شغلت قرارات آخر مجلس للوزراء، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، الرأي العام خاصة المتعلقة بتحسين الوضعية الاجتماعية، والتي ستمس دخل المواطن بالدرجة الأولى، وشار الرئيس إلى أنّ السنة المقبلة، ستشهد تحسّنا في مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني، بفضل الإصلاحات والإجراءات التحفيزية التي تمّ اتخاذها، مشدّدا على ضرورة اتخاذ كل التدابير، للحفاظ على القدرة الشرائية. أسدى الرئيس تبون تعليمات ذات صلة بالجانب الاجتماعي، الاقتصادي والقانوني، حيث أمر بتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي، ورفع النقطة الاستدلالية في الوظيف العمومي، وهما القراران اللذان أخذا حيزا هاما من التفاعل والنقاش لدى الجزائريين هذا الأسبوع. وأوضح الخبير المالي، محفوظ كاوبي، أنّ خفض الضريبة على الدخل في الأجور، ورفع قيمة النقطة الاستدلالية للوظيف العمومي، التي تلامس اليوم 45 دينارا، جاء بهدف تصحيح القدرة الشرائية للمواطن الجزائري التي شهدت انهيارا حادا خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن أهم إشكال قد يهدّد هذه الزيادة هو التضخم الذي قد يلتهم فرحة الموظفين، في ظل الارتفاع الحاد الذي تشهده أسعار المواد الاستهلاكية، وأيضا أن هذه الزيادات التي تتضمنها النقطة الاستدلالية، تخص فقط الوظيف العمومي وتستثني القطاع الخاص. واعتبر كاوبي أنّ مراجعة الضريبة على الدخل إلزامي، حتى لا تمتص هذه الأخيرة زيادات النقطة الاستدلالية، وتكميلي لإعفاء أصحاب الدخل أقل من 30 ألف دينار من الضريبة على الدخل، كما دعا لأخذ بعين الاعتبار مقترحات الشّركاء الاجتماعيّين الذين طالبوا بزيادات الأجور. وشدّد الخبير الاقتصادي على أنّ زيادات الأسعار التي تشهدها السوق اليوم قد تتحوّل إلى حلقة مفرغة تضخمية تفسد فرحة زيادة الأجور، ما يفرض في المرحلة المقبلة رفع الاستثمارات وزيادة معروض الإنتاج وتحقيق استقرار الأسعار، مضيفا إذا توفرت هذه الظروف فإن الزيادة في الرواتب سيكون لها أثر، وأردف قائلا: "المعادلة الاقتصادية يجب أخذها بعين الاعتبار، من خلال إجراء قراءة حقيقية لمشروع رفع الأجور". ولم يغفل مجلس الوزراء عن نقطة هامة تتعلق بالمضاربة والتلاعب بقوت الشعب، وفي هذا السياق كلّف القاضي الأعلى في البلاد، وزير العدل حافظ الأختام، بإعداد مشروع قانون خاص بمكافحة المضاربة، في أجل أقصاه تاريخ اجتماع مجلس الوزراء المقبل، تصل فيه العقوبات لمن يتلاعب بقوت الجزائريّين إلى 30 سنة كونها جريمة كاملة. وأكّد الرئيس خلال الاجتماع على ضرورة تشديد الرقابة الميدانية على المحلات التجارية، لمنع الزيادة غير المبرّرة، في أسعار المواد الغذائية، مع السحب النهائي للسجلات التجارية للمتورطين، ودعا الرئيس إلى التنسيق المحكم بين وزارتي التجارة والفلاحة، بهدف الرقابة القصوى على المواد الفلاحية والبقوليات والعجائن. كما وجّه الرئيس الحكومة إلى إثراء مشروع قانون المالية، بمواد تحدد الضريبة على الثروة، بعد إعادة تعريفها، بدقة في قانون المالية 2022، ووضع آلية لتسهيل التنازل عن السكنات الإيجارية للدولة، التابعة لدوواين الترقية والتسيير العقاري مع الحرص على تحيين أسعارها، وتسهيل الحصول على الدفاتر العقارية للمعنيين. وفي ملف السكن دائما دعى الرئيس الى تخفيض بعشرة بالمائة، للأشخاص المعنيين، باستيفاء مستحقات سكنات (عدل) الذين يسدّدون قيمة السكن أو الأقساط دفعة واحدة، كما أمر بتسريع استحداث بنك للسكن، بإيجاد آلية بين الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، والصندوق الوطني للسكن. وفي مجال الفلاحة، دعا الرئيس الى استحداث مدرستين وطنيتين، متخصّصتين في الفلاحة الصحراوية بالجنوب الغربي والشرقي للوطن. وحول التدابير الاستعجالية لإنعاش النشاط المنجمي، أمر الرئيس تبون بالإسراع في استكمال إجراءات الإطلاق الفعلي، لمختلف المشاريع المهيكلة، في الاستغلال المنجمي، لاسيما مشروع (غار جبيلات) للحديد و(بلاد الحدبة) للفوسفات بتبسة والمناجم الحجرية الأخرى قبل نهاية السنة الجارية. وفي ذات السياق، دعا رئيس الجمهورية إلى إنشاء مصنع لصناعة خطوط السكك الحديدية، ببشار لتزويد مشاريع الربط، بالسكك الحديدية، المتعلقة باستغلال منجم (غار جبيلات) وغيرها من المشاريع المستقبلية، مع تكثيف التنقيب عن مصادر طاقة جديدة عبر النطاق البحري للجزائر. ونوّه الرّئيس بضرورة رفع مردودية الاسترجاع من آبار النفط المستغلة إلى 35 بالمئة، مع الحرص على إشراك المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين، الذين يملكون خبرة، في مختلف مجالات تحويل المنتجات المنجمية. وفي سبيل إنعاش قطاع الصيد البحري خرج المجلس بعدة قرارات هامة ستنعكس بالإيجاب على مهنيي القطاع ووفرة المنتوج الهام لدى الأسر الجزائرية، حيث دعا الرئيس تبون الى مساعدة أصحاب ورشات بناء السفن عبر كامل موانئ الصيد بتخصيص عقارات تسهل توسعة مؤسّساتهم، مع منح الحرية اللازمة للناشطين في هذا المجال قصد تشجيع المبادرة الفردية، وترقية الاستثمار في الزراعة السمكية. وأضاف الرئيس أنّه من الضروري التشجيع بكل الوسائل الممكنة للمنتجين، عن طريق استحداث التعاونيات الصيدية، وتخفيض نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 19 إلى 09 بالمئة على المنتجات الصيدية، وهو القرار الذي أشاد به وزير القطاع في خرجته التي أعقبت مجلس الوزراء لموانئ ولاية بومرداس. وأمر الرئيس بإعادة بعث مشاريع بناء السفن مع الشركاء الأجانب لاسيما إسبانيا وإيطاليا، والتركيز على تربية المائيات والصيد في أعالي البحار لإنعاش الإنتاج السمكي. وفي آخر فقرة من المجلس، تقدّم رئيس الجمهورية بتهانيه إلى قطاع الصناعة الصيدلانية وكل الفاعلين، الذين شاركوا في إطلاق مشروع التصنيع المحلي للقاح المضاد لكوفيد19، وكذا منتسبي قطاع المناجم نظير التقدم المحقق، في تجسيد الأهداف المسطرة. وفي ختام الجلسة، صادق مجلس الوزراء على عدد من القرارات الفردية، المتعلقة بالتعيين وإنهاء المهام، في وظائف عليا في الدولة.