المقاتلون الأجانب.. إرهابيون تحت الطلب يعتبر الدكتور طارق رداف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي في حواره مع « الشعب»، أن مبادرات السلام في ليبيا مازالت رهينة الانقسام، ليس بين أطراف الأزمة فقط، بل يمتد ذلك حتى إلى الجهات الخارجية التي تحاول فرض تصوراتها لتسوية النزاع الليبي، ويظهر هذا الانقسام في تضارب المواقف حول الطريق الذي يجب أن يأخذه مسار الحل، وقد تجلى ذلك في مناسبات متعددة أبانت عن فشل في إيجاد أرضية مشتركة واقتراح خطوات عملية قابلة للتطبيق، مؤكدا أن المطلوب في الوقت الحالي هو تعزيز الآليات التي تسمح بفرض حظر على الأسلحة، والضغط بتسليط العقوبات، فذلك من شأنه أن يغير من مواقف الأطراف الخفية المحرّكة للنزاع ووكلائها داخل ليبيا. «الشعب»: رغم تكاثف الجهود لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، فإن الحل لا يبدو قريبا، ما قراءتكم لجهود إنهاء المعضلة الليبية وحظوظ نجاحها؟ الدكتور طارق رداف: يلاحظ الجميع تعدد مبادرات الحل للمعضلة الليبية، من خلال الجهود العربية الرسمية وكذلك الجهود الأممية ممثلة في شخص السيد غسان سلامة المبعوث المشترك بين المنظمتين، إضافة إلى المساعي الجزائرية التي عرفت ديناميكية خلال الفترة الأخيرة، سواءً من خلال المساعي الأحادية أو بالتعاون مع دول الجوار. يضاف إليها المساعي الخارجية التي تقوم بها أطراف من خارج النظام الإقليمي المغاربي. ما يلاحظ على هذه المبادرات على تعددها، هو افتقارها إلى التنسيق ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة للحل، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو اختلاف القراءات المكونة حول الوضع الليبي منذ 2011، إضافة إلى ذلك فإن المساعي الخارجية تمتنع عن الأخذ بالاعتبار أن جزءًا كبيراً من الصراع الليبي، هو صراع بين أطراف من خارج ليبيا، وبالتالي فإن المبادرات التي لا تتضمن ضغطاً على الأطراف الخارجية للنزاع لا يدعم فرص التوصل إلى حل مستدام. كما يظهر على الدول أو المنظمات التي تسعى إلى معالجة الوضع في ليبيا، امتناعها عن اتخاذ مواقف صارمة تجاه الأطراف التي تتسبب في عرقلة مساعي التسوية، وعليه فإن مصير هذه المساعي مرتبط بمدى قربها أو بعدها عن القراءة الصحيحة لحقيقة ما يحدث في ليبيا، إضافة إلى مدى توفر القدرة على مواجهة كل جهة من شأنها أن تعرقل اتفاق دائم يعيد الاستقرار إلى ليبيا. وهذه الخطوة كانت أساس احترام العديد من اتفاقيات السلام التي أنهت الحروب الأهلية في مناطق مختلفة، مثل البلقان وإفريقيا، حيث يؤدي الخوف من مواجهة إجراءات عقابية إلى الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات المتوصل إليها. وفي غياب ذلك يبقى نجاح أي من المبادرات الساعية لوقف القتال بشكل نهائي، متوقف على الإرادة المنفردة لأطراف النزاع ووكلائهم في ليبيا. عقوبات على خرق حظر السلاح تثبيت هدنة 12 جانفي وتحويلها إلى وقف نهائي للقتال، محكوم بوضع حد لانتهاكات حظر السلاح، كيف السبيل لتحقيق هذا الهدف؟ تفيد الشواهد التاريخية القريبة نسبياً، أن كل نزاع لن يجد طريقه إلى التسوية إلا من خلال تجفيف مصادر الإمداد العسكري واللوجيستيكي بالأسلحة من مختلف الأشكال، وكل ما يساعد أطراف النزاع على الاستمرار في محاولات فرض أمر واقع على الأرض يتم استغلاله خلال التفاوض، ولا يتم ذلك إلا من خلال فرض حظر صارم على إمدادات الأسلحة التي يُمكنها إطالة الحرب، ولا أظن أنه من الممكن تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، وتحويله إلى هدنة قابلة للاستمرار، مادام أطراف النزاع يتمتعون بتوفر الأسلحة والدعم اللوجيستيكي والمالي من الخارج، وعليه فإن ما يجب الاهتمام به هو تحويل أي خرق لحظر الأسلحة، واستمرار تمويل الليبيين بكل ما من شأنه إطالة أمد الحرب، إلى سبب في تحمل المسؤولية الدولية، وبالتالي التعرض للعقوبات. كيف تكون العقوبات؟ حتى مع استحالة تعرض الدول الداعمة لأطراف النزاع الليبي الى ضربات عسكرية مثل ما وقع مع صربيا خلال الحرب في البوسنة، إلا أن الضغط الدبلوماسي ضمن المنظمات الدولية، والضغط عن طريق العقوبات يمكن أن يغير في مواقف الأطراف الحقيقيين للازمة ووكلائهم داخل ليبيا. وبالتالي فإن المطلوب حاليا هو تعزيز الآليات التي تسمح بفرض حضر الأسلحة، استكمالا للخطوة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي، بتشكيل عملية بحرية في المتوسط لتحقيق هذا الغرض، علما أن تدفق الأسلحة لا يتم فقط عبر البحر، بل يكون من خلال الأجواء الليبية أو حتى المنافذ البرية. عدة بلدان تتدخل بصفة مباشرة في الصراع الليبي وتغذيه بالسلاح والمقاتلين ما يعني أن التسوية تتجاوز السراج وحفتر إلى قرار تتخذه الدول التي تخوض حربا بالوكالة على الأرض الليبية، كيف يمكن الوصول إلى تسوية في خضم هذا التدخل الخارجي؟ اعتبر شخصياً أن أطراف النزاع في ليبيا ما هم إلا وكلاء، تنحصر مهمتهم في تولي إطلاق النار بدلا عن الأطراف الحقيقيين للنزاع، وهي كما هو واضح دول عربية بالأساس، انطلاقا من ذلك فإن التوصل إلى تسوية للوضع الليبي، يجب أن يمر بمحاولة إقناع الأطراف الخارجية بالأفكار المطروحة، على اعتبار أن قرار الأطراف الداخلية مرتبط بشكل أساسي بقرار الدول الداعمة. وفي حالة الفشل في إقناع الأطراف الخارجية، فإن كل مبادرة سيحكم عليها بالفشل، ما لم تتمكن الجهة التي تتقدم بها من تحييد دور الأطراف الخارجيين، وهو ما تعكسه مختلف المبادرات التي أهملت عن قصد أو عن غير قصد الدور الذي تمارسه بعض الدول العربية وغير العربية، والذي يؤدي إلى إطالة أمد الحرب. في هذا الصدد يُطلب من دول الجوار بشكل خاص والدول المغاربية بشكل عام، العمل على الحلول محل القوى الخارجية المتسببة في استمرار النزاع، حيث أن هذا الوضع ستكون نتائجه أكثر ملاحظة على دول الجوار التي تعاني من التبعات الأمنية المباشرة، وكذلك الاقتصادية المترتبة عن الحرب. المبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة، أبدى تفاؤلا كبيرا بإمكانية نجاح المحادثات العسكرية، فمن أين يستمد سلامة تفاؤله والميدان مازال ساخنا، وماذا عن المحادثات السياسية المقرر عقدها اليوم؟ لا يملك السيد غسان سلامة، إلا أن يبدي تفاؤله حول ما ستتمخض عنه جولة المحادثات المزمعة، اليوم في جنيف، بمناسبة انقاد اللجنة العسكرية أو مجموعة 5+5. ولعل هذا التفاؤل صادر بالأساس عن طبيعة المحادثات التي تكون مفاوضات ذات طابع تقني وليست مفاوضات سياسية، وبالتالي فإنها لا تتضمن تنازلات بقدر ما تتضمن توفير ضمانات بعدم تهديد كل طرف للمكاسب المحققة ميدانيا من الطرف الآخر، وبالتالي توفير أرضية ممكنة في الوقت الحالي لإدامة وقف إطلاق النار. كما أن استمرار وقف إطلاق النار، انطلاقاً من الاطمئنان بعدم وجود تهديد للمكاسب المادية على الأرض يعني القدرة على ضمان خطوات إضافية مثل التحكم في تدفق المقاتلين الأجانب، أو حتى إمدادات الأسلحة. غير أن ذلك يبقى مشروطا بجدية الإعلان الذي صدر عن اللجنة العسكرية التي تتشكل من ممثلين عسكريين سامين من كلا الجانبين أي قوات حفتر وكذلك حكومة الوفاق. ويُمكن كذلك إرجاع تفاؤل السيد سلامة إلى حالة الجمود التي تُميز جبهات القتال، حيث فشلت أطراف النزاع في إحداث تغيير جذري على المواقع المكتسبة ميدانيا، وعليه فإن استمرار الوضع الراهن قد يدفع الطرفين إلى ميادين أخرى للمعارك، وهي طاولة المفاوضات التي سيسعى من خلالها كل طرف للحصول على مكاسب فشل في الحصول عليها من خلال القوة العسكرية. ما معنى اعتراف الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بوجود مقاتلين سوريين موالين لبلاده في ليبيا؟ لا يتضمن اعتراف الرئيس التركي أية معلومة جديدة، فالجميع يعلم بوجود مقاتلين أجانب على الأراضي الليبية، وهو ما أعلنته الجزائر مراراً وتكراراً في مناسبات سابقة. فالمقاتلين الأجانب حقيقة واضحة بنفس درجة وضوح أطراف النزاع الداخليين والخارجيين، إلا أن هذا الإعلان يُمكن أن تكون له قيمة في حالة واحدة، وهي تحمّل تركيا ومعها بقية الدول المتدخلة في النزاع، لمسؤولية استقدام المقاتلين الأجانب، وبالتالي تبني خطوة التوقف عن تجنيدهم واستخدامهم في مناطق النزاع ومنها ليبيا، والذين يمكن أن يكونوا أهم عوامل تزويد الجماعات الإرهابية في دول أخرى بالدمويين المدربين، والجاهزين للقيام بأعمال انتحارية، وتجدر الإشارة إلى أن مشكلة المقاتلين الأجانب لا تقل صعوبة عن الإمداد بالأسلحة، خاصة إذا كان هؤلاء المقاتلين مستقدمون من مناطق نزاع أخرى مثل سوريا، وهو ما يعني أنهم يتمتعون بتدريب عسكري من جهة، ومتشبعون بالفكر الجهادي التكفيري الارهابي، الذي يعمّق الأزمات ويحوّلها الى حروب دموية لانهاية لها. حياد الجزائر يؤهلها لوساطة ناجحة لا شك أن الجزائر متمسكة بمواصلة جهودها لإسكات صوت السلاح في ليبيا، فما هي مبادرتها القادمة في هذا الاتجاه وما تقييمكم للمسعى الجزائري في الجارة الشرقية؟ لا يختلف أحد حول محورية الدور الجزائري في إيجاد تسوية محتملة للنزاع في ليبيا، فقد كان تطور النزاع منذ 2011 عاملاً مؤكدا لعقلانية الطرح الجزائري، المشدد على خطورة انهيار الدولة في ليبيا، وهو الموقف الذي أسيء إليه في المراحل الأولى للحرب في ليبيا، ثم سرعان ما أعيد إليه الاعتبار في وقت متأخر للأسف الشديد. تظهر جاذبية الموقف الجزائري من خلال عدم وجود مصالح خاصة للجزائر مع أي من أطراف النزاع داخلياً وخارجياً، وكذلك بسبب عدالة الدوافع التي تدفع الجزائر لمحاولة البحث عن تسوية، والتي تختصرها المواقف الجزائرية في سببين رئيسيين وهما التبعات الإنسانية والسياسية على الشعب الليبي أولا، والتبعات الأمنية على دول الجوار وعلى رأسها التبعات على الأمن الوطني الجزائري. إضافة إلى تكرار الجزائر إعلانها عن وقوفها على مسافة واحدة من طرفي النزاع، وهو ما ظهر من خلال اجتماع مسؤولين جزائريين مع كل من فايز السراج وخليفة حفتر دون شروط مسبقة. الأمر الذي يؤهلها نظريا على الأقل لإعطاء حركية أكبر لمساعي التسوية، ومساعدة سلامة في جمع أطراف النزاع، وإقناع الجميع بضرورة تقديم تنازلات مشتركة، وفي مرحلة ما ضمان اتفاق السلام الذي يُمكن أن يتوصل إليه الليبيون. غير أن ما يتطلبه الموقف حاليا في سياق اجتماع 26 فيفري، هو توجه الجزائر نحو استغلال علاقاتها مع الأطراف التي تدعم استمرار الحرب في ليبيا عربيا وإقليمياً من أجل دفعها نحو تخفيف حدة النزاع من خلال إدامة وقف القتال كمقدمة لإطلاق مفاوضات يُمكنها في نهاية المطاف أن تتمخض عن اتفاق سلام دائم. الضغط على داعمي الحرب ما موقع الاتحاد الإفريقي من جهود تسوية الأزمة الليبية؟ يُفترض أن يلعب الاتحاد الإفريقي دوراً محورياً في تسوية النزاع الليبي، نظراً لخلفية العلاقات الليبية - الإفريقية، والدور الليبي في تأسيس الاتحاد الافريقي، ورغم مساهمة هذا الأخير في النزاعات القارية، منذ تأسيسه خلفا لمنظمة الوحدة الإفريقية، ورغم امتلاكه لآليات عمل أكثر فعالية مقارنة بالجامعة العربية، إلا أن الاتحاد الإفريقي لا يقوم بأي دور فعال في الحالة الليبية، رغم دور مجلس الأمن والسلم في إفريقيا في الكثير من الحالات، أو الأنشطة الدبلوماسية والوساطة التي تمارسها المفوضية الأوروبية، أو حتى القوات العسكرية متعددة الجنسيات لحفظ السلام. وقد يرجع ذلك بالأساس إلى عدم قدرة الاتحاد الإفريقي على ممارسة الضغط على الأطراف غير الإفريقية، والتي تساهم في استمرار حدة النزاع. لذلك يحافظ الاتحاد الإفريقي إلى غاية الآن، على تماس سطحي مع النزاع الليبي، من خلال الإعلان على مواقف عامة تتراوح بين التعبير عن القلق، ودعوة أطراف النزاع إلى الحلول السياسية التفاوضية، لكن دون أن يتجاوز ذلك إلى طرح مبادرات وساطة كتلك التي تطرحها مفوضية الاتحاد الإفريقي، أو لجنة حكماء القارة وغيرها من آليات العمل الإفريقية في مجال النزاعات المسلحة. تنسيق جهود الجوار أكيد أن الأزمة الليبية تلقي بظلالها الداكنة على الجوار والإقليم، فما تداعياتها الأمنية على المنطقة وكيف السبيل إلى درء خطرها؟ بشكل عام فإن استمرار النزاع يعني استمرار التهديدات الأمنية المرتبطة بانهيار الدولة، فالوضع في ليبيا يشكل مناخاً مناسباً لتدريب المقاتلين الأجانب «الارهابيين» والذين ينتقلون بعدها إلى مناطق نزاع جديدة في إطار الظاهرة الإرهابية العابرة للحدود من جهة، أو عند العودة إلى بلدانهم الأصلية والمساهمة في تهديد الأمن والاستقرار فيها. وبالإضافة إلى التبعات الأمنية المعروفة لدى الجميع، فإن استمرار الوضع الراهن في ليبيا، يعني إضافة عائق جديد أمام التعاون تحت الإقليمي في المنطقة المغاربية، وهو الوضع الذي يزيد من تعقيده غياب التنسيق الأمني والسياسي بين الدول المغاربية، حول الوضع في ليبيا والعلاقات البينية بشكل عام. في كلمة أخيرة، الأزمة الليبية إلى أين؟ تبقى ليبيا مسرحاً مفتوحاً على مشاهد محتملة عديدة ومتنوعة، يرتبط كل منها بمدى توفر المؤشرات والعوامل التي تساعد على تكريسه عملياً، وإذا كانت الأمنيات تسير في اتجاه توفر قدر من العقلانية يسمح بالتوصل إلى حل سياسي يصنعه الليبيون أنفسهم وفق ما يتضمنه الطرح الجزائري المعلن عنه بشكل متكرر. غير أن الوضع كما هو لا يرتبط بما نتمناها بل بما هو ممكن ميدانياً، وقدرة الجزائر على تكريس تصورها للحل، ترتبط بقدرتها بتوفير ما يكفي من دعم لمساعي التسوية وزيادة الضغط الدولي على داعمي استمرار الحرب ورفض التفاوض مع الطرف الآخر.