يسعى المعهد الوطني العالي للموسيقى "محمد فوزي"، وهو أحد أهم المراكز العلمية الجزائرية في مجال التكوين الموسيقي، إلى ترقية التكوين الأكاديمي العالي المتخصص والتقني، في مجالات العزف على الآلات الموسيقية والأداء الغنائي، وتخريج أجيال فنية محافظة على التراث الموسيقي الجزائري وذات تكوين أكاديمي راق. وأفردت الدولة الجزائرية، التي تحتفي هذه السنة بالذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية، منذ السنوات الأولى للاستقلال، اهتماما بالغا لقطاع التكوين الفني العالي، سواء في المجال المسرحي أو السينمائي أو الموسيقي أو غيرها من الفنون، لما لها من أهمية قصوى في تكوين الناشئة، لتساهم هذه الأجيال المتخرجة في تطوير ثقافتنا الفنية وترفع من مستواها، بحسب ما أفاد مدير المعهد، عبد القادر بوعزارة. ويقع هذا المعهد، الذي تأسس سنة 1992، ضمن نسيج عمراني، ثقافي وتاريخي وسياحي، مميز، بالواجهة البحرية لمدينة الجزائر، حيث لا يبعد كثيرا عن حي القصبة العريق وبعض المعالم التاريخية البارزة لمدينة الجزائر وهو ما يحفز الطلبة على الإبداع في أجواء رائعة وصقل مواهبهم. ويسعى المعهد الذي يحمل منذ 2017 اسم الموسيقار المصري الراحل محمد فوزي، الفنان الذي أبدع في تلحين النشيد الوطني الخالد (قسما) لمؤلفه الشاعر مفدي زكريا، إلى "تقديم صورة ناصعة عن ثقافة جزائرية أصيلة ومواكبة لروح العصر"، حسب السيد بوعزارة الذي يؤكد أننا اليوم "في حاجة ماسة إلى تطوير موسيقانا في إطار تكويني علمي أكاديمي، وهو ما يقوم به أساتذة متميزون في المعهد يجتهدون لتطوير الثقافة الموسيقية فيه". وعن مهام المعهد ذكر المتحدث أنه يعمل على "ترقية التكوين الأكاديمي العالي، المتخصص والتقني، في العزف على مختلف الآلات الموسيقية، وكذا الأداء الغنائي، مع تطوير البحث العلمي في مجال الموسيقى التقليدية الجزائرية بمختلف مضامينها من خلال انشاء استديو لتسجيل وتدوين التراث الموسيقى الوطني". ويضيف بوعزارة أن المعهد "أنشأ مخبر بحث لفهرسة التراث الموسيقي وتصنيفه قصد توثيق وحفظ التراث الموسيقي الوطني بالطرق الأكاديمية لإعداد مناهج دراسية لمختلف الآلات الموسيقية بغية دمج موسيقانا الجزائرية بطريقة أكاديمية لتتداوله الأجيال، وذلك في إطار مساعي الارتقاء بالموسيقى الجزائرية علميا لتبقى خالدة وتساهم في إثراء الإرث الثقافي الإنساني". وأوضح أن المعهد يوفر على امتداد ثلاث سنوات تكوينا في تخصصي "علم الموسيقى" و«الآلات والغناء"، حيث يحوز الطلبة على شهادة ليسانس مهنية في علم الموسيقى، مضيفا في هذا السياق أن "أول دفعة تم تخرجها في ظل نظام "ليسانس ماستر دكتوراه" (أل أم دي) كانت في السنة الجامعية 2020/ 2021 وبلغ عددها 54 طالبا". وفيما يتعلق بقرار استحداث البكالوريا الفنية الذي اتخذه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اعتبر بوعزارة أنه "قرار بنظرة مستقبلية فاحصة، حيث سيساهم في إعادة تأهيل منظومة التكوين الفني، كما سيعطي جرعات جديدة لقطاع الثقافة والفنون، خاصة أن هذه الشهادة كانت الحلقة المفقودة في مؤسسات التكوين الفني بالجزائر". ثلاثون عاما من التكوين والإبداع يحتوي المعهد على هياكل مادية قادرة على استيعاب 200 مقعد بيداغوجي، منها 100خارجي وإقامة داخلية تستوعب 100 سرير، فضلا عن قاعة للمطالعة والأنترنت ومكتبة ومطعم وقاعتين للمحاضرات والعروض. ومنذ أربع سنوات صار المعهد خاضعا لإشراف مزدوج من طرف كل من وزارة الثقافة والفنون ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بهدف تطبيق نظام أل أم دي. وقال بوعزارة أن المعهد قد فتح مؤخرا مسابقة للماستر لأول مرة في تاريخه، حيث كان من شروطها أن يحوز المترشح على شهادة الليسانس في علم الموسيقى أو شهادة معادلة لها، وقد تم تخصيص 25 مقعدا بيداغوجيا لها. كما ذكر باتفاقيات الشراكة التي تربط المعهد مع العديد من المؤسسات الأجنبية المشابهة على غرار جامعة مورهاوس أطلنطا بالولايات المتحدةالأمريكية وأكاديمية الفنون لمدينة براغ بجمهورية التشيك، مضيفا أن عددا من الطلبة المتفوقين قد تحصلوا على منح تكوين ما بعد التدرج بكل من روسيا وتركيا والصين وفرنسا وأن طلبة المعهد قد شاركوا أيضا في مسابقات دولية مختلفة. كما تمكن المعهد أيضا من تحقيق عدة أهداف منها "إنشاء أوركسترا سيمفونية، وكورال بوليفوني لطلبة المعهد".