ليس الحديث عن واقع المرأة في الغرب المتحرر، كما الحديث عنها في عالمنا العربي المحافظ، ففي حين بلغت المرأة الغربية أعلى مراتب المسؤولية وأصبحت تدير الدول والحكومات والمؤسسات السياسية وغير السياسية الكبرى، وتنافس الرجل في كل مجال واختصاص وتتفوق عليه بكفاءتها وعلمها لا بجمالها وقوامها، مازالت المرأة العربية في بعض البلدان على الأقل تعيش عصر الحريم بكل تفاصيله، خاضعة للهيمنة الذكورية، فهي لا تعمل ولا تحصل على جواز السفر إلا بموافقة الرجل، ولا تجري لها عملية جراحية مهما كانت ضرورتها إلا بتوقيع مكتوب من المحرم، ولا تستطيع نقل جنيستها لأبنائها من زوج أجنبي أو لزوجها الأجنبي بل لا تستطيع حتى قيادة سيارتها بنفسها أما مشاركتها السياسية، فهي ترف لا يمكن أن تبلغه إلا بموافقة الحاكم الذكر. لم تنتظر المرأة في الغرب من الرجل أن يجود عليها بحقوقها، ولا أن يحدد لها مجالات تحركها وعملها، أو أن يسترضيها بمناصب وحصص تجعلها مجرد ديكور لتزيين المؤسسات الحاكمة. لقد انتزعت حقوقها بيدها، وحققت مكانتها بكفاءتها ولم يعد اليوم أحد في الغرب يطرح اشكالية اسمها حقوق المرأة بالشكل المخيف والمقزز التي تطرح به في بلادنا العربية والاسلامية، ولا أن يخوض في جدلية عقيمة اسمها المرأة والرجل، فكلاهما مواطن بشكله الخشن والناعم يتمتعان بذات الحقوق ويؤديان ذات الواجبات والكفاءة وحدها هي الفاصل بينهما. 9 رئيسات بين 152 زعيما في العالم لقد تجاوزت المرأة في الغرب المتطور المتحرر منذ زمن بعيد جدلية مكان المرأة الحقيقي في البيت أم خارجة التي مازالت مطروحة بحدة في العديد من مجتمعاتنا، وأخذت تشق طريقها وتكسر الحواجز وتصعد سلم الارتقاء حتى بلغت أعلى المراتب، واليوم هناك تسع رئيسات دول في العالم، وسبع أخريات يدرن حكومات، دون الحديث عن إعداد اللواتي يدرن الوزارة والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهامة. وتستأثر أوروبا بحصة الأسد بأربع رئيسات يتولين قيادة كل من فنلندا وإيرلندا وسويسرا وليتوانيا وتأتي أمريكا اللاتينية في المرتبة الثانية بثلاث رئيسات يدرن دواليب الحكم في كل من البرازيل والأرجنتين وكوستاريكا وتحتل آسيا المرتبة الثالث برئيسة تقود الهند.وفي افريقيا، المرأة الوحيدة التي تشغل منصب القيادة هي الرئيسة الليبيرية. وبالإضافة إلى صاحبات الفخامة اللواتي يزاحمن مجالا ذكوريا يسيطر عليه 151 رئيس دولة، تتولى سبع نساء رئاسة الحكومة في سبع دول وتعتبر المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركيل” أكثرهن نجاحا وقدرة على ممارسة مهامها، وقد توجتها العديد من الجهات كأقوى امرأة على وجه الكرة الأرضية، وتليها مكانة رئيسة الحكومة الاسترالية. ترشح ولا تنتخب والسلطة خط أحمر وأمام التقدم الخارق للمرأة في الغرب تجد المرأة العربية نفسها تصارع طواحين الحيف والهيمنة الذكورية والعقبات الاجتماعية والقانونية التي تضع خطا أحمر بينها وبيت قصور الرئاسة التي مازالت حكرا على الرجال رغم الخطاب السياسي المنمق الذي يفرش لها الورود ويوقد لها الشموع ليبقى أكبر ما يمكن للمرأة العربية المحظوظة أن تحلم به هو أن تنتزع منصبا وزاريا أو مقعدا برلمانيا، أما أكثر من ذلك فهي مجرد أضغاث أحلام من المستحيل تحقيقها على الأقل في العصر الحالي، وحتى محاولات إشراكها في العمليات السياسية بالترشح والانتخاب، فإن نتائجها غالبا لا تلبي طموحاتها، إذ يحجم الأغلب الأعم عن انتخابها، وحتى المرأة تفضل عليها الرجل، ما جعل نسبة المرأة في البرلمانات العربية محدودة جدا رغم التصعيد الايجابي لتمكينها من الجلوس على المقاعد النيابية والقيادية ويرجع البعض سبب هذا الاخفاق النسوي إلى محدودية عدد المترشحات بسبب “الفيتوهات” التي يرفعها في وجوههن أقاربهن، ثم هناك نقص في تمويل حملاتهن وقلة خبرتهن باللعبة السياسية وأحجام الأحزاب التي لازالت خاضعة لسيطرة الرجل، عن ترتيبها على رؤوس القوائم الانتخابية. وهكذا تبقى نسبة البرلمانيات العربيات بعيدة عن الحصة التي طالبت الأممالمتحدة خلال مؤتمر المرأة المنعقد في الصين قبل سنوات بتخصيصها للنساء وهي 30٪ من مجموع المقاعد النيابية. الربيع العربي.. رفع الاسلاميين وأنزل المرأة..! من وجه الغرابة أن الربيع العربي لم يحسن حصص المرأة في برلمانات الدول العربية بل هناك تراجعا كبيرا لحصصهن في بعض البلدان التي نظمت تشريعيات في الأشهر الأخيرة والتي تمّ تداركها برفع “حصصهن” من الوزارات. وقد أشار تقرير للأمم المتحدة صدر قبل أيام، أنه رغم ما تمخض عنه الثورات العربية من تغيير، فإن المنطقة العربية كانت الوحيدة في العالم التي لم يحقق فيها أي برلمان حدا أدنى من 30٪ للمرأة، رغم أن العديد من البلدان العربية خططت وشجعت على بلوغ هذه النسبة أو أي رقم مقارب لها وقد باتت النساء في المغرب الذي نظم قبل أشهر تشريعيات فاز بها الاسلاميون، يشكلن 7 ، 16٪ من أعضاء المجلس النيابي وفي تونس، حيث فاز الإسلاميون أيضا، فقدت المرأة مقعدين في برلمانيات أكتوبر الماضي، أما في مصر والتي فاز فيها الإسلاميون كذلك بالتشريعيات التي جرت شهر جانفي الماضي، فقد سجل انخفاض كبير لنسبة التمثيل النسوي والذي وصل إلى 2٪ مقابل 12٪ سابقا. ويعوّل الكثير منذ المراقبين على التشريعيات الجزائرية في ماي القادم، ليقترب تمثيل المرأة مع النسبة التي حددتها الأممالمتحدة وهي 30٪ . وبالمقارنة من خيبات المرأة العربية التي إن وجدت من يرشحها فهي لا تجد من ينتخبها. فعلى الصعيد العالمي سجلت حصة الجنس اللطيف تقدما طفيفا في البرلمات لتصل إلى 5 ، 19٪ في المتوسط عام 2011، مقابل 19٪ في عام 2010، مع بقاء صدارة الترتيب لدول الشمال بنسبة 42٪ في المتوسط. أما أكبر تقدم فقد حققته المرأة النيكاراغوية التي ارتفعت نسبتها التمثيلية في البرلمان من 5 . 18٪ عام 2006 إلى 40٪ حاليا. كما سجلت بداية مشجعة لدولة جنوب السودان، حيث بلغت حصة المرأة في الجمعية التأسيسية نسبة 5 . 26٪. من عصر الحريم إلى ميادين التحرير إذا كانت الانتخابات البرلمانية التي نظمت في بعض البلدان العربية مؤخرا قد أتت على مكاسب الجنس الناعم في عهود الديكتاتوريات البائدة، بتقليص حصصهن في المقاعد النيابية، وإذا كانت المرأة العربية تجد صعوبة في دخول أغوار السياسة والسير في متاهاتها المتشابكة بسبب الحواجز الاجتماعية التي تحد من حريتها والقوانين والعادات التي تصر على إنزالها منزلة التابع، خاصة في بعض البلدان الخليجية التي مازالت المرأة فيها تعاني التمييز في ظل قوانين الأحوال الشخصية التي تصب في مجملها في مصلحة الرجل، حتى إنها لم تحصل على حق استخراج هويتها الشخصية إلا منذ سنوات معدودة، ولا تتمتع بحق قيادة السيارة كالمرأة السعودية، فإن المرأة العربية على العكس تماما تتيقن ببراعة وشجاعة صنع الثورة وإقرار التغيير، وقد رأيناها كيف وقفت طول السنة الماضية ولازالت جنبا إلى جنب مع الرجل في ميادين التحرير، تواجه خصما واحدا وتنشد هدفا واحدا هو إسقاط الأنظمة الفاشلة الفاسدة. ولا يمكن لأحد أن يتجاهل تضحياتها الجسام وما تعرضت له من عنف وإهانة وتنكل لكنها صمدت وضحت مثل الرجل تماما وكان الانتصار، ومعه كانت نوبل السلام حاضرة لتتوج، هذا الانتصار وهذه التضحيات، وإذا كانت اليمتية “توكل كرمان” هي التي فازت بها، خلالها كان الفوز لكل النساء العربيات اللاتي مازال الكثير منهن يبحثن عن مكان تحت الشمس والحرية، لهذا يجب أن لا ننسى معاناة المرأة الفلسطينية والصحراوية تحت الاحتلال.