تعتبر الكاتبة الاسبانية “اريني فاليخو” من جيل الأدب الاسباني الحديث، هذه الشابة التي اكتشفت موهبتها في الكتابة منذ الصغر، فتحصلت على العديد من الجوائز وهي في مقتبل العمر تنويها بكتاباتها، التي أثارت انتباه الاسبان والأجانب، وهي الآن تخطو خطوات عملاقة لتصبح احد أهم الكتاب الاسبان، إلتقيناه بمعهد “سيرفانتيس” وكان لنا معها هذا الحوار. نريد أولا التعرف عليكم؟ أنا كاتبة اسبانية ولدت في سرقسطة شمال اسبانيا في سنة 1979، وفيها واصلت دراستي منذ الابتدائي، وفي 2002 تحصلت على ليسانس في فقه اللغة الكلاسيكية من جامعة سرقسطة، التي منها كانت انطلاقتي المهمة في العمل الأدبي، بعد أن مررت على عدة مراحل منذ طفولتي، وتوجت عطائي بحصولي على جائزة وطنية من طرف وزارة التربية، الثقافة والرياضة، كما تحصلت على جائزة أفضل عمل من المركز الاسباني للدراسات الكلاسيكية في المجتمع الاسباني، ثم انتقلت لاحقا إلى ايطاليا وانجلترا لأواصل دراستي. وفي 2007 تحصلت على الدكتوراه من جامعة سرقسطة وفلورنسا، بفضل أطروحة “القانون الأدبي الإغريقي اللاتيني في العصور القديمة”. أنا من المتأثرات بمؤلفات الشاعر اللاتيني “ماركو فاليريو مارسيال” الذي استفدت كثيرا من أعماله. يمكن اعتبار الكتابة بالنسبة لكم ولع الطفولة؟ فعلا فمنذ الصغر كنت احلم أن أكون أديبة معروفة تبدع وتخدم الثقافة والأدب، وشعرت حينها بان الله منحني موهبة في الكتابة، بحيث كنت أحاول التعبير عن ما يلج بخاطري عن همومي ومشاغلي والأحداث التي تحيط بي، وصولا إلى الكتابة عن المجتمع الاسباني والأوروبي، ساعدني في ذلك تواجدي بمدينة سرقسطة المعروفة بتاريخها الأدبي الغني. بدأت بالبوح بكل ما يثير اهتمامي عبر نشر مقالات في الصحافة المكتوبة، ثم انتقلت إلى تقديم دروس ومحاضرات في مناسبات عدة داخل وخارج اسبانيا. ونُشر لي كتاب ملفق لأعمدتي الأسبوعية في يومية “هيرالدو دي اراغون” واخترت له عنون “الماضي الذي ينتظرك” في 2010. لهذا يمكن القول ان الصحافة ساعدتني على تطوير إمكانياتي وأنا من المتأثرات بالأدب اللاتيني القديم، ومؤخرا نشرت أول رواية لي بعنوان “الضوء المدفون”. عنوان الرواية يثير الفضول فهل بالإمكان معرفة تفاصيل قصة هذا العمل الروائي الأول لكم؟ انطلاقا من تأثرنا نحن الاسبان بالتاريخ الحديث لبلدنا خاصة مرحلة الحرب الأهلية بين 1936 و1939، التي تركت جرحا عميقا لدى كل الاسبان، حاولت من خلال روايتي “الضوء المدفون” سرد المآسي والمعاناة الكبيرة التي خلقتها هذه الحرب سادها الشعور باللاأمن في نفوس الكبار والصغار. فالرواية هي قصة لعائلة تعيش الأيام الأولى من الحرب الأهلية أي في صيف 1936، تسرد حياة التفتت والضياع التي تركتها الحرب، أي أن هذا الجو الجديد حطم السعادة والأمن الذي كان يعيشه أفراد هذه العائلة الأربعة قبل الحرب، واخترت لذلك شخصيات تمثل كل الفئات أي الطفلة، الأب والأم وصولا إلى الجد، دخلوا في حياة مليئة بالدموع والدمار ضاع فيها هؤلاء وفقدوا طعم الحياة، فافترقوا إجباريا وتكسرت تلك العلاقة التي تجمعهم، وتحكي القصة أيضا دور السلطة الموجودة آنذاك في مواجهة الأزمات وانتشار السلاح وجمع الأهالي، ولم تخلوا الرواية من الحديث عن الحب المفقود في تلك المرحلة. كانت لكم فرصة لدخول عالم الصحافة الذي ولجتموه مبكرا، حسب رأيكم هل من المهم على الأديب أن يمر على مهنة الصحافة لكي ينجح؟ انطلاقا من كوني أديبة وصحفية وأستاذة أيضا، أرى أن عالم الكتابة عالم واسع ليس بالضرورة على الأديب أن يكون له مرور على مهنة الصحافة، لكن في نفس الوقت الأديب يحتاج الصحافة لنشر أعماله وكتاباته المختلفة، كما أن الشخص الذي يلج الصحافة يكسب مع مرور الزمن تقنيات الكتابة سواء عبر مقال أو عمود أو خبر معين، وبالتالي بإمكانه أن يساهم في نشر أفكاره في كتب وقد يصبح كاتبا وأديبا كبيرا، وبالتالي هناك الكثير من الأمور تربط الصحافة بالأدب، فالصحفي يقرأ دائما ويبحث عن الجديد والتعرف على الواقع ونقل المعلومات وهو نفس الشئ بالنسبة للأديب. كأديبة اسبانية ما هي مكانة المرأة الاسبانية في المشهد الثقافي الاسباني؟ يمكن القول أن المرأة الاسبانية تمكنت من فرض نفسها في عدة مجالات منها الثقافة، إذ نجد أن أشهر المبدعين الاسبان من العنصر النسوي، كما أن المرأة الاسبانية تهتم بالمطالعة أكثر من الرجل، فمن الطبيعي إذا أن نجدها في الطليعة وتقوم بدورها المنوط بها في تقديم اعمال لها قيمة تخدم المجتمع، كما أني أرى أن سر نجاح الاسبانية أنها تكتب لكل فئات المجتمع أي أن الرجل قد يكون موضوع عمل أدبي معين، والإبداع الأدبي لا يفرق بين الرجل والمرأة المهم أن يكون هناك عمل جيد وقيم. اسبانيا عضوة في الاتحاد الأوروبي الذي يقترح ويقدم برامج تعاون ثقافية بين جميع دول أعضائه، فهل للأدب الاسباني تواجد في باقي الدول الأوروبية؟ بصفة عامة للثقافة الاسبانية حضور مميز خارجيا خاصة في الدول الأوروبية، سواء تعلق الأمر بالموسيقى أو الأدب وغيرها، هذه السمعة الطيبة لم تولد من العدم بل جاءت نتيجة عمل وجهد فناني ومثقفي وأدباء اسبانيا، الذين ينتجون أعمال لها بعد إنساني وبالتالي نجد الأدب الاسباني مطلوب في أوروبا وخارجها، كما تحصلوا على تكريمات وجوائز عديدة خارجيا، وبحكم أن اسبانيا تعمل داخل المنضومة الأوروبية تشارك في مختلف البرامج التي يقترحها الاتحاد، هذا الأخير الذي يقوم بجهود فعالة من اجل تقارب ثقافي أوروبي عالي المستوى، وتساهم اسبانيا في هذه البرامج عبر التعريف بلغتها وعرض الإصدارات والمشاركة في مختلف اللقاءات الثقافية، كما أن معهد “سيرفانتيس” يقوم بدور مهم في نشر اللغة والثقافة الاسبانيتين، وللسينما الاسبانية أيضا حضور في الخارج. بصفة عامة وكاسبانية افتخر بالكُتاب والروائيين الاسبان الذين أبدعوا وأوصلوا أعمالهم إلى خارج البلد، وهم في ذلك يخدمون الوطن ويقدمون صورة جميلة ومشرقة عن اسبانيا. جئتم إلى الجزائر بدعوة من المشرفين على تنظيم اللقاء الأوروبي الجزائري الرابع للكتّاب الذي عقد مؤخرا، هل هي أول زيارة لكم للجزائر؟ فعلا هي أول زيارة لي لبلدكم وهي أيضا أول زيارة لبلد عربي، وكما تفضلتم فهي تأتي بمناسبة مشاركتي في اللقاء الأوروبي الجزائري الرابع للكتّاب قدمت خلاله مداخلة عن امتلاك اللغة ونقل الخيال، وتشرفت كثيرا بلقائي مع كتاب جزائريين وآخرين يمثلون الدول الأوروبية، وبالمناسبة أتمنى أن يتواصل هذا اللقاء الذي يساهم في التعاون واللقاء والتحاور وتبادل الأفكار والأطروحات، التي تساعدنا على كسب تجارب الآخرين والاستفادة منها، وكان لي أيضا لقاء أدبيا بمعهد “سيرفانتيس”، وصراحة أنا سعيدة بزيارتي الأولى للجزائر التي تملك بعض الخصوصيات الموجودة عندنا في اسبانيا. بمناسبة الحديث عن مميزات وخصوصيات بلدنا وبلدكم، هل لديكم فكرة أو اطلاع على الفن والأدب بالجزائر أو بالدول العربية، خاصة وأننا نعلم أن هناك تاريخ يجمع اسبانيا بالبلدان العربية إجمالا والمغاربية خصوصا؟ كما قلت لكم سابقا فانا ازور لأول مرة بلد عربي، وللأسف ليس لدي اطلاع على المنتوج الأدبي سواء ببلدكم أو بالدول العربية الأخرى، وهذا ما يشعرني بالحاجة إلى الاقتراب أكثر من ثقافة هذه الدول وخلق جو من التواصل مع مبدعيها وكتابها، وهي مسؤولية كل كاتب حتى يلم بكل ما يوجد حوله حتى يشعر بالوجود، وما اعرفه أن الأدب الاسباني له قراء عرب ومن واجبنا نحن الاسبان أن نعرف الكنوز الأدبية العربية وفي ذلك تكريس للتبادل والحوار الذي نتمناه ونصبوا إليه. أما عن الجزائر فاعرف تاريخها الغني المليء بالبطولات، خاصة ما يتعلق بالثورة التحريرية التي أخرجت المستعمر من أرضكم، بفضل تضحيات شعبكم الذي أبان عن قوة وشجاعة وبسالة، لكن ما لاحظته في اسبانيا أن الكتب التي تتحدث عن تلك الفترة من تاريخ الجزائر أي مرحلة ما قبل الاستقلال هي لفرنسيين، بحيث لا نجد في اسبانيا ما يكتبه الجزائريون عن تاريخهم، وكانت لي مناسبة لمشاهدة فيلم “معركة الجزائر” الذي حقق نجاحا منقطع النظير. وأثناء تواجدي في الجزائر تفأجات لما اخبروني بوجود فرق غنائية في الفلامينكو وهو شيء جميل. ماذا يمكن أن تقولينه في ختام حوارنا هذا؟ أشكر الجزائر على استضافتها لي، تواجدي بها ساعدني على التعرف واكتشاف عدة أشياء، كما انوه بالأهداف السامية لتنظيمها اللقاء الأوروبي الجزائري للكتّاب، الذي سيسهم بدون شك في التقارب والحوار بيننا نحن الأوروبيون والمبدعين الجزائريين، وأتمنى أن يتواصل مستقبلا.