سرقة المياه والتبذير .. جريمة تعمّق الندرة يطمئن المدير العام لوكالة السدود والتحويلات الكبرى، في حوار مع «الشعب ويكاند» باستمرار تزويد المياه سواء الموجهة للشرب، أو للري الفلاحي، مهما كانت الظروف، بالاعتماد على برنامج توزيع «عقلاني»، يراعي الظرف الاستثنائي الذي تعرفه الجزائر منذ 3 سنوات، بسبب شح التساقطات المطرية، لكن يجب على المواطن أن يتفهم هذا الوضع، ويكون صبورا وواعيا، من أجل المحافظة على المياه ويتفادى إسرافها، حتى تغطي احتياجات فترات أطول. «الشعب ويكاند»: أعلنت وزارة الموارد المائية مؤخرا عن امتلاء السدود بنسبة 37 بالمائة، هل هذه الكمية كافية لتغطية احتياجات الشرب والسقي الفلاحي؟ مسعود معطار: حقيقة شح الأمطار الذي عرفته منطقة البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة، والجزائر بصفة خاصة منذ ثلاث سنوات متتالية، أثر مباشرة على نسبة امتلاء السدود، وكما هو معروف، المورد الأساسي والوحيد لامتلاء السدود هي الأمطار، ولذلك بعد تسجيل شح الأمطار السنة الماضية، قامت وزارة الموارد المائية بوضع برامج استعجالية لتدعيم المواطنين بالمياه الصالحة للشرب عن طريق حفر الآبار، وزيادة محطات تحلية مياه البحر، مما سمح بتزويد المواطنين بالكميات اللازمة. لسوء الحظ هذه السنة تكرر نفس السيناريو، فمنذ شهر سبتمبر لم تسجل تساقطات مطرية، لكن عرفنا تساقط أمطار بنسب كافية رفعت منسوب السدود، وخاصة سدود الوسط والشرق والغرب، ولكن شهر واحد على 6 أشهر غير كاف، وكما هو معروف موسم امتلاء السدود يبدأ من سبتمبر وينتهي في جوان، لذلك سابق لأوانه القول أننا في فترة جفاف، بالرغم من أن نسب التساقط المسجلة في سبتمبر ليست كافية حتى نتكلم عن تزويد منتظم للمياه، لذلك علينا الانتظار إلى غاية شهر ماي، وحينها يمكن وضع الحصيلة وتقديم الأرقام ونوضع الإستراتيجية للتزويد، مع ذلك الوزارة لم تبق مكتوفة الأيدي وأخذت بعين الاعتبار هذا النقص وحتى لو لم تكن أمطار وضعت برنامجا نعمل على تنفيذه جميعا حتى نوفر الماء للمواطنين ونمر بسنة منتظمة من حيث التزويد. منسوب السدود سيتم توزيعه وفق برنامج يضمن الاستهلاك العقلاني، مع الأخذ بعين الاعتبار الكميات القادمة من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر، حيث تجند هذه الموارد الثلاثة لضمان تزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب في فترة رمضان والصيف، وفق نظام عقلاني. - أظهرت الأرقام أن تجميع المياه ليس متوازنا عبر جميع مناطق الوطن، هل يوجد برنامج جديد لنظام التحويلات من أجل ضمان تغطية متوازنة لجميع الولايات المتضررة من شح الأمطار؟ حاليا يبلغ الحجم الإجمالي من المياه المخزنة في السدود المستغلة 2.655 مليار متر مكعب، أي بنسبة 37.42 بالمائة من الطاقة الإجمالية للاستيعاب والمقدرة بأكثر من 7 مليار متر مكعب، بناحية الغرب تم تسجيل 22.58 بالمائة من نسبة امتلاء السدود، ناحية الشلف 22.35 بالمائة، ناحية الوسط 18.25 بالمائة، أما ناحية الشرق فهي في أريحية بنسبة امتلاء 61.7 بالمائة. فيما يخص نظام التحويلات قامت الدولة بإنجاز تحويلات كبرى منها من في طور الاستغلال مثل نظام التحويل بني هارون الذي يحول 475 مليون متر مكعب، نحو 6 ولايات بالشرق أم البواقيقسنطينة، باتنة، نظام تحويل الهضاب العليا واحد في الاستغلال والثاني في نهاية الأشغال، النظام الشرقي في نهاية الأشغال، أما الجزء الغربي فهو يزود سد موان في سطيف من إيغيل أمدة، ومنه إلى عين زادة التي تعاني نقصا في المورد الباطني تم تداركه من سد موان، ويوجد نظام التحويل من سد تابلوط بجيجل إلى سطيف كذلك يسلم قبل نهاية السنة حيث يوجد عجز في المياه نقيم توازنا جهويا بهذه التحويلات، عن طريق التحويل من مكان الوفرة إلى العجز. ونظام تحويل من سد الشلف إلى مستغانم «نظام الماو»، ويصل ارزيو وهران، سد تاقصبت إلى العاصمة، كافة الدير بتيبازة الأشغال طور الانجاز، ولدينا برنامج لتزويد مناطق تيبازة بالمياه الصالحة للشرب على 20 شهرا. وتتزود العاصمة من سدود قدارة، تاقصبت، بوكردان، دويرة، بورومي، فمثلا حتى نوصل الماء للعاصمة، نجلب الماء من سد غريب المدية، إلى بورومي، ومنه إلى محطة مقطع خيرة بحطاطبة ومن هناك تزود المناطق الغربية للعاصمة، وهناك نظام تحويل من بني عمران إلى قدارة، وآخر من كدية أسردون بالبويرة إلى بني عمران ومنه إلى قدارة، حتى تزود العاصمة، وكذلك نفس الأمر بالنسبة لسد تاقصبت. - العاصمة تتزود من جميع هذه السدود وتعاني عجزا، لماذا؟ العجز بسبب شح الأمطار، حيث أدى تناقص الأمطار إلى تراجع منسوب السدود، لذلك تأثرت عملية توزيع المياه، فلو كانت السدود ممتلئة لكان التوزيع 24/24 سا، ولكن إضافة إلى ذلك يجب توعية المواطنين، بأهمية ترشيد استهلاك المياه الصالحة للشرب، وعدم التبذير، فلو يعرفون تكلفة المتر المكعب من المياه الحقيقية قبل أن يصل للمستهلك، سيحافظون على هذا المورد أكثر من أولادهم. أزمة الجفاف تطرح إشكالية أخرى تتعلق بسقي المحطات الكبرى، كيف سيتم تلبية احتياجات الفلاحين؟ الوضعية استثنائية، والدولة تفطنت لهذا الوضع وسطرت برنامجا يركز على تحلية مياه البحر، حتى يوجه للشرب، وتخصص مياه السدود للفلاحة، حتى تكون لديها حصة كاملة إذا استمر شح الأمطار، لأن القطاع الفلاحي يساهم في الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي، لذلك وضعنا ألف حساب حتى لا يكون انقطاع في تزويد قطاع الفلاحة. وأمام شح تساقط الأمطار يستوجب التوجه إلى استخدام التقنيات الحديثة في الري الفلاحي، حتى نقتصد أكبر حصة من المياه، ونحافظ على ديمومة هذا المورد الثمين. - عمّقت سرقة مياه السدود من الندرة، كيف تواجهون الظاهرة؟ خزان السدود يمتد على مساحات شاسعة، لذلك نتفطن لبعض السرقات، ونتابعه مرتكبيها وفق الإجراءات القانونية، ويوجد من لا نتفطن له، خاصة وأن بعض الأشخاص يستعملون محركات على مسافات بعيدة تخبأ في الأحراش، بسرقة المياه على مسافة 15 كلم من الحوض، وتوجد سدود ليس لديها مسالك توصل إليه يصعب الوصول إليها، ولكن بفضل إبلاغ المواطنين، نتدخل لوقف السرقة، ومثال ذلك ما وقع السنة الماضية، تحويل المياه من سد غريب بالمدية يفرض علينا إطلاقه في الوادي إلى غاية تمزقيدة، ليدخل في حوض سد بورومي، بعض الفلاحين استغلوا الوضع وقاموا بأخذ المياه من الوادي بطريقة غير قانونية، وأودعنا ضدهم شكاوى لدى الجهات المختصة للحد من هذه التصرفات، كذلك في المنطقة الممتدة من موزاية إلى الحطاطبة نسجل عدة تجاوزات، لأن الماء يمر عبر قنوات مفتوحة تتم سرقة المياه منها، باستعمال مضخات. - تضع مسألة نقص المياه تحديا آخر بسبب انخفاض منسوب السدود يخص تربية الأسماك وبالتالي إمكانية تلوث المياه نتيجة نفوقها، ما هي الإجراءات الاحترازية لتفادي سيناريو سد تيبازة؟ موجة شح الأمطار كانت في 2002، ولكن لم تكن بهذه الحدة وفي 3 سنوات متتالية، لذلك لجأنا هذه المرة إلى استغلال مياه السدود إلى أقصى حد، حتى نوفر الماء الصالح للشرب للمواطنين، قبل الشجرة وقبل السمكة. في سد بوكردان وصلنا إلى نسبة استغلال، تتأثر فيها الأسماك بنقص الأوكسجين، لذلك قمنا بعملية نزع الأسماك باستعمال الجرافات من محيط المياه، وطهرنا السد حتى يبقى الماء صالحا للشرب، فالسمك يلزمه كمية معينة من المياه حتى يمكنه العيش فيها، لذلك نطلب من وزارة الصيد المسؤولة عن تربية السمك القاري، التدخل في الوقت المناسب والقيام بعمليات صيد واسعة، وقد وجهنا لها عدة مراسلات حين يصل منسوب المياه لمستوى الخطر للتدخل وتكثيف الصيد لنتفادى نفوق الأسماك في الحوض وخطر تلوث المياه، لكن ما سجلناه تباطؤ وزارة الصيد لما يكون تناقص مياه الصيد و نحن لسنا مجهزين للقيام بهذه العملية وبالرغم من ذلك تكفلنا بإفراغ السد من السمك. - توحّل السدود ظاهرة تؤثر سلبا على كمية المياه المخزنة، كيف القضاء عليها؟ توحل السدود ظاهرة طبيعية بحتة، لا يمكن إيقاف انجراف التربة للسدود، وهي مرتبطة بطريقة مباشرة بالتضاريس والمناخ وطبيعة التربة، المتواجد في الحوض الذي يصب ناحية السد. السدود التي تعرف توحلا هي التي شيدت في الحقبة الاستعمارية وليست الجديدة، مع العلم أن فترة حياة السد حددت من 50 إلى 100 سنة، فوق هذا العمر من الأفضل انجاز سد جديد بدل نزع الأوحال منه، لأن هذه العملية تستوجب توفر المياه وميزانية ضخمة، وكمية الأوحال المنزوعة ليست معتبرة، مثلا نزع متر مكعب من الأوحال يستلزم 3 مليون متر مكعب من المياه، ومع شح الأمطار في السنوات الثلاثة الأخيرة تعطلت العملية بسبب نقص المياه. أما نزع الأوحال بالطريقة الميكانيكية يمكن القيام بها على أطراف السد فقط حيث الترسبات ليست قوية، لكن إذا نزعت علينا إيجاد أماكن توضع فيها، نقلها يكلف 5000 دينار للمتر مكعب، وهذا مكلف والفلاحون يرفضون استعمالها تخوفا من تأثيرها على أراضيهم. - إلى أي مدى يمكن أن يؤثر تأخر أشغال بعض المشاريع الهيكلية في تسريع وتيرة البرنامج الاستعجالي لمواجهة الأزمة؟ جميع المشاريع التي تدخل في إطار البرنامج الاستعجالي انطلقت، فمثلا مشروع «سيباو» تم الانتهاء من مرحلته الأولى، ناحية سد تاقصبت، ويوجد محول بشار من بني ونيف ناحية المدينة تم الانتهاء منه، ومحول كاف الدير نحو تابلوط سيسلم آخر السنة، وتأخر إنجاز المشاريع كان بسبب تأثير الأزمة الصحية، لأنها أسندت لشركات أجنبية غادرت الجزائر، تم إعادة تجنيدها، والعودة للميدان والوطن لاستكمال الأشغال.