لا يزال الفيروس المستجد يغزو العالم أجمع حيث تجاوز عدد الإصابات حاجز 20 مليونا حتى الآن، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم وقلوب الملايين إلى اليوم الذي يبصر فيه لقاح كورونا النور بشكل رسمي ويوّزع عالمياً. وعندما لا يكون هناك علاج لمرض ما، فإن الاختبارات السريرية الخاصة بإنتاج لقاح له تخضع لإجراءات أكثر تشدداً، إذ يتعين أن يترك الشخص بعد إعطائه اللقاح للتعرض الطبيعي للفيروس في المجتمع لاختبار مدى كفاءة اللقاح في منع العدوى. وحتى الآن، لا يوجد علاج لمرض كوفيد 19، وتستهدف الأدوية التي تُمنح ضمن بروتوكولات العلاج الخاصة به أعراض المرض، وليس المرض نفسه، لذلك قد يبدو من الصعب تقبّل إحداث العدوى عمداً في الأشخاص المشاركين بالتجارب السريرية لاختبار مدى فاعلية اللقاحات. وما يبدو صعباً، ربما يصبح واقعاً عملياً، بعد أن نجحت مؤسسة 1Day Sooner، في الحصول على توقيع أكثر من 32 ألف متطوع لخوض هذه المخاطرة، والتي تسعى إلى تسريع عملية إنتاج اللقاحات الخاصة بالمرض، وهو الهدف الذي تأسست من أجله هذه المؤسسة غير الربحية التي تتخذ من بروكلين في أمريكا مقراً لها. كما سجل هؤلاء المتطوعون من أمريكا و139 دولة بياناتهم عبر الموقع الإلكتروني للمؤسسة، بما يعكس استياعبهم للهدف الذي تسعى إليه المؤسسة والذي يظهر واضحاً في اسمها، حيث ترى أن اختصار يوم واحد من وقت تطوير اللقاح يمكن أن ينقذ 7 آلاف و120 شخص، وأن تقليل وقت التطوير بمقدار 3 أشهر من شأنه أن ينقذ أكثر من نصف مليون شخص. جدل محتدم رغم عدم تعرض هؤلاء المتطوّعين لأي ضغوط بشأن خضوعهم لهذه المخاطرة، إلا أن الجدل محتدم بين المتخصّصين، حيث يمكن للتجارب التي تستخدم هؤلاء المتطوعين أن تقدم لقاحاً فعالاً وتنهي الوباء بسرعة أكبر، لكن المجهول حول الفيروس التاجي الجديد، وعدم وجود علاج فعّال له، قد يأتي بتكلفة عالية تتعلق بصحة المتطوّعين وربما بفرصة البقاء على قيد الحياة. ويقول المناصرون لهذا النهج، إنه «يمكن أن يقلل الوقت المستغرق في تطوير اللقاح، وبالتالي يمكن أن يساعد في إنقاذ الأرواح». إلى ذلك كتب مارك ليبسيتش، أستاذ علم الأوبئة بجامعة هارفارد في مجلة الأمراض المعدية في أواخر مارس الماضي، أن تجارب التحدي يمكن أن تكون أسرع من التجارب الميدانية التقليدية، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضرورة تعريض عدد أقل من المشاركين لتقديم تقديرات مبكرة للفاعلية والسلامة، وإذا لم ينجح أحد اللقاحات، يمكن للباحثين الانتقال إلى مرشحين آخرين. وفي تجارب التحدي، يتلقى فريق من المتطوعين اللقاح المرشح، ويُمنح فريق آخر لقاحاً وهمياً، تماماً كما يحدث في التجارب التقليدية، وبعد انتظار فترة دخول اللقاح حيز التنفيذ، يتعرض المتطوعون للفيروس. وفي حين أن تجارب اللقاح التقليدية قد تسجل 30 ألف مشارك في دراسات المرحلة الثالثة وتحقق نتائج في 6 أشهر، قد تحتاج تجارب التحدي فقط نحو 150 مشاركاً، وتظهر نتائجها في 6 أسابيع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدراسات مقارنة الكثير من اللقاحات المرشحة في وقت واحد، ويتم اختيار الواعدة للانتقال إلى دراسات أكبر. محفوف بالمخاطر في المقابل، يرى المعارضون أن هذا الاختصار محفوف بالمخاطر. ويقول ويليام شافنر، طبيب متخصص في الأمراض المعدية وأستاذ الطب الوقائي والسياسة الصحية في كلية الطب، بجامعة «فاندربيلت» الأمريكية في تقرير نشره موقع «ميد سكيب»: «شغلي الرئيسي هو السلامة... هذا فيروس جديد تماماً، كما أن الكثير من اللقاحات قيد الدراسة تعتمد على تقنيات جديدة، ولا توجد لقاحات موجودة في السوق تستخدم هذه الأساليب»، مضيفاً: «ليس لدينا علاج مضاد للفيروس، لذلك فإنك تخاطر بإصابة شخص ما بمرض شديد». كما تعارض روث ماكلين، وهي عالمة أخلاقيات بيولوجية وأستاذة في كلية ألبرت أينشتاين للطب بمدينة نيويوركالأمريكية لهذه التجارب، وقالت إن عدم وجود علاج مثبت للتخفيف من حدة المرض هو عائق مهم أمام تجارب التحدي البشري. وأخلاقياً من الجائز حقن المتطوع في تجارب اللقاحات بالفيروس أو الطفيل المسبب لمرض ما إذا كان لهذا المرض علاج، وهو ما حدث في التجارب التي أجرتها جامعة أكسفورد لإنتاج لقاحات الملاريا، وفق أحمد سالمان، عضو الفريق البحثي العامل على إنتاج هذه اللقاحات. ويضيف سالمان في تصريحات خاصة ل»الشرق الأوسط»: «يبدو أن هذه الاستراتيجية صعبة التطبيق مع كوفيد 19 لعدم وجود علاج للمرض حتى الآن، ولكن العلماء المنادين بهذه الخطوة يستندون إلى حقيقة أن 80% من المرضى يشفون من الفيروس من دون علاج، وأن فئة الشباب، لا سيما غير المصابين منهم بأمراض مزمنة، لا يوجد خطر من تعرضهم للفيروس». يذكر أن 163 عالم مؤيد لهذه التجارب كانوا وجهوا في أواخر جويلية الماضي، رسالة إلى فرنسيس كولينز، مدير المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، نشرت نصها مؤسسة 1Day Sooner، وطالبوه فيها بإعطاء الضوء الأخضر لانطلاق تجارب «التحدي البشري» على لقاحات كوفيد - 19، والشروع في التحضير لها، من أجل إنهاء وباء كوفيد - 19 في أقرب وقت ممكن. وأعلن هؤلاء العلماء أنهم سيرسلون في وقت لاحق من هذا الشهر، رسالة مماثلة إلى رؤساء الإدارات الصحية الحكومية في الكثير من البلدان التي تُجرى بها أبحاث لقاح كوفيد - 19، كما سيرسلون إلى كيفا باين، رئيسة جمعية الصحة العالمية، هيئة صنع القرار في منظمة الصحة العالمية. ولا يتوقع محمد علي، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، أن يلقى هذا التوجه ترحيباً، واصفاً إياه بأنه عودة للوراء 100 عام. ويقول في تصريحات ل»الشرق الأوسط»: «النية الطيبة لأصحاب هذه الدعوة واضحة، ولكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة، حيث ستفتح الباب لممارسات غير أخلاقية في تجارب اللقاحات والأدوية»، متسائلاً: «إذا كنا سنصيب البشر عمداً بالفيروس، فما الفرق بينهم وبين حيوانات التجارب؟». ويطرح زميله في مدينة زويل تامر سالم، وجهة نظر مختلفة، قائلاً: «ما دام أن هناك موافقة مستنيرة من المتطوع، أي أنه يعلم طبيعة التجربة والمخاطر المتوقعة، فهذا قراره الشخصي، وفي هذه الحالة لا توجد أي مشكلة أخلاقية، لكن المشكلة قد تأتي عندما يتم إجراء التجارب دون أن يكون لدى المتطوع دراية بكل التفاصيل». إلى ذلك يرى سالم أن الأخطار المتوقعة لمثل هذه التجارب يمكن أن تكون محدودة لسببين، أولهما أنه سيتم مراعاة اختيار الفئة التي ستنضم لها، بحيث تكون من الشباب الذي لا يعانون من أي أمراض مزمنة، أما ثاني الأسباب، فيتعلق بأن كثيراً من الأبحاث التي أجريت خلال الفترة الأخيرة توصلت إلى الأجسام المضادة الأكثر فاعلية في مواجهة الفيروس، ومن ثم يمكن استخدامها لعلاج المتطوعين، إذا لم يكن اللقاح فعالاً.