تَرجّلت من فوق حصانها وعلى تلة عالية شمخت تتوعد العدو والشرر يتطاير من عينيها، تنحني إلى الأسفل لتحمل حفنة من التراب تشم رائحته حتى الثمالة، تطبع قبلة على الأرض التي ولدت من رحمها، تأخذ عهدًا على نفسها بأن تكافح حتى الموت، ظلت كلماتها تهب مع الريح وتحضن السماء والسحب..حلمها يرفرف كحمامة بيضاء بين المروج وأغصان الأشجار... «فاطمة» تنحدر من عائلة بسيطة، محافظة ومتديّنة، ترعرعت بين الصخور والجبال، تجلّد قلبها من البرد القارص والثلوج الكثيفة، تتلمذت في الزاوية القرآنية، تحفظ وتفهم أمور الدين، تفاخر الجميع بأخلاقها وتربيتها، منذ صغرها سكن حب الوطن دمها، إلا أن شبّت كلبؤة، ذكاؤها خولها بأن تصبح امرأة حديدية لا ترضى بأن يهان عرضها، ورسمت طريقا لمجابهة الظلم، وجُملتها التي تزلزل المستعمر المغتصب ترددها بعزم: - لن نرضخ..لا للذل، لا للقيد، نحن أبناء الحرية. خططت لاسترجاع حقهم..جمعت رجال القبيلة رغم الفقر وقلة الحيلة، واحتراف أغلبيتهم لمهنة الفلاحة كونت جيشا كاملاً وضع تحت رهن إشارتها، حتى النساء انضموا لها، الفارسة اليافعة تولت الزعامة بقوة وحزم، وبأس شديد، تلك الهالة بوجهها تضفي عليها شعلة من نار مرعبة.. كرّست حياتها لهدف واحد «النصر»، جاء اليوم المنتظر الذي تشوقت وجهّزت له جيدا، حملت سلاحها وركضت تسابق حوافر الخيل، كلما نطقت حدة صوتها وسيفها يربكان صفوف العدو، تنال منهم بكل ضربة، تراهم كالجرذان يتساقطون تحت النعال، يا للعار..خسروا وتجرّعوا الهزيمة حتى آخر رمق، هكذا توالت المقاومات الشعبية بكامل التراب الوطني وانتشرت بجميع المداشر والقرى، استشهدوا الأبطال فداء لوطنهم الغالي، منهم من نفي خارج الحدود وقتل بلا رحمة، المعارك لم تنتهي وفاطمة ولد من ظهرها ألف جندية متمردة ساندوا الثورة واستمروا بجانب الأسود حتى تعالت زغاريد الحرية، بزغ النور ليعانق العروس الجميلة. مرت السنوات والتاريخ يذكرنا بما عانوه من ويلات وعذاب، ويشهد أيضا عظمة الصناديد، بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة التحريرية افترشت الأرض بالورود وتزينت الشوارع بالأعلام الملونة برمز الحب، لتستقبل أجراس الفرحة وتمجد شهداء الوطن الغالي الذي يبتسم باستعلاء وحياء مع ترانيم النشيد الوطني. وعزمنا العقد أن تحيا الجزائر..فاشهدوا، فاشهدو، فاشهدوا الإهداء لروح البطلة الشهيدة لالا فاطمة نسومر ولكل شهداء جزائرنا الحبيب