اعتبر المخرج الفرنكو سويسري “جاك سارازان” أن فيلمه الأخير “الإكوادور” هو محاولة لإثارة انتباه المشاهد لمشروع طموح يريد تحقيقه رئيس “كوريا”، وأكد أنه يحاول تجسيد أفكاره عبر أعمال سينمائية هادفة وذات معنى، مشيرا إلى أن الأفلام الملتزمة غالبا ما يعترضها مشكل التمويل الذي يعتبره “سارازان” مهما في أي عمل سينمائي. نود أن نتعرف عليكم وعلى أهم أعمالكم؟ أنا مخرج سينمائي ولدت في جنيف بسويسرا ثم انتقلت إلى فرنسا، في البداية لم تكن لي أي علاقة بالسينما بحيث كنت بطلا في سباق الألواح الشراعية ثم مسؤولا في التنمية الغذائية، بدأت العمل الفني في 1994 قمت بإخراج عدة أفلام سينمائية بين القصيرة والطويلة أهمها “أغني لك”، “آلة جوق رومبا”، “العالم حسب ستيغليتس”...الخ، آخر أعمالي بعنوان “الإكوادور” الذي عرض في عدة دول منها ببلدكم لما شاركت به في أيام الفيلم الملتزم، تلك التظاهرة التي مكنتي من الاحتكاك والتعرف على عدة أفلام ملتزمة من دول عديدة، وأمنيتي أن تتواصل وتتطور في الدورات القادمة، لان مخرجي هذا النوع من الأعمال السينمائية يحتاجون إلى هكذا تظاهرات لإبراز قيمتها وأهدافها والرسائل الإنسانية التي تحملها. نبدأ من آخر أعمالكم المعنون “الإكوادور” لماذا هذا البلد في عمل سينمائي؟ أنا من المهتمين بجميع الميادين منها الاقتصاد، أنجزت أفلام عن أوضاع اقتصادية ببعض البلدان أهمها فيلمي عن الخبير الاقتصادي “ستيغليتس” الذي تحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، المستشار الاقتصادي ل”بيل كلينتون” عدة سنوات والمسؤول الاقتصادي في البنك العالمي، نشر عدة مقالات وكتب، وتوقع الأزمة المالية لعام 2008 قبل حدوثها وانتقد برنامج “أوباما” الاقتصادي أشهر قليلة قبل انتخابه مع انه سانده في الأيام الأولى من ترشحه للرئاسة، ألتقيته في 2009 قال لي أن أوروبا ستعرف تطورا اقتصاديا على الطريقة اليابانية أي التضخم وعجز الإنتاج، وهذا ما يحدث الآن، هذا الفيلم لقي رواجا في فرنسا، إيران، لبنان واليونان. بعد هذا العمل اقترح عليّ “ستيغليتس” فكرة زيارة الإكوادور لمحاورة الرئيس “رافاييل كوريا” الذي هو أصلا خبير اقتصادي، زرت هذا البلد في جانفي 2008 التقيت الرئيس “كوريا” وأجريت معه حوارا، فكرت فيما بعد أن يكون جزء من فيلم كامل أتطرق فيه إلى أهم مشاريعه السياسية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة واني أعجبت كثيرا ببرنامجه وبتعلق الشعب به. عدت إلى الإكوادور في فيفري 2009 قمت أنا وفريقي بتصوير العمل في 6 أسابيع ثم عدنا في فيفري 2010 لإكمال الفيلم مدة 3 أسابيع، وانتهيت من إنجازه في نهاية 2010. أما فيما يخص اختياري لهذا البلد فهو نتيجة طبيعية لما اكتشفته من تغير ملموس في أوضاع الحياة هناك منذ مجئ “كوريا”، أردت من خلاله توجيه أنظار المهتمين والمشاهدين إلى هذه التجربة التي أراها ناجحة، وحسب معاينتي فان هذا البلد يتميز عن باقي بلدان المنطقة وسيكون له شأن كبير مستقبلا، وفيلمي يطرح أفكار واقتراحات حول الأزمات الحالية ويدعو إلى حوار بناء حول مستقبل مجتمعاتنا. عندما أنجزتم هذا الفيلم الم تخشون عدم رواجه، ولماذا “رافاييل كوريا” بالذات وليس “شافيز” مثلا أو “لولا دا سيلفا”؟ ليس من السهل القيام بحوار أو لقاء مع زعيم أو رئيس، كما أن المخرج يختار الموضوع والأسلوب الذي يراه كافيا لإقناع الآخرين بأفكاره. فانا مثلا أعجبني ذكاء وخطاب “رافاييل كوريا” فقررت أن اعرّف الآخرين به، لم أفكر أصلا في رواجه من عدمه المهم إيصال فكرتي التي أريدها. العمل الوثائقي ليس مرتبط بفترة أو نقيس نجاحه بمجرد خروجه للعرض لأنه قد يحقق ذلك بعد مدة قد تطول سنوات، الفيلم الملتزم شيء والفيلم التجاري شيء آخر لان الملتزم يؤرخ ويوثق لقضية أو مسألة معينة، أي أن هذه الأعمال ولدت لتبقى شاهدة عن واقعة معينة، ودورنا نحن هو تفكيك المعلومة الإعلامية والقيام بالسرد التحليلي والتوثيق له عن طريق الحوار والخروج للميدان. غالبا ما يصعب علينا معرفة ما يحدث في العالم خاصة في الأماكن البعيدة، ومع الأسف الصحافة لا تقوم بدورها أحيانا في نقل الأخبار، ودورنا نحن هو تمكين المشاهد من الاطلاع على الماجرى بدون لف أو دوران. أما الشخصيات التي ذكرتها فلا أظن أنها تستحق أن تنجز أفلام عنها، ف”شافيز” مثلا كثير الظهور وكثير الكلام والأضواء تسلط عليه، كما أن إعلام فنزويلا ملك له ويبث خطاباته كل أسبوع تقريبا مثله مثل كاسترو واغلب رؤساء أمريكا الجنوبية. ومن وجهة نظري الشخصية وحسب معرفتي بتلك المنطقة، فان خطابات معظم رؤسائها مجرد خطابات للاستهلاك الإعلامي أكثر منها أفعال، لذلك لا أرى داع لانجاز أعمال سينمائية عن هؤلاء الشخصيات عكس رئيس الإكوادور الذي اعتبره الاستثناء بأمريكا الجنوبية. ما هو الاستثناء الذي تحدثتم عنه، وماذا شد انتباهكم في هذا البلد؟ ما وجدته في الإكوادور مهم للغاية يخدم مصلحة شعب هذا البلد ومصلحة المنطقة ككل، وحسب معاينتي لاحظت أن الرئيس “رافاييل كوريا” لا يشبه باقي الزعماء في أمريكا اللاتينية، فهو لا يتحدث كثيرا لكنه إذ تحدث فانه يطبق ما يقوله في الميدان، هناك مشاريع ضخمة قام بها من أجل رفاهية شعبه وهو ما أشرت إليه في فيلمي، كما أن طريقة حكمه اعتبرها ديمقراطية إلى حد ما لأني لمست تعلق المواطنين به ويحظى بدعم قوي في كل مرة يختبر فيها نفسه عبر استفتاءات سنوية، لمعرفة إن هو يحظى بقبول الشعب أم لا، مع العلم أن الانتخاب في الإكوادور مفروض على الجميع، وحسب الحوار الذي أجريته معه استنتجت انه جاء لتطبيق برنامج اقتصادي ايجابي ويريد أن ينهيه قبل انتهاء عهدته، فمثلا أموال عائدات البترول يستثمرها في المدارس والطرقات والبنى التحتية، بحيث أنه يضع أموال البترول في خدمة بلاده وشعبه ببناء الهياكل القاعدية الضرورية، فهو ليس من أمثال الذين يخاطبون شعوبهم في الفراغ بل يركز على تجسيد اقتراحاته وأفكاره في الميدان، فقد قضى لحد الآن على المديونية وعلى العديد من المشكلات العويصة التي كانت بلاده تتخبط فيها، وقام بغلق القاعدة العسكرية الأمريكية في شمال البلاد الذي كان مطلب كل الإكوادوريين، كما انه يحاول حاليا الاهتمام بالبيئة وبالطاقات المتجددة، هذا ما أثار انتباهي أساسا في “رافاييل كوريا”. وفيلمي عن هذا البلد أردت من خلاله نقل الصورة الحقيقية التي وجدتها دون دعاية للرئيس أو إشهارا للبلد، فهو عمل ذو أبعاد اقتصادية إنسانية يقترح حلولا لمشكلات تعتمد على الأطر المحلية وتساهم في خلق الثروة، لتحقيق الرفاهية المنشودة واستغلال الإمكانيات والثروات الموجودة، بعيدا عن الخطابات الشعبوية والثورية التي يتميز بها اغلب رؤساء أمريكا الجنوبية. بحكم أنكم من مخرجي الأفلام الملتزمة، ما هي معاييركم التي تراعونها في انجاز هذا النوع من الأعمال؟ أنا اشتغل على الأعمال التي لها قيمة وذات أبعاد شاملة، تثبت الحالة وتعتمد على المعاينة للقضية أو المشكلة المراد معالجتها ونقدم من خلالها حلولا ممكنة، أي أن الأساس في كل هذا أن أقوم بانجاز أفلام لها معنى، رغم أن هذا النوع من الأفلام لا يلقى الرواج الإعلامي والجماهيري الكبير بالمقارنة مع الأفلام التقليدية التجارية، فأنا أبحث عن العمل الذي يعبر عن شخصيتي وأفكاري، رغم أني في بعض الأحيان أصاب بنوع من الإحباط لغياب الجمهور عن عرض عمل ما، إلا أن ذلك لا يؤثر عن اقتناعي بالعمل لأني أعلم أن الجمهور عندما يشاهد الأعمال سيعجب بها، فإرضاء الجميع غاية لا تدرك، لكن الأعمال الملتزمة تلقى تجاوبا من الكثيرين بمجرد مشاهدتها. وهناك إشكال في إنتاج هذا النوع من الأعمال يتعلق بالممولين، إذ نجد صعوبة في إيجاد من يمول أعمالنا، فأنا مثلا في البداية كنت أموّل أعمالي بنفسي، وهذا الإشكال نعاني منه في كل مرة وهو ما يقف عائقا في الكثير من الأحيان أمام تجسيد أعمال نطمح لانجازها. هل في نيتكم إنجاز عمل عن ما يجري بالوطن العربي حاليا؟ فكرت في إنجاز عمل عن ثورة تونس لكن للأسف لم أجد ممول، رغم أن هذا الوضع الجديد المعقد في الوطن العربي يستحق المعالجة السينمائية، لحد الآن ليس لدي مشروع في هذا الشأن. أحضر لفيلم في إفريقيا العام القادم وبالضبط بمالي سأتطرق فيه إلى الثقافة والموسيقى أحاول من خلاله إظهار عادات وتقاليد منطقة هناك. وماذا عن الجزائر؟ أنا اكتشف الجزائر لأول مرة وصعب أن تقوم بعمل عن بلد تزوره لأول مرة، ربما في المستقبل يمكنني تجسيد فيلم عن الجزائر العاصمة وبالضبط عن بناياتها القديمة التي أثارت انتباهي.