ الذي يحكم تصرف المؤسسة العسكرية في تسيير الشأن الداخلي أن يقرأ التاريخ جيدا وسيعلمه من حماه وحما مقاومته ومن حمل مشعل حريته ومن رسخ أسس الدولة الجزائرية الحديثة اعتبارا من المجاهد الشاعر الفذ الأمير عبد القادر الجزائري وصولا إلى الشهيد العربي بن مهيدي العسكري السياسي الذي دوخ أكبر جنرالات فرنسا. ولو سألت عن السرّ الذي يضبط تدخل المؤسسة العسكرية ممثلة في شخص الفريق ڤايد صالح، منذ البداية في حماية الحراك السلمي إلى يومنا هذا، أقول له وإن كان فعلا عسكري، فإنه وبحكم الدستور هو نائب وزير الدفاع الوطني. ثم إن تصريحاته وخطاباته كانت على مدرجات الجيش الشعبي الوطني الذي هو سليل جيش التحرير الوطني، ولم تكن من على محافل أو منابر مدنية بحتة. والمواقف التي عبرت عنها المؤسسة العسكرية ممثلة في رئيس الأركان وبكل وضوح ومنذ بداية الأزمة إلى اليوم، قد ثمنها الشعب وأعطاها قدرها، انطلاقا من الثقة الكبيرة التي يضعها في جيشه، العازم على مواصلة أداء مهامه بكل عزم وتصميم، مهما كانت الظروف والأحوال مادام أن شغل الجيش الشاغل، كان ولا يزال -لاسيما في هذه الظروف الخاصة التي تعيشها بلادنا- هو تأمين الجزائر أرضا وشعبا وحفظ استقرارها واستقلالها وسيادتها الوطنية، والوقوف بحيادية مطلقة تجاه المترشحين للانتخابات الرئاسية. فإذا كانت قدسية نوفمبر كشهر كامنة في بشائر تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي الذي دام أكثر من قرن ونصف من الزمان، فإن قدسية شهر ديسمبر ستكتمل بوضع أولى اللبنات الأساسية لبناء دولة الحق والقانون وفقا لمبادئ بيان أول نوفمبر وعملا بوصية الشهداء البررة وترسيخا لثوابت الأمة الجزائرية. - بحكم أنكم تشتغلون في الحقل الدبلوماسي ولكم مجال حافل بالتجارب الديمقراطية في الجزائر والآن بالولايات المتحدةالأمريكية، ما هي نظرة المواطن الأمريكي للجزائر أو النخبة بالخصوص؟ إن كنت تود معرفة رأي المواطن الأمريكي العادي الممتد في تواجده في شمال القارة الأمريكية، فهو لا يأبه لأحد قدر اهتمامه بقوت يومه، وبتحقيق حلمه في الاستقرار المهني أو العلمي وكيفية تسديد ديونه البنكية، وكيف يخطط لرحلاته السنوية.. لأن العيش في أمريكا ليس بالهين أبدا، وليس باليسير قط، والمواطن الأمريكي لا يتدخل فيما لا يعنيه ..ولا يريد أن يسمع غير ما يختاره هو ويريحه ويرضيه. أما إذا كنت تتحدث من الدبلوماسيين أو الاستراتيجيين أو المختصين الأمريكان في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا منهم على وجه الخصوص، فلن تتعب نفسك، لأنهم هم العطشى دائما إلى جمع المعلومة عن بلدان المنطقة كاملة بمن فيها الجزائر لما تمثله من وجود في موازين القوى في المنطقة ومكوناتها ونقاط القوة فيها قبل الضعف وفي تصنيفها بحسب تلك المعطيات.. والسياسة الأمريكية في الأساس ومنذ بداية الأزمة في الجزائر، وأقصد أزمة العهدة الخامسة، اتسمت بالصمت حيال ما يحدث فيها مثلها مثل نظيراتها الأوروبية، وفي تقديري، على سبيل التكهن- لاقدر الله، أنها لو كانت قد أبدت بوضوح تدخلها في الشأن الداخلي للبلد من خلال رفضها للعهدة البوتفليقية الخامسة، بل وذهبت إلى تهيئة الشارع لذلك كما حدث في ليبيا ومصر، عن طريق أذرعها في الخارج من منظمات المجتمع المدني، لما وصلنا إلى هكذا إنجاز جزائري بامتياز ووطني حدّ النخاع.. إنجاز فاق كل التوقعات لأجل تغيير هادئ وبناّء يكون أساسا صلدا لمحاربة الفساد والمفسدين وركيزة لبناء جزائر الغد بحلّة وطنية لا تقصي فيها أحد. - كيف يتابع أفراد الجالية الجزائرية بالولايات المتحدة الوضع في بلدهم ؟ رئاسايات 2019. نريدها أن تكون العتبة الأولى للولوج بالبلد إلى عوالم القوة المتانة وبوابات التموقع والمكانة.. وكجالية جزائرية وبأتم ما تحمله هذه الكلمة المنقوشة بمبادئ أمتنا الجزائرية لا نرضى لبلدنا أن يحيا أقل كرامة أو عزة ممن يستمدون منه ملكهم والقوة .. ويعيشون على خيراته ويتنفسون فوق رؤسنا أسيادا وقوى عظمى.. أقصد أن الجزائر وجب أن تدخر طاقاتها البشرية والمادية والحيوية لتأسيس جزائر ببعدها الإفريقي والعربي قوية إقليميا وحاضرة بقوة دوليا.. لأن لديها من الإماكانات ما يؤهلها لذلك وأكثر. رؤية الجالية الجزائرية الموزعة ضمن المناطق الأربع في المهجر بما فيها تلك المتواجدة في المنطقة الرابعة التي تضم الدوائر الدبلوماسية والقنصلية لأمريكا وباقي أوروبا ومقرها السفارة الجزائرية بواشنطن.. هي رؤية في شمولها مبنية على الارتقاء بالبلد إلى الأحسن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا واستراتيجيا.. وهي كجالية نوعية قادرة على المساهمة في إحداث قفزة نوعية في التغيير نحو الأحسن في هذه المجالات الخمس (الشأن الاقتصادي (تسيير البنوك ورأس المال، الاستثمار في الزراعة والفلاحة والطاقة)- الشأن الاجتماعي (الثقافة، التعليم والصحة، الأسرة ) – الشأن السياسي والقانوني (الأحزاب، الدوائر الإدارية، نظام المحاكم) - الشأن الأمني ( الجيش، التجهيزات اللوجستية والاسترايجية، الأنظمة الشرطية والأمنية، نظام الرقابة والعدالة، المخابرات، مكافحة الإرهاب)- الشأن الشعبي (منظمات المجتمع المدني .. - وماهي نظرة الجالية للمترشحين الخمسة؟ بالنسبة للمترشحين الخمسة، الذين يخوضون غمار الاستحقاق الرئاسي هم فرسان استطاعوا أن يوقعوا بصمتهم في الوسط الجزائري ولا نشك أبدا في جزائريتهم وانتمائهم الوطني.. فهم يتساوون من حيث الانتماء إلى الهوية الوطنية.. ويتفاوتون من حيث العطاء اللامحدود والبرهان على إحداث الفرق والإيمان بطموحات الشعب وتطلعاته المشروعة والقدرة على التأقلم مع المعطيات المحيطة بالبلد إقليميا ودوليا. والعرس الانتخابي الممثل فيهم والكامن في قدرة الشعب على اختيار أحسنهم لقيادة هذه المرحلة الحرجة التي تعرفها البلاد.. كفيل أن يعكس وبحق تلك التطلعات، ويرتقي بتلك الطموحات بأن يمنح العملية الانتخابية بعدها الشرعي وأن يسكت الأبواق الناعقة باسم الديمقراطية المزيفة من خلال التحريض المبطن والادعاءات المغرضة أو التشويش على الثوابت التاريخية للأمة الجزائرية.