تكثيف الزيارات الميدانية والابتعاد عن سياسة الولائم لا حواجز في التعديل الدستوري إلا ما تعلق بالوحدة ومكونات الهوية الوطنية منع استيراد المواد الأولية المتوفرة محليا
واجه رئيس الجمهورية، أمس، أعضاء الحكومة والولاة، بحقائق أليمة يعيش على وقعها المواطن الجزائري ببث تقرير مصور صادم حول انعدام الشروط الأساسية للحياة عبر عدد من ولايات الجزائر العميقة، حقيقة قال إنها وسعت الهوة بين إدارة مكلفة ومبذرة وفئة كبيرة ما فتئت تزداد هشاشة، موجها على إثرها تعليمات صارمة بالكف عن إطلاق الوعود الكاذبة والالتزام بالتعهدات وفق ما يستطيعون تقديمه: قائلا «لقد ولى عهد الوعود الكاذبة»، محددا أجل سنة لتدارك الفوارق على أن تظهر بوادر التغيير مابين 4 و 6 أشهر المقبلة، حيث سيعمل على محاسبتهم، مشددا على التوزيع العادل للثروات. فضل الرئيس تبون في أول لقاء جمعه بولاة الجمهورية بقصر الأمم مواجهتهم، بالوقائع المعيشة بعيدا عن أي خطاب رسمي، بغية توضيح الرؤى وتسطير إستراتيجية واقعية من شأنها أن تحقق الجمهورية الجديدة التي يصبو لتجسيدها، لا يكون للفوارق التنموية فيها مكان وتحقق في الوقت ذاته العدالة الاجتماعية، قائلا: «نرى في كل 6 أشهر تغييرا للأرصفة وفي المقابل عشرات السنوات يتكبد فيها المواطن عناء غياب الماء والكهرباء، ميزانية البلديات توجه لإعادة جمال المحيط بدلا من إيصالهم بالماء والكهرباء». من هذا الباب، دعا رئيس الجمهورية خلال إشرافه على افتتاح لقاء الحكومة- الولاة تحت شعار «من أجل جزائر جديدة»، الجهاز التنفيذي إلى تحمل مسؤولية متابعة المشاريع من خلال التكثيف من الزيارات الميدانية للوقوف على مختلف المشاريع الموجهة لصالح المواطن على أن تكون زيارات لحل المشاكل وليس للولائم والبهرجة مع الحد من مواكب السيارات واستعمال الحافلات عند الضرورة. وأعطى تبون تعليمات صارمة للمسؤولين المركزيين والمحليين تقضي بمحاربة تبذير النفقات العمومية، مشيرا إلى ضرورة التحكم في الصفقات العمومية المتعلقة بهذه الأشغال ومراقبتها، محذرا في هذا السياق من غياب الرقابة التقنية التي جعلت الاستثمار في التنمية المحلية عبارة عن تبذير، فما ننجزه - يقول - نعيد إنجازه بعد ثلاثة أو ستة أشهر و لا رقيب و لا محاسب، وفي هذا السياق طالب المديريات التقنية بالوزارات بتحمل مسؤولية مراقبة نوعية الاستثمارات، والتي ستكون من اليوم المسؤولة على النوعية. محاربة الرشوة واستغلال النفوذ وتشجيع الكفاءات وطالب تبون في اللقاء الذي يعقد بالموازاة مع عرض مخطط عمل الحكومة على البرلمان كافة المسؤولين المحليين بإشراك الكفاءات وعدم الاعتماد على معيار الولاء لحل المشاكل التنموية المحلية، وأعطى في هذا الصدد تعليمات للمسؤولين المحليين بضرورة التقرب من المواطن وكسر الحاجز الذي بناه العهد السابق بين المواطن والدولة، لاسترجاع الثقة المفقودة والعمل على محاربة اللامبالاة والاستخفاف بقضاياه وانشغالاته اليومية وهذا لن يتأتى- حسبه - إلا عبر الاعتماد على الإطارات الكفؤة بغض النظر عن مشاربها مع أهمية مساعدة المجتمع المدني على تنظيم نفسه للمساهمة في التنمية المحلية. 100 مليار للبلديات ودعم لامركزية التسيير وكشف الرئيس تبون بالمناسبة عن تخصيص مبلغ إضافي يقدر ب 100 مليار دج لفائدة البلديات لتمكينها من دفع عجلة التنمية المحلية، مشيرا إلى تسجيل 80 مليار دج على شطرين في ديسمبر الفارط ضمن صندوق التضامن مابين الجماعات المحلية. وفي معرض حديثه عن سوء التسيير والرشوة المتفشية، قال إنه تم اكتشاف قبل سنوات في قطاع السكن وجود 16800 شهادة إقامة مزورة في العاصمة تباع ب 1500 دينار، متطرقا من جهة أخرى إلى قيمة القروض غير المسددة من قبل المتعاملين الاقتصاديين للبنوك وصلت قيمتها 1216 مليار دينار، مشيرا إلى أن هناك رجل أعمال من أثرى أثرياء البلد يوجد في المرتبة 56 ممن لا يدفعون الضرائب، ملمحا في هذا الصدد بإمكانية سن قانون يجرم عدم دفع الضرائب كجريمة اقتصادية خاصة وأن المواطنين البسطاء هم من يدفعون الضرائب أكثر. وأضاف رئيس الجمهورية، أنه من حق المواطن الاستفادة من خدمات الإدارة وطلب الوثائق التي يريدها دون مقابل، مشيرا إلى أن استغلال الوظيفة للثراء ممنوع ولا بد من محاربته داعيا المعنيين إلى الوفاء بالتزاماتهم تجاه هذا المواطن الذي يعي جيدا من هو المسؤول الصادق وذلك الذي يريد ربح الوقت. محكمة دستورية للفصل في النزاعات بين السلطات وفي الشق السياسي، كشف الرئيس تبون عن إمكانية إنشاء محكمة دستورية تختص في الفصل في النزاعات بين السلطات في التعديل الدستوري المقبل، وقال إنه إستقبل رئيس لجنة الخبراء المكلفة بتعديل الدستور أحمد لعرابة في الأيام الماضية وعرض عليه حصيلة أولية لعمل اللجنة حيث أبلغه بعدم وجود حواجز في التعديلات باستثناء عدم المساس بالوحدة الوطنية ومكونات الهوية. وفي هذا الإطار أكد أن اللجنة بصدد الإنتهاء من إعداد المسودة تمهيدا لتوزيعها على الجميع من أجل مناقشتها وإثرائها لمدة شهر ثم إعداد نسخة نهائية تعرض على البرلمان بغرفتيه وبعده على استفتاء شعبي. وأوضح تبون أن الدستور المقبل سيكرس الفصل بين السلطات حتى يعرف الكل عمله وهو ما سيبعدنا عن العهد السابق، قائلا «إن كل ما عشناه سابقا والانزلاقات نجمت عن الحكم الفردي المتسلط»، مشيرا إلى أن بناء ديمقراطية حقيقية وصلبة وغير ظرفية ولا على المقاس يكون تدريجيا، حيث سيكون التعديل الدستوري أول محطة فيه لكونه أساس الحكم في كل الأنظمة». مراجعة قانون الانتخابات وإبعاد المال الفاسد كما سيتم الشروع حسب ما جاء في خطاب الرئيس في مراجعة القانون العضوي المنظم للانتخابات في خطوة ترمي إلى إبعاد المال الفاسد والفاسدين عن السياسة وتسمح في الوقت ذاته ببروز طبقة سياسية جديدة من الشباب، الذين يشكلون النسبة الأكبر من التركيبة البشرية للشعب الجزائري وتمكينه من اعتلاء مناصب المسؤولية وهذا بغية «القضاء على مظاهر التهرب من المسؤولية وشراء الذمم من جهة والتمكن من إبراز منتخبين يملكون صلاحية المساءلة والتطرق إلى كل الملفات التي تخص المواطن والدفاع عنها. ولم يخف تبون واقع الاقتصاد الوطني حيث قال «إن الجزائر لا تملك اقتصادا حقيقيا» فقد «تعلمنا الشراء ولم نتعلم البيع، تعلمنا الغش والتبذير»، موجها في هذا الصدد أمرا بإيقاف إستيراد المواد الأولية المتوفرة في الوطن على أن يتم استيرادها بعد نفادها خاصة ما تعلق منها بفواكه العصر لاستخلاص المشروبات. الحراك السلمي ترجم إرادة الشعب ومهد الطريق لانتخابات نزيهة وأشاد تبون بالحراك الشعبي السلمي الذي يحيي ذكراه الأولى بعد أيام والذي يمثل إرادة الشعب الذي هب لانتخابات شفافة ونزيهة في ديسمبر الماضي، والتي جدد فيها التزامه بالتغيير الجذري بمرافقة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، مطالبا بالتغيير ورافضا المغامرة التي كادت تؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية وأركانها والعودة إلى المأساة التي عاشها بدمه ودموعه في تسعينيات القرن الماضي مجددا في هذا الإطار الإلتزام بالتغيير الجذري تلبية لإرادة الشعب داعيا لتبني حوار جاد من أجل الجزائر. واعتبر هذا الاجتماع مناسبة تلتقي فيها سلطة التخطيط والتدبير مع سلطة التنفيذ المحلية وللتكفل بتطلعات المواطنين والحد من معاناتهم في ظل عهد جديد وجمهورية جديدة وهو ما لن يكون إلا من خلال اعتماد أساليب و حوكمة جديدة مطهرة من كل الشوائب والشبهات والتعسف والفساد والاستبداد. وأشار إلى أن الوقت حان لتكريس الالتزامات التي تم تقديمها خلال الحملة الانتخابية دون إقصاء أو تهميش أو أي نزعة انتقامية، ملتزما بالعمل مع الجميع على طي صفحة الماضي وفتح صفحة الجمهورية الجديدة بعقلية ومنهجية مغايرة خدمة للمصلحة العامة.