أظهر فيروس كورونا الحاجة الملحة إلى اعتماد الرقمية في تقديم خدمات لمواطنين قابعين تحت الحجر الصحي، تزيل عنهم تعب التنقل وملل طرق الأبواب والطوابير. هذه الخدمات التي وإن كان بعضها موجودا، لم تستعمل بالكيفية المطلوبة التي يفرضها التطور وتحتمها العصرنة في الزمن التحدي التكنولوجي. والدليل، أن بوابات رقمية كثيرة اعتمدتها مؤسسات وهيئات وطنية ضمن الإدارة الإلكترونية لم تجد التجاوب المنتظر من مواطنين، فضلوا البقاء أسرى الأساليب التقليدية لقضاء حاجياتهم. لكن تفشي الوباء وما رافقه من تدابير استعجالية، ممثلة في الحجر الصحي والعزل المنزلي والتباعد الاجتماعي، فرض هذا الخيار الحتمي وأدى إلى انتعاش التجارة الإلكترونية والمعاملات والدفع. لأول مرة، يتجاوب المواطنون مع الآلية الإلكترونية واستعمالها بلا تردد ولا مخاوف، ويتقبلون تلقائيا حملات التعبئة والتحسيس بشأن اقتحام هذه البوابات والمنصات التي باتت تتكاثر كالفطريات، ونفاجأ يوميا باختراعات شباب كسروا الحواجز واضعين مهاراتهم وإبداعاتهم تحت التصرف. اختراعات طبية وصيدلانية ومنصات إلكترونية تنشأ باستمرار، يؤكد من خلالها أصحابها أنهم ذاهبون إلى الأبعد في ترسيخ ثقافة الرقمنة، تجاوبا والإدارة الإلكترونية سمة الظرف الراهن وعلامته المميزة في عولمة افتراضية زاحفة لا تسمح بالانتظار والترقب. هذه الكفاءات الجزائرية التي فجرت طاقاتها ومواهبها الخلاقة، تحظى بالمتابعة من السلطات العمومية، التي ترى فيها متكأ للنهوض بجزائر تأخرت كثيرا في هذه المعركة وقررت تدارك التأخر المسجل للحاق بركب الأمم بأقصى مسافة وأسرع وتيرة. من هذه الزاوية، تتحرك وزارة المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، للتحسيس بخطة عمل للنهوض بهذا القطاع والاستثمار في الموارد البشرية، التي وإن أبان الكثير منها عن إبداعاتهم، لازال هناك من هو على الهامش ينتظر المرافقة والمتابعة بحرقة وصبر. كشفت الوزارة من خلال المنصة الإلكترونية «سهرتك»، أمس، عن ورقة عمل لتشجيع المؤسسات الناشئة وحاملي المشاريع ومرافقتهم في مسار خلق الثروة والقيمة المضافة والعمل، مقدمة أجوبة لانشغالات يطرحها خبراء جزائريون أصحاب تجارب رائدة بالخارج حول كيفية الانخراط في مسار بناء اقتصاد المعرفة، ليكون السند القوي في مسعى استكمال إقامة الدولة الحديثة صاحبة القرار السيادي الحق، بعيدا عن إملاءات الآخر وتبعاته. يتضح من خلال السياسة الوطنية، أن هناك إرادة قوية للخوض في هذه المعركة المصيرية، إعتمادا على كفاءات جزائرية في مختلف جهات المعمورة، تمتلك قدرات خارقة وهي مستعدة لنقل تجاربها إلى الوطن الأم متى تلقت الضوء الأخضر. وهو ما تم في هذا الظرف الاستثنائي من زمن كورونا.