أكد مختصون في الشأن السياسي والعسكري، أن الجزائر سيّدة القارة الإفريقية والمنطقة المغاربية، المتوسطية، العربية والإسلامية، بفضل امتلاكها للقوة العسكرية وتفوقها الدبلوماسي الواضح، وستصبح قوة اقتصادية خلال سنوات قليلة مقبلة، حيث التزمت بتأييد مواقف تعتمد على العدالة، المساواة واحترام حقوق الشعوب، التي لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار، وهي مواقف لم تتغير، بل وأصبحت اليوم مطلب الكثير من اللاعبين في الساحة الدولية، في وقت تحاول أطراف المناورة لمصالح ضيقة. أبرز نفس الضالعين في الشؤون السياسية والعسكرية، أنها رسائل يجب أن يفهمها المحيط الإقليمي والدولي، وما احتفالات 60 سنة من استقلال الجزائر، إلا خير دليل على ذلك، بعدما جمعت الشمل بين الجانب التاريخي، الرياضي، السياسي والاقتصادي، معطية صورة ناصعة عن عهد الجزائر الجديد، في انتظار تخليد احتفالات الذكرى 68 للثورة التحريرية في أول نوفمبر المقبل، وتزامنها مع احتضان القمة العربية «التاريخية»، في حضورها ومخرجاتها المنتظرة. قال المختص في التاريخ العسكري والإستراتيجية العسكرية الأستاذ سعيدي مزيان، إن «احتفالات ستينية الاستقلال لهذه السنة، أخذت طابعا مميزا، حيث أولتها المؤسسة العسكرية اهتماما بارزا لإظهار مسألة هامة، خاصة ونحن على مقربة من احتفالات 4 أوت الداخل، وهو اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، الذي سنّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، السنة الماضية، لتعزيز رابطة جيش أمة، وأن الجيش جزء من الشعب، حيث تحمل المؤسسة العسكرية طابعا وطنيا، في إطار المرجعية الأولى للدولة الجزائرية المستقلة، وهوة بيان أول نوفمبر المدستر في وثيقة 2020، حيث نسعى لإقامة الدولة الوطنية بالدرجة الأولى وغرس الوطنية عند الجزائريين». وأبرز الأستاذ المنتدب المكلف بتدريس التاريخ العسكري والإستراتيجية العسكرية بالمدرسة العليا للإعلام والاتصال للناحية العسكرية الأولى، في تصريح ل «الشعب»، أن الاحتفالية بستينية الاستقلال كانت متميزة، من خلال تنظيم استعراض عسكري ضخم وتاريخي، جاء في ظروف إقليمية خاصة تحيط بالجزائر، بالدرجة الأولى تواجد عدو أزلي وهو العدو الصهيوني، الذي يقف على مشارف الحدود الغربية، مشيرا إلى أنه وكرد فعل أولي، فإن الجزائر ستحتضن خلال نوفمبر المقبل قمة عربية. لغة عسكرية وأوضح نفس المتحدث، أن الجزائر تعد أكبر بلد عربي، إفريقي، مغاربي ومتوسطي جغرافيا، ما يستلزم حماية هذا الموقع والتفكير باللغة الحقيقية وهي القوة العسكرية، التي تحكم العالم، وتحدد ميزان القوى، والدليل هو وضعية الإسبان اليوم بعد القطيعة معهم، ووصول الرسالة للإيطاليين، مشددا على أن الدبلوماسية الجزائرية استكانت في ظرف معين، لكن عودتها اليوم مع تواجد القوة العسكرية، أمر محتوم وما قضية حضور الملحقين العسكريين لإظهار قوة الجيش الوطني الشعبي، وإظهار بعض الأسلحة الفتاكة الحديثة، خير دليل على تكامل ميزان القوى في الجزائر.
التاريخ والرمزية وحول نوعية السلاح، قال المختص العسكري الذي حضر الاحتفالية، إنه انبهر من نوعيته، مفيدا أنها «أسلحة متطورة جدا، القليل من يملكها في شمال إفريقيا على غرار صواريخ «إس 500» التي تعتبر أشد فتكا»، مبرزا أن «قوة الجيش تكمن في العتاد والتكوين، مع وجود التناسق بين القوات البرية، الجوية والبحرية، حيث بدأ الاستعراض بالسلاح الجوي، ثم البري وهو القوة الضاربة للجيش الوطني الشعبي، في ظل الحدود المترامية الأطراف، وأخيرا القوات البحرية التي تستلهم قوتها من ماضيها، لأننا كنا أسياد الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط طيلة الحكم العثماني تحديدا خلال حكم الدايات الممتد من سنة 1671 إلى سنة 1830، وهنا ظهرت بما يسمى مظاهر استقلالية الدولة الجزائرية، التي أنكرها الفرنسيون مؤخرا». وأضاف الضالع في التاريخ العسكري، «ذكّرنا الاستعراض في خليج الجزائر بقلعة السيادة البحرية في الحوض الغربي للمتوسط، وبالحملات الأوروبية التي تجاوزت الخمسين حملة، منها حملة إسبانيا، بقيادة الملك شارلكان في تلك المنطقة، حيث أجبرته الجزائر على إلقاء تاجه، ومنذ ذلك الوقت لا يضع الملك الإسباني تاجه ليومنا هذا، لأن الجزائر أهانته في 1541، إلى جانب الحملة الفرنسية خلال سنة 1683، حيث وضع القنصل الفرنسي في مدفع بابا مرزوق وألقي في البحر، ونفس الشيء وقع للإنكليز في حملة سنة 1816». قوة إقليمية وذكر المختص أن الجزائر اليوم قوة إقليمية، لأنه لا يمكن الحديث عن المنطقة المغاربية، الإفريقية، المتوسطية، العربية والإسلامية دون الجزائر. وإذا كانت القاطرة هي جنوب إفريقيا من الناحية الاقتصادية في جنوب القارة السمراء، فان الجزائر خلال العشر سنوات المقبلة ستكون القاطرة، لأنها هي التي ستربط الوصال بين العالمين الأوروبي والإفريقي، مشددا على أن القوة الإقليمية لابد أن تكون أولا قوة عسكرية بالدرجة الأولى». ولفت إلى أن «الدولة- القارة، لابد أن تتوفر على إمكانات ضخمة، وبالتالي حققنا التفوق العسكري والتفوق الدبلوماسي، ونصبو لتحقيق التفوق الاقتصادي وهو الأهم، من خلال استغلال الإمكانات المادية، بتوفر الإرادة السياسية، وهو ما بدأ يتحقق فعلا»، فبعد «أن كنا، السنة الماضية، من بين أكبر الدول المستوردة للقمح، أصبحت ولاية خنشلة فقط تحقق فائضا في إنتاج الحبوب، وتضاعف الإنتاج مرتين في سنة واحدة، فالغذاء أيضا سيصبح مسألة سيادية، رفقة الماء والطاقة»، موضحا أن «الإقلاع الاقتصادي ينتظر. لذلك، فالرسائل اليوم التي يجب أن يفهمها المحيط الإقليمي والدولي هو أن الجزائر قوة عسكرية وستصبح قوة اقتصادية في قريب عاجل». الحس الوطني من جانبه، اعتبر الدكتور العيد زغلامي، الأستاذ في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر-3، تاريخ 5 جويلية رمزية مهمة في تاريخ الجزائر، بعد مرور 60 سنة من استقلال البلد، الذي يعرف حقبة جديدة، مقاربة جديدة وتطورا مشهودا، بعد انتخابات 12 ديسمبر 2019، وبذلك نشهد عهدا جديدا، حيث تحاول الدولة إعادة الاعتبار للحس الوطني وروح الاستقلالية التي كانت دائما الأساس. وأوضح زغلامي ل «الشعب ويكاند»، أن هذه المناسبة والاحتفالات جمعت الشمل بين الجانب التاريخي السياسي، الاقتصادي والرياضي، من تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط، استعراض عسكري مبهر، ورسائل دبلوماسية واضحة للعالم والمحيط في الذكرى الستين لاستقلال الجزائر. ففي الجزائر نربط الأحداث المهمة، سياسية كانت أو رياضية، بهذه المحطات السياسية، وخير دليل تنتظرنا مناسبة أول نوفمبر، حيث ستحتضن الجزائر القمة العربية، وهي محطات في تاريخ الدولة، وهو ليس عمل الصدفة، فتنظيم ألعاب متوسطية خلال ستينية الاستقلال، أو احتضان قمة عربية خلال الذكرى 68 لاندلاع الثورة التحريرية، في انتظار القرارات التاريخية التي ستخرج بها، لها دلالات ورسائل واضحة. موقف الجزائر على صواب وفي السياق، شدّد الأكاديمي على أن «هناك نشاط مكثف وحثيث للدبلوماسية الجزائرية، فهناك انتعاش وزيارات متعددة وبعث روح جديدة للدبلوماسية التي تتميز بروح الاستقلالية، وبكثير من المرونة في تعاملها والواقعية، حيث يحسدنا الكثير على مواقفنا السيادية، التي لا تعتمد على المقايضة، على خلاف الكثير من الدول، بل إن مواقفها معروفة وثابتة. فالظروف السياسية تؤكد بأن موقف الجزائر على صواب، وخير دليل هو أن الكثير من دول العالم تنادي بإحداث القطيعة مع المقاربة القطبية الوحيدة التي تتزعمها الولاياتالأمريكيةالمتحدة، والدعوة إلى إحداث أقطاب متعددة ونظام عالمي وسياسي يعتمد على احترام سيادة الدول، وهو ما ظلت تنادي به الجزائر ولا تزال». وبالتالي يؤكد زغلامي أن الجزائر تبعث من جديد بالأفكار التي كانت تتشبث بها خلال سبعينيات القرن الماضي، فالدبلوماسية تؤيد مواقف تعتمد على العدالة، المساواة واحترام حقوق الشعوب التي لا تزال ترزح تحت وطأة الاستعمار، على غرار القضيتين الصحراوية والفلسطينية، وهي مواقف لم تتغير، في وقت تحاول أطراف المناورة بهذه القضايا لمصالح ضيقة.