العاصمة حتى في وسطها زينت بالأحياء الفوضوية والقصديرية، وفي حوافيها تحيط بها الأحواش كما تسمى عن ورثتها من الفلاحين بعد أن كانت عبارة عن قصور ريفية تذهب العقل وسط حقول تنتج ''الذهب''. وهؤلاء يتهمون الحكومة اليوم بممارسة كل أنواع الحفرة ضدهم حين نبذتهم ولم تمنحهم الأرض على اعتبارها ملكية لهم، فمن نكب من يا ترى؟! جانب من السؤال المحير حول عاصمة الجزائريين المتخلفة نسبيا مقارنة مع عواصم قريبة منها أن المحيط الذي تعيش فيه غير مناسب وغير مساعد. فالعاصمة ذات الأربعة ملايين رأس ويدخلها يوميا الآلاف ويخرجون منها التي تشبه القرى مجتمعة محاطة من كل الجهات بما يسمى الأحواش في سهل متيجة الشهير. أما الأحواش، ويقابلها في الجنوب وفي الهضاب حيث مناطق الرعي مصطلح ''زريبة''، فهي عبارة عن مزارع متوارثة عن الكولون غزاها فلاحون وقادمون من المناطق الداخلية واستقروا فيها إلى اليوم فقد ثبت أن هؤلاء قدموا إلى المنطقة عند بداية الاستقلال من نواحي تيارت وتيسمسيلت والمدية حيث كانوا يشتغلون كمزارعين في المزارع المسيرة ذاتيا قبل أن يقرروا الاستقرار فيها رفقة عائلاتهم بصفة نهائية لتبدأ قائمة المطالب! ليست لهم...! معظم الأحواش المحيطة بالعاصمة احتفظت بأسمائها الفرنسية نسبة للمعمرين الذين استغلوها، وحولوا الجزائريين إلى فلاحين يعملون ليل نهار من أجل توفير لقمة العيش ويبيتون مع الحيوان فهناك حوش راتل وحوش الروسي، وحوش فيليو وحوش بطرس، بالإضافة إلى أسماء أخرى مغرية كحوش القازوز. فما الذي حدث للأحواش مع هؤلاء النازحين القدامى ممن ينافسون اليوم سكان البنايات الفوضوية والقصديرية في طلب الدعم للخروج من عنق الزجاجة التي وضعوا فيها أنفسهم. قبل أيام أعلنت شركة سيال للمياه والتطهير لولاية الجزائر أنها ستنفذ برنامجا لتزويد كل أحواش العاصمة بالمياه الصالحة للشرب على مستوى ال75 بلدية، فسكان حوش ''برواقي'' بالكاليتوس مازلوا منذ 16سنة ينتظرون وعدا بتزويدهم بالماء. وإلى حين يتحقق فإنهم كل يوم يقومون بنفس ''الكورفي'' كما يقول الفرنسيون باتجاه الأحياه المجاورة. أمّا حوش بطرس قرب بابا اعلي فلم يتم ربطه بشبكة الكهرباء والماء الشروب إلا عام 1990، وبالتالي يعتبر وضعه أحسن مقارنة مع الأحواش الأخرى التي تفتقد قنوات صرف المياه والكهرباء والغاز...وخاصة الطريق وهو أم المشاكل بالنسبة إليهم. فهل يمكن أن نقول إن المعمر رحل وترك الأرض للخماس ليخدمها فضيعها، وضاع هو معها؟ معظم البنايات التي تركها المعمرون عبارة عن قصور أو''رانش'' محاطة بالأشجار والأزهار تتميز بطابع عمراني جذاب... ولكل قصر مدخل محاط بأشجار النخيل من الجانبين على طول الطريق الممتد لمئات الأمتار. فما الذي بقي من كل هذا: القصور صارت خرابا وتحولت إلى أطلال يعشش فيها الحمام وفي كل مساء يغرد فوقها البوم.. فهم لم يقوموا بترميمها ولا بصياتها، فكيف نطلب منهم أن يفعلوا ذلك في الأرياف ولو على مشارف العاصمة، وهم لا يغفلون ذلك داخل أحياء العاصمة نفسها حتى تسقط الأسقف والشرفات (البالكون) على رؤوسهم بدعوى أن الترميم اختصاص الدولة ولا يمكن لهم أن ينفقوا على ما ليس ملكهم إذا كانت تلك المساكن غير خاصّة أو غير معنية بالتنازل في إطار قانون التنازل عن أملاك الدولة؟ هذه أول مشكلة كبيرة تواجه الأحواش بعد أن تحولت إلى خراب ''فربي''، والمشكلة الأخرى أن عددا من سكانها هاجروا منذ أيام الإرهاب، فتم تهديم مساكنهم لكي لا تكون ملاذا آمنا للإرهابيين، واليوم يريدون العودة مرة أخرى إلى ديارهم... وهذا ما يطرح إشكالية جديدة حول البناء في أرض زراعية هي قانونا ملك للدولة. فهل يمكن تجاوز الأمر عن طريق دعم مشروع البناء الريفي، لاسيما أنه يصل في بلدية سيدي موسى، وهي إحدى بوابات العاصمة، إلى 70مليار دج ستخصص لتحسين وضعية الأحواش وإنجاز الطرقات والأرصفة؟ أرض للسكن... عدد من سكان الأحواش يعتبرون أنفسهم مواطنين من درجة ثانية وحتى ثالثة، وكأن الكولون رحل بعد أن كبلهم بالسلاسل والأغلال... متهمين الدولة بأنها نسيتهم، وهم أقرب ما يكونون من العاصمة، فهل هذا الغياب للدولة يلغي مسوؤلياتهم فيما حصل لهم، خاصّة أنهم وضعوا أيديهم على أفضل أراضي الجزائر وأكثرها إنتاجا للخيرات والثمرات فأهملوها، ولم تعد تكفي لسد حاجاتهم وهي التي كانت تصدر للخارج بكميات كبيرة؟ والسؤال المهم فيما يتعلق بالحالة المزرية التي توجد عليها تلك الأحواش: هل يراد لها أن تبقى مزارع كما كانت عند الكولون... أم تحول إلى تجمعات سكانية في شكل قرى زراعية؟ وما هو المطلوب تحديدا من سكانها الذين استوطنوها: أن يبقوا فلاحين ويخدموها أم أن يسكنوا فيها ويعملوا في ميدان آخر بعيدا عن الأرض، فتكون بالنسبة لهم مثل المرقد ''درتوار'' وبالتالي تخرج مع مرور الوقت عن طابعها الزراعي مع التزايد السكاني وتنامي البناء؟ قبل أيام اجتمع الوالي المنتدب لبراقي بما يعرف بلجنة المدينة وعلى رأسها رئيس البلدية وطرح السؤال التالي: كيف يمكن تسوية وضعية الأحواش بالطرق القانونية؟ وكان الجواب إن وجدت تسوية في بلديات أخرى فإننا سنحذو حذوها، وهذا معناه بصريح العبارة أن مشكلة مزارع المعمرين لم تحل في معظم المناطق من الناحية القانونية، فماذا يريد الذين عوضوا الاستعمار وبعضهم ليسوا بفلاحين ومزارعين؟ في حال أحواش براقي (تابعة للعاصمة) وقس عليها باقي الأحواش، طرح القاطنون القضية من زاوية البناء على الأرض لأولادهم وهذا بعد أن كبرت العائلة وحضر الذين في سن الزواج.. فكيف يبنون فوق أرض زراعية دون وثائق رسمية تثبت ملكيتها لهم؟! ومعنى هذا أن سكان الأحواش يريدون أن يكونوا الورثة القانونيين لأرض المعمرين التي اغتصبوها منّا بكل أنواع الطرق من فرض الضرائب والجزية والطرد والتهجير إن هو قاوم أو صمد؟ ورثة المعمرين بالأرقام، ترك المعمرون ما يزيد على سبعة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية كانوا يقومون باستصلاحها، أما عددهم فيكاد يصل إلى مليون معمر ومزارع يبني له على كل أرض قصرا وممرا ويستبعد من لا يدفع لهم أجرا وبعضهم صاروا اليوم هم الملاك وأوصلوا الأرض والحرث إلى الهلاك... ومعظم تلك الأراضي عبارة عن وقف أو حبوس يفترض أن تتصرف فيها وزارة الأوقاف. فهل تؤول تلك الأراضي التي مازال المعمرون يطالبون بعودتها إليهم على اعتبار أنهم اشتروها من ساكنيها؟ قانونا فإن هذه الأراضي التي تشكل الأحواش تابعة لأملاك الدولة. وما هو تابع لأملاك الدولة لا يمكن أن يتصرف فيه الوالي ورئيس البلدية، ولا يمكن التنازل عنها بالا عتماد على مبدأ الأقدمية...حتى وإن كانوا يقطنونها منذ عهد الاستعمار. فلماذا سكت القانون عن وضعيتها إذن؟ الجواب قد يكون أحد أمرين: الأول، إن الأحواش لا يمكنها أن تشكل حالة خاصة واستثنائية إذا كانت حول العاصمة... فما ينطبق على أحواش البويرة والجلفة ينطبق على الأحواش الأخرى. الثاني، إن الجواب عن ملكية الأحواش يمكن العثور عليه في قانون الامتياز الفلاحي الذي أعد في جويلية 2008، وهذا القانون يسمح فقط باستغلال أراضي الدولة مدة 99 عاما دون التنازل عن ملكيتها أو تغيير طابعها كأرض فلاحية... فإذا حصل تغيير كالبناء على تلك الأرض فإن العقوبة تصل إلى خمس سنوات سجنا وغرامة تصل إلى 50مليون سنتيم في حدها الأقصى.. فهل بلغ هذا مسامع أصحاب الحوش أم أنهم يتجاهلون؟