أصبحت البنايات القديمة بالبليدة كالقنبلة الموقوتة قد تنهار في أي لحظة مشكلة خطرا حقيقيا على حياة قاطنيها. وتكشف تقارير المراقبة التقنية للبناء عن وجود الآلاف منها عبر عدة مناطق، مما يستوجب ضرورة ترميمها أو هدمها كليا، وأن 35 بالمئة من سكان البليدة يعيشون في سكنات آيلة للسقوط. وأكد خبراء بأن مجرد سقوط قطرات المطر أو هزة أرضية حتى ولو كانت ضعيفة، فإنها تكون كافية لإحداث الإنهيار، لكن رغم ذلك يضطر قاطنوها العيش فيها لاستحالة إيجاد بديل أو عجز السلطات القضاء على الظاهرة بشكل جذري. وحسب التقارير المستخلصة من ملفّ البنايات الآيلة للانهيار، فإن مصالح المراقبة التقنية حذّرت من وقوع انهيار مفاجئ في أيّة لحظة، خاصة بعد تصنيفها سنة 2003 في الخانة الحمراء دون إعادة ترميمها وترحيل سكان البنايات العتيقة المنتشرة بزنقة الوصفان والقاضي والجون والدويرات، إلى جانب شارع عبد اللّه وباب الدزاير بقلب مدينة البليدة، حيث تعدّ ضمن المعالم التاريخية والحضارية التي يتهدّدها الزوال والإندثار ويطلق عليها اسم ''البازارات'' الشامخة المتميّزة بهندسة معمارية تعود لزمن الأتراك كبازارالطلاين وبازار الخشني وبازار السردوك والبازارات المتواجدة بلابلاس دي بومب وبشارع عبداللّه ووبوباركي المشهور بالبرتقال و أخرى تطل على ساحة التوت، منها أملاك خاصة وأخرى تابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري ومؤشرة في غالبيتها بالأحمر من قبل مصالح المراقبة التقنية للعمران وشرطة العمران، ودعا المقيمون بها بضرورة الإسراع بترحيلهم، خاصة قبل وقوع كوارث مأساوية في الأرواح، خصوصا وأن كثيرا من تلك العائلات مستأجرة وليست مالكة، وأن خطر الإصابة بأمراض خطيرة مزمنة جراء الرطوبة والعفن المنتشر في زواياها بات عنوانا لها بينهم، إضافة إلى تسرب مياه الأمطار فوق شبكة خيوط التيار الكهربائي وانهيار السلالم وأسقفها والضيق أمام ارتفاع عدد سكانها، وهي الظروف التي ميزت جل تلك البازارات العتيقة. إضافة إلى ذلك، نجد السكنات الفردية المنتشرة بالأحياء الشعبية على شاكلة حي القصبة بالعاصمة، كحي الدويرات الذي يضم نحو 5 آلاف عائلة وحي الجون العتيقين واللذان ينظمان مثلما هو متعارف عليه سمة أهالي البليدة الأصليّين، حيث سجّلت بالحيين عدّة حالات انهيار جزئي للأسقف وتآكل في الجدران. أما العمارات، البازارات، فقد تهاوت أسقفها وسقطت سلالمها وانهارت أرضيّاتها كبازارات ''الطلاين والخشني'' وهتكت الأمراض بأصحابها نظرا للظروف المأساوية التي يعيشونها كالمراحيض المشتركة والإنسداد المستمر لقنوات الصرف بسبب قدمها مثل بازار الطيب جغلالي الذي توفيت به سيدتين لإصابتهما بأمراض مثل السل، فضلا عن إصابة طفل صبي بورم جلدي خارجي خطير. ومن هذه البنايات ما هو ملك للدولة وأخرى للخواص كبازار السردوك الذي استعصى على نزلائه إعادة ترميم شققهم التي يختبئون تحت أسقفها مقابل دفعهم أجرة الكراء. وأمام حالة الخوف والهلع التي تصاحب قاطني تلك البنايات المنهارة جزئيا والمتآكلة نتيجة عوامل متعدّدة كالزلازل والتغيرات المناخية، يناشد المتضررون الجهات المعنية بضرورة التعجيل في استكمال عملية الإحصاء التي لا تزال مستمرة. وموازاة مع ذلك تنتشر في العديد من بلديات الولاية ئعدة أحواش بمساحات شاسعة، كانت إبان حقبة الاستدمار عبارة عن ڤ فيرماتڤ يستغلها ''الكولون'' لجمع العنب وصناعة الخمور وإنتاج الحمضيات، وهي تحمل أسماءهم إلى يومنا هذا، قام العديد من الجزائرين ممن كانوا يشتغلون عند بعض المعمرين باحتلالها غداة الاستقلال، حيث اتخذوها مساكن لهم، واستقر بها من بعدهم 3 أجيال من أحفادهم، قاموا بتشييد بيوت فوضوية على جنباتها، حوّلتها مع مرور الوقت من جنان خضراء إلى أكوام من القصدير. بيع قطع أرضية لعشرات العائلات النازحة وأخذ الأمر في التزايد خاصة خلال العشرية السوداء، حيث قام العديد من أصحاب هذه الفيرمات أو الأحواش ببيع قطع أرضية لعشرات العائلات التي نزحت من مواقعها بولايات مثل عين الدفلى والمدية وغيرها، خوفا من أن تطالها آلة الإرهاب، وقاموا بدورهم بالاستقرار فيها بعدما بنوا من حولها منازل فوضوية، وهم الآن ينتظرون فرصتهم من أجل ترحيلهم إلى سكنات لائقة. يقع في ولاية البليدة عدد كبير من الأحواش القديمة، يعود أغلبها إلى العهد الاستعماري، وتسمى بأسماء معمرين استقروا بالجزائر، على غرار حوش ''مرطان'' وحوش ''مرمان'' و''الكومينل''، حيث بقيت إلى يومنا هذا تسمى بأسماء معمرين على غرار حوش ''لوفي'' ببني تامو في البليدة. وحسب تأكيد أهل المنطقة ل ''الشعب '' فإن اسم الحي الذي أُطلق عليه مؤخرا اسم الشهيد مازر بوجمعة لكنه مازال معروفا إلى يومنا هذا باسم حوش لوفي، وهو معمر إسباني استقر في الجزائر في عهد الاستعمار. وقد شهد في السنوات الأخيرة تشييد عدة بنايات قصديرية على أطرافه، حيث مازال ساكنوه ينتظرون وعود الأميار الذين تداولوا على رئاسة البلدية حسب السكان. أما بمنطقة حمام ملوان المعروفة بكثرة الأحواش التي تعود إلى عهد الاستعمار، وعلى رواية أحد قاطنيها، فكانت تُستعمل في التعذيب، وهي عبارة عن محتشدات وضعها المستعمر للجزائريين، ومازالت إلى يومنا هذا. ومازالت بعض الأحواش أو ما يسمى ب ''الفيرمات'' متواجدة في ولاية البليدة، فببلدية العفرون وحدها يوجد أكثر من 3 ''فيرمات'' منذ حقبة الاستعمار، تبدأ أسماؤها غالبا بالقديس ََُّّ، فيوجد ''سانت فابر'' و''سانت كلوس 3''، واللتان بُنيتا سنة 1889، و''سانت بيار'' التي بُنيت سنة 1936، و''حوش شفالي''، حيث كانت تُستغل قديما لجمع العنب وتحويله إلى خمور. وبعد الاستقلال قام معظم المواطنين الذين كانوا يشتغلون عند المستعمر، بأخذ تلك الفيرمات والإقامة بها. ومنذ ذلك الحين لم يتغير أي شيء. وأحسن مثال حوش ''شفالي'' الكائن عند مخرج مدينة العفرون في اتجاه حجوط، والذي يقطنه أكثر من 15 عائلة. ورغم تدهورها وقدمها إلا أنه استقر بها 3 أجيال كاملة، بإقامة الجد والأحفاد، والتي أصبحت لا تسع العائلة التي كبر أفرادها وأصبحوا يشكلون دشرة صغيرة. ورغم الوعود التي تلقّوها من رئيس البلدية بضرورة ترحيلهم لكن دون نتيجة تذكر وبوادي العلايق تعيش نحو 30 عائلة داخل اسطبلات كانت يستعملها الكولون في تربية الخنازير ويشربون من أحواض كانت تستعمل في تخزين الخمور وصناعتها ومرت على استقرارها بهذه المنطقة ما يزيد عن الأربعين سنة، لكن حلم الترحيل بقي بعيد المنال.