أصبحت الجزائر في السنوات القليلة الماضية تصنف من بين الدول الأقل مديونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بما أن ديونها الخارجية لم تعد تشكل سوى 9 . 2٪ من الناتج الداخلي الخام سنة 2010 وفقط 2 . 2٪ من نفس الناتج في سنة 2011 مقابل معدل تجاوز بكثير 4 3٪ خلال الفترة الممتدة مابين 2000 و2005. هذه النتائج الايجابية، ماكان لها أن تتحقق لولا القرار التاريخي الذي اتخذ قبل سنوات والقاضي برفع أعباء الديون الخارجية على كاهل الاقتصاد الوطني الذي كبله لسنوات طويلة وجعل منه عائقا حقيقيا أمام أية محاولة للإنعاش الاقتصادي، لأن خدمات الديون كانت تستحوذ على الجزء الكبير من عائدات المحروقات التي كانت في ذلك الوقت شحيحة إلى حد ما. القرار التاريخي المتعلق بتسديد السواد الأعظم من الديون الخارجية بشكل مسبق سيظل يُحسب على الرئيس بوتفليقة كأحد أهم الإنجازات التي ميزت عهدته الرئاسية، على الرغم من أن البعض يقول أن أموال المحروقات هي التي مكنت من تخفيف عبء الديون الخارجية، غير أن العبرة تبقى في القرار بحد ذاته الذي باشرته الجزائر في سنة 2004 وتواصل إلى غاية سنة 2008 وبوتيرة سريعة ومميزة خلال سنة 2006 عندما تم تسديد ما مقداره 9 . 10 مليار دولار، مما أدى إلى خفض سريع ومباشر للديون الخارجية وخاصة العمومية منها. هذا الاجراء الذي يبقى فريدا من نوعه سمح للجزائر بأن تتموقع ضمن البلدان القليلة، التي تتمتع بقدرة تحمل ثقل الديون الخارجية، وهو مؤشر عالمي عادة ما يقاس به مدى الصلابة المالية الخارجية للدول خاصة خلال الأزمات المالية كتلك التي عصفت باقتصاديات العديد من دول العالم ولاسيما المتقدمة منها. بعد فترة طولة من الهشاشة المالية الخارجية، عرفت الجزائر تحولا جذريا في عملية تطور الدين الخارجي، وخاصة في شقه المتعلق بخدمة الدين الذي تراجع على نحو غير مسبوق من100٪ الى 1٪ فقط خلال 15 سنة الماضية، خاصة منذ سنة 2004. ولحسن حظ الاقتصاد الوطني فإن انجاز عملية التسديد المسبق تم قبل ظهور الأزمة المالية الدولية، الأمر الذي ساهم في التصدي ومقاومة تداعياتها التي برزت على وجه الخصوص خلال سنوات 2008 و2010، في الوقت الذي عجزت فيه العديد من الدول على مواجهتها واضطرت الى اللجوء الى التمويلات الاستثنائية من مؤسسات مالية متعددة الأطراف على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرها من المؤسسات المالية الأخرى. ومن حيث هيكلة الديون الخارجية التي تقلصت الى أدنى مستوى لها في السنوات القليلة الماضية، فقد تراجعت من 5 . 21 مليار دولار في سنة 2004 الى أقل من 6 . 3 مليار في سنة 2010 بالنسبة للديون المتوسطة والطويلة المدى بينما بلغ الدين الخارجي القصير المدى أقل من مليار أي 989 مليون دولار في نهاية الفصل الأول من العام الماضي، مقابل 778 . 1 مليار دولار في سنة 2010 و492 . 1 مليار في نهاية 2009 و304 ، 1 مليار في نهاية 2008 ويمثل هذا الدين قصير المدى الأساس تسبيقات الشركات الأم الى فروعها في الجزائر والتي تعد بمثابة استثمارات خارجية مباشرة، مثلما ورد في أحدث تقرير صدر عن بنك الجزائر. مؤشرات الديون الخارجية التي تطورت ايجابيا وتدعمت باستمرار، تؤكد على أن الوضعية المالية الخارجية للبلاد في تحسن دائم، ولم تهتز رغم خطورة الأزمة المالية الدولية، مما يعني أن تسيير ملف الديون الخارجية يسير في إتجاه دعم الصلابة المالية الخارجية للبلاد.