إندلعت أولى المظاهرات الأوروبية التي تطالب بمحاسبة المتسببين في الأزمة المالية العالمية والمنددة بالرأسمالية، من سويسرا قلعة صناعة المصارف وتحديدا من ميدان بارادا بلاتس في قلب العاصمة الاقتصادية للبلاد زيورخ، وفي جنيفالمدينة الدولية ذائعة الصيت ببنوكها الخاصة. ففي زيورخ تجمع مساء الخميس ما لا يقل عن سبعمائة شخص بدعوة من حزبي الاشتراكيين والخضر واتحادات النقابات العمالية أمام مقرات كبريات البنوك السويسرية، مطالبين الحكومة بربط مساعدتها المالية المقدرة بحوالي ستين مليار دولار لمصرف (يو. بي. إس) بقيود تحدد رواتب المديرين، على ألا تزيد عن نصف مليون دولار سنويا. كما طالب المتظاهرون تحت شعار... أوقفوا الاستغلال... بحرمان مديري البنوك التي تحصل على الدعم الحكومي من امتيازات مثل الحصول على نسبة من الأرباح، وأن يكون جهاز الرقابة على الآداء المصرفي أكثر دقة وشفافية. أحزاب اليسار أكدت ضرورة مطالبة كوادر (يو. بي. إس) الإدارية العليا بإعادة ما تقاضته منذ خمس سنوات من امتيازات وصلت في العام الواحد إلى أكثر من 25 مليون دولار للمدير العام وفي المقابل أكدت أحزاب اليسار ضرورة مطالبة كوادر يو بي إس الإدارية العليا بإعادة ما تقاضته منذ خمس سنوات من امتيازات وصلت في العام الواحد إلى أكثر من 25 مليون دولار للمدير العام، بل طالبت بضرورة تقديم كبار المديرين إلى المحاكمة بتهمة التقصير في المهام الموكلة إليهم وتسببهم في الخسارة الفادحة. وصب المتحدثون من نقابيين وساسة جام غضبهم أمام المتظاهرين على ما وصفوه نتائج الرأسمالية التي تتنصل من مسؤولياتها عند تحقيق الأرباح، وتلجأ إلى دافعي الضرائب عندما تخسر، ولذا اعتبروا أن من حق دافعي الضرائب التحقق من مصير أموالهم. وقال أحد المتظاهرين التابعين للحزب الاشتراكي إن ضخ أموال دافعي الضرائب لإنقاذ مصرف بحجم يو بي إس والمصنف عالميا الأول في مجال إدارة الثروات الخاصة، يعني أن البنك الآن لم يعد قطاعا خاصا. ولذا فلا يجب عليه أن يقوم بدعم تيارات موالية له في البرلمان أو تمويل الأحزاب البرجوازية التي تؤيد الرأسمالية وتسخر القوانين لصالحها. من ناحيته رأى النائب البرلماني عن حزب الخضر دانيال فيشر في حديثه أن تلك المظاهرة لن تكون الوحيدة بل ستتبعها بالتأكيد مظاهرات أخرى، إذا تأكد للرأي العام ضرورة التحرك كي تشعر الحكومة بمطالبه وأن الأزمة ليست مجرد نقص أموال أو دعم مالي بل إخفاق في السياسة المصرفية ويجب التصدي لها. ورفض فيشر اتهام اليمين الأوروبي لليسار بانتهاز الأزمة للهجوم على الرأسمالية دون تقديم حلول واقعية، لأن الحلول جاهزة قبل ظهور الأزمة وأهمها ضرورة الحد من سلطة رأس المال لفائدة الصالح العام. ورأى ماريانو باتسيلي من تحالف اليسار منسق المظاهرة أن الترويج للرأسمالية غسل عقول الأوروبيين حتى أفاقوا على الكارثة بعد أن انفجرت الفقاعة الكبيرة التي ادعى الرأسماليون أنها أرباح وأموال فلم تكن سوى فقاعة صابون. ورأى مراقبون استطلعت آراءهم أن انطلاق أولى المظاهرات المنددة بالرأسمالية من سويسرا المعروفة منذ عقود بتأييدها للنظام الاقتصادي الليبرالي يأتي لسببين أولهما أن الحكومة قد دأبت في السنوات الأخيرة على تهيئة الرأي العام بأن المستقبل الاقتصادي بيد القطاع الخاص ثم انهار كل شيء. وثانيهما أن السخط كان كبيرا بسبب ظهور مليارات الدولارات لدعم المصارف فجأة في حين أن الحكومة قد تنصلت من مسؤولياتها في مساعدة صناديق التقاعد على تجاوز العجز المالي الذي تعاني منه، وقلصت من مشاركتها في المعاشات التعويضية لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما دعا اتحاد النقابات إلى توجيه رسالة إلى الحكومة يطالبها بإعادة النظر في التزاماتها المالية نحو المواطنين مثلما تفعل مع البنوك.