تحتل المصالحة الوطنية مكانة مركزية في مخطط عمل الحكومة لتجسيد برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة المعول عليه في تعزيز مسار بناء دولة المؤسسات المفتوحة لمختلف القوى السياسية. وهي دولة تتسع للرأي والرأي المعاكس الذي وإن تباينت طروحاته وتباعدت زواياها، تتقاطع في نقطة جوهرية وضع الجزائر فوق كل الحسابات، وتأمينها من خطر الانزلاق والمزايدة والجدل العقيم. ويظهر هذا جيدا في اعتلاء ملف المصالحة الوطنية الاولويات، والتراتيب السياسية مثلما كشف النقاب عنه اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي شكلت بنوده، ومشاريع قوانينه أرضية صلبة لمخطط عمل الحكومة . وهو مخطط يحدد الآليات الكفيلة بتجسيده عبر طاقم وزاري مجند حول الوزير الاول سلال، ومندمج في المهمة الموكلة إليه بتلقائية وتحد غايته توظيف الوسائل الممكنة في تطبيق ماتقرر سابقا في البرنامج الرئاسي، ومالم يعرف الإنطلاقة المرجوة بحكم الظرف، والتحول ومعطياة موضوعية لايمكن القفز عنها، لكن علاجها بنظرة متبصرة.. ورؤية تجعل من بطء الوتيرة قوة إنطلاق نحو الأحسن والأبعد، دون السقوط في اليأس والعجز.. بهذه الطريقة يجسد ملف المصالحة الوطنية في الميدان، ويسهر على استكمال مساره الذي شرع فيه شهر سبتمبر 2005، الطاقم الحكومي وفق فريق عمل منسجم يتقاسم الوظيفة والعمل. وبهذه الطريقة تقرر تعزيز المسار بآليات تكميلية وإجراءات إضافية تكشف مدى إهتمام صانع القرار السياسي في الجزائر بهذه المسألة الحيوية التي ظلت لسبع سنوات حجر الزاوية في السياسة الوطنية، وهي سياسة عالجت جذور المأساة وتداعياتها برؤية شاملة لم تتوقف عند الخيار الأمني الضيق. لكن توسعت الى مشروع مجتمع جديد يكون فيها التماسك الوطني والتآخي والتعايش سيد الموقف بعيدا عن الغلو والتطرف وقاعدة «انا وحدي أملك الحقيقة» أو من يعارضني فهو ضدي. وكان هذا الخطاب الذي رددته تشكيلات سياسية وقوى حزبية، طيلة عشرية المأساة الوطنية قد أشعل فتيل الأزمة وولد شرارة التناحر والمواجهة، استغلت من جهات داخلية وخارجية ظلت تضرب بلا توقف على «وتر الأزمة الأمنية»، وتتخذها «ورقة» من اجل الترويج الى الفوضى والجنون، عاملة ما في المقدرة من اجل الإبقاء على الدم الجزائري ينزف، ونار الفتنة مشتعلة. ونتذكر جيدا كيف كانت فضائيات عربية وغربية تعالج الوضع في الجزائر، وتمنحه بعدا غير بعده، مؤكدة «أن الإرهاب بالجزائر صناعة جزائرية» وان الدول الاخرى بريئة من الجماعات الدموية التي تعدت جرائمها الحدود وتجاوزت الممنوعات والخطوط الحمراء. وظلت هذه المقولة، تردد على المسامع من منابر الفضائيات التي تدعي انها اكثر القنوات ديمقراطية وتشبعا بأخلاقيات المهنة ونقاء الضمير ولم يسمع للجزائر، ولم تفهم رسالتها المنادية بملء الفم بحتمية التعاون الدولي لمواجهة أخطبوط الجماعات الإرهابية التي تخترق الوحدات السياسية عبر المعمورة طولا وعرضا، ولم تتوقف عند عاصمة تختارها بانتقائية. ظلت على هذا المنوال حتى جاءت اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وانفجارات لندن، وباريس ومدريد، عندها أدرك العالم اجمع أن الإرهاب لادين له ولا وطن وان مواجهته فرض عين. واقتنع العالم عندها بالنظرة الجزائرية التي تحمل بعدين الاول معالجة تداعيات المأساة الوطنية عبر المصالحة وتطبيق الاحكام المتعلقة بالتكفل بضحايا الارهاب وخاصة الشرائح الاكثر هشاشة وحماية من ساهموا في مكافحة الإرهاب وتأمين السلم والاستقرار.. والتمادي في ضرب بيد من حديد الجماعات الإرهابية التي رفضت الانسياق وراء هذه السياسة، واختارت لها المنهاج الآخر، التمادي في الاعتداءات الإجرامية التي ترفضها الاديان السماوية، ولاتعترف بها القوانين الوضعية منذ بداية الحياة الأدمية.