بعد أن خيّم الغموض على الوضع في بوركينافاسو لساعات طويلة يوم الاثنين، أطلّت مجموعة من العسكريين الشباب عبر التلفزيون الرسمي لتقطع الشكّ باليقين وتعلن الإطاحة بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري وتعلّق العمل بالدستور وتحل الحكومة والبرلمان وتغلق الحدود. جاء في الإعلان، الذي وقعه اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوجو داميبا وقرأه ضابط آخر في التلفزيون الحكومي، أن الاستيلاء على الحكم تمّ دون عنف وأن الذين اعتُقلوا في مكان آمن، ووعد بأن تعود البلاد إلى النظام الدستوري في غضون فترة زمنية معقولة لم يحدّد مدّتها. وكان جنود متمرّدون في بوركينا فاسو قد أوقفوا الرئيس كابوري الاثنين، واعتقلوه في ثكنة للجيش غداة بدء تمرّد في معسكرات في هذا البلد الذي يشهد منذ أيام أعمال عنف. وقال مصدران أمنيان إن «الرئيس كابوري ورئيس البرلمان والوزراء باتوا فعليا في أيدي الجنود» في ثكنة سانغولي لاميزانا في واغادوغو. كما أوردت ذات المصادر، أن الرئيس المطاح به الذي يتولى السلطة منذ 2015 وأعيد انتخابه في 2020 على أساس وعوده بأن يعطي الأولوية لمكافحة الإرهابيين، بات موضع احتجاج متزايد من السكان بسبب أعمال العنف الدموية وعجزه عن مواجهتها. تصاعد التوتّر تعيش بوركينا فاسو منذ عدة أسابيع حالة من الاحتقان والتوتر السياسي، وخرجت مظاهرات يوم السبت الماضي، للاحتجاج على فشل الحكومة في الحدّ من الهجمات الإرهابية، أوقفت إثرها عشرات المحتجين. وفي مطلع جانفي الجاري اعتقلت السلطات ثمانية جنود على الأقل، وجهت إليهم تهمة «التآمر لإسقاط نظام الحكم»، وقال المدعي العام العسكري إن النيابة العامة العسكرية «تلقت السبت بلاغاً عن مشروع لزعزعة استقرار مؤسسات الجمهورية خططت له مجموعة من العسكريين». وكشفت السلطات أن الكولونيل إيمانويل زونغرانا، هو من كان يقود محاولة الانقلاب، وهو قائد الفيلق الثاني عشر في سلاح مشاة الكوماندوس، وكان يشغل منصب قائد تجمع القوات في القطاع الغربي المنخرطة في محاربة الإرهاب في هذا البلد الذي يعاني بشكل منتظم من هجمات مسلحة. ويتزامن هذا التوتر الأمني والسياسي مع فقدان الجيش للسيطرة على مناطق واسعة من البلاد، حيث أدت الهجمات الإرهابية إلى إغلاق أكثر من 3 آلاف مدرسة، وفق ما أعلنت السلطات، بينما تشير الأممالمتحدة إلى أن الإرهاب تسبب في نزوح أكثر من 1.4 مليون شخص داخل بوركينا فاسو، وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من 2.8 مليون آخرين. مسار التمرّد لقد كان الوضع في الأسابيع الأخيرة في بوركينافاسو متفجرًا بين الجيش والسلطة السياسية، لكن المواجهة اتخذت منعطفًا جديدًا صباح الأحد الماضي، عقب تمرُّد الجنود في عدة ثكنات في البلاد: سانجولي لاميزانا، بابا سي، في الشمال في كايا وواهيغويا وحتى في العاصمة واغادوغو. لكن ما هي مطالبهم؟. تعددت مطالبهم؛ حيث شملت المطالبة برحيل قادة الجيش وتوفير «الوسائل المناسبة» لمحاربة الإرهابيين. للتذكير، في عام 2015 م، بعد عام من سقوط بليز كومباوري الذي أطاحت به انتفاضة شعبية بعد 27 عامًا في السلطة، أثار انتخاب مارك كريستيان كابوري آمالًا كبيرة في التنمية والتغيير في «بلد الرجال الشرفاء»، ولكن كلّ شي تبخّر، وبدأت بوركينافاسو، تتعرّض لهجمات الجماعات الإرهابية المسلحة والتي تأزمت فقط على مرّ السنين. وعند إعادة انتخابه لولاية ثانية في عام 2020م، انزلقت البلاد إلى حالة من الفوضى، وأصبحت هجمات الجماعات الإرهابية شبه يومية وخلفت مئات القتلى، ففي قرية الصلحان في جوان الماضي، قُتل ما لا يقل عن 132 مدنيًّ، وبإيناتا في منتصف نوفمبر من نفس العام؛ أدت الاعتداءات إلى مقتل 57 شخصًا، بينهم 53 دركيًّا. ومنذ ذلك الحين، تضاعفت مظاهرات الغضب من جانب السكان الغاضبين من هذا العنف للتنديد ب «عجز» السلطة. وقد فشل مارك كريستيان كابوري، الذي ينتمي إلى إثنية موسى ذات الأغلبية، وهو مصرفي سابق ورجل معروف بالمصالحة والوفاء بوعده على الرغم من التغييرات العديدة على رأس الجيش والحكومة. وقد أسفرت أعمال عنف الجماعات الارهابية عن مقتل أكثر من 2000 شخص في قرابة سبع سنوات، وأجبرت 1.5 مليون شخص على الفرار من ديارهم. الاتحاد الإفريقي يدين وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، عن إدانته للانقلاب العسكري في بوركينافاسو،وقال في بيان إنّ رئيس المفوضية «يدين بشدّة الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً» روك مارك كريستيان كابوري. وأضاف أنّه «يدعو الجيش الوطني وقوات الأمن في البلاد إلى الالتزام الصارم بمهمتهم الجمهورية، أي الدفاع عن أمن البلاد الداخلي والخارجي». وطالب رئيس المفوضية أيضاً الجيش وقوى الأمن بضمان السلامة الجسدية للرئيس وأعضاء حكومته. «إيكواس»: لن نتسامح مع الانقلاب وأمام التطوّرات الخطيرة التي تشهدها بوركينافاسو وتصاعد التوتر في البلاد، عبرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» عن قلقها من التطورات المرتبطة بالانقلاب العسكري، ودانت ذلك «التصرف الخطير»، قائلة إنها لن تتسامح معه. كما دعت إلى التهدئة معبرة عن تضامنها مع الرئيس كابوري والحكومة والشعب، وطلبت مجموعة من الجيش في بوركينافاسو أن «يحافظ على صفته الجمهورية، وأن يتحاور مع السلطات». دعوات للإفراج عن كابوري وفي السياق، دعت الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي إلى الإفراج فوراً عن رئيس بوركينا فاسو روك مارك كابوري ، واحترام الدستور وقادة البلاد المدنيين، وشدّدتا على الحفاظ على الهدوء وتبني الحوار لحلّ الأزمة.