تتّسع تجارة الأعشاب العطرية المستعملة في تحضير عديد الأطباق الرمضانية الرئيسية على مائدة الافطار، كلّما حلّ شهر الصيام، وتبرز بعض أنواع التجارة الموسمية، مثل غزو تجارة كل من «الديول و»القطايف»، فنجد بعض التجار يحوّلون نشاطهم إلى هذا النوع، بينما آخرين يقتطعون عطلا من أماكن عملهم لمزاولة عملية البيع عبر مداخل الأسواق ومن الأرصفة، مستغلين الطلب الكبير واليومي عليها، كونها تجارة ربحها مضمون، ولا يمكن أن يتكبد فيها التاجر أي خسارة. تبدو تجارة الأعشاب العطرية مثل «البقدونس» وأوراق «الرند» أو ما يصطلح عليها ب «الغار»، ومختلف الأعشاب التي تدخل في تحضير العديد من الأطباق التقليدية الجزائرية التي لا تخلو منها المائدة الرمضانية، على غرار «الحشيش مقطفة» التي تحتاجها ربة المنزل يوميا لإعداد طبق «الشوربة» أو «الحريرة» أو «الجاري»، أنها تجارة صغيرة، لا يمكن لصاحبها أن يحقق بها أي ربح يعيل به أسرته، لكن الواقع كشف بأنها تجارة صغيرة بأرباح كبيرة، هذا ما أكّده بعض من يحترفون تجارتها، وأغلبهم ينشطون في النشاط الموازي. من جهته، لقمان بايزي، البالغ من العمر 30 عاما، ويعمل عون أمن، تستهويه هذه التجارة كلما حل شهر رمضان، ويتوجه مباشرة بعد صلاة الفجر إلى سوق الجملة ب «الكاليتوس»، ليقتني الكمية التي يمكن بيعها في يوم واحد، من البقدونس، السلق، الحشيش مقطفة، أوراق الرند، الكرافس والنعناع وما إلى غير ذلك، ثم يقسم الكمية إلى ربط صغيرة ليكون في الموعد قبل حضور الزبائن بمدخل السوق، حيث يفترش كيسا بلاستكيا كبير الحجم، ليعرض سلعته التي قال إنّها تحقق له أرباحا معتبرة خلال شهر من كل سنة، تغنيه عن الاستدانة في مختلف المناسبات، وفوق ذلك يقتني لكل أسرته ما تحتاج خلال رمضان وعيد الفطر..تركناه على وقع ترديده عبارة «إنها تبدو تجارة صغيرة..لكن أرباحها معتبرة ولا تصدق». وبخلاف لقمان، فإن حميد قادري تاجر خمسيني، يحترف داخل السوق هذه التجارة طيلة السنة في طاولة يحتجزها لنشاطه التجاري، وفي رمضان يعرض معها «الديول» والخبز التقليدي، وأطلق على وقع السؤال، تنهيدات توحي سعادته باحتراف هذا النوع من التجارة الذي صار متمرّسا فيه ولديه زبائنه، يلبّي كل طلباتهم، يحضر لهم فوق الأعشاب المتفق عليها كل من الزعيترة والزعتر وأعشاب غابية أخرى، مثل الإكليل وما إلى غير ذلك، ولم يخف هذا التاجر الصغير أنه تمكن بهذه التجارة من اقتناء شاحنة صغيرة يستعملها في نقل بضاعته واقتناء منزل، وينفق فوق كل ذلك على أسرة كثيرة العدد تتكون من الأب والأم وكذا الزوجة والأولاد. يقبل على هذا التاجر سيدات ورجال، أكّدوا أنّهم يتعاملون معه منذ أزيد من عقدين من الزمن، واعترفوا أنّهم يجدون عنده جميع أنواع الأعشاب العطرية من البقدونس إلى الفجل بأسعار معقولة ونوعية جيدة في كل وقت، أي ينتظر حميد زبائنه من الصباح الباكر إلى غاية المساء، أي بمعنى يتقن تجارته بشكل جيد.