6.9 بالمائة نسبة نمو متوقّعة في 2023 تعوّل الجزائر، بشكل كبير، على قطاع الفلاحة ليكون أحد البدائل الحقيقية للمحروقات، خصوصاً بعد التقدم المحرز خلال السنوات الأخيرة، في ظل تحدي رفع حجم الصادرات خارج المحروقات الذي رفعه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بحيث زادت قيمة الإنتاج الفلاحي الكلي في الجزائر عن 25 مليار دولار في 2021، وينتظر أن تكشف أرقام 2022 عن قيم أكبر، في حين يتوقع مستويات أعلى في 2023. حقّق الإنتاج الفلاحي الوطني قفزة نوعية خلال عام 2022، إذ أصبح يغطي ما يفوق 74 في المائة من الحاجيات الوطنية، كما بات يساهم بما يفوق 14.1 بالمائة من الناتج الداخلي الوطني الخام، ويمثل ربع اليد العاملة الناشطة وطنيا بحوالي 2.7 مليون عامل. وقد بلغت قيمة الإنتاج الفلاحي خلال العام الماضي أزيد من 4500 مليار دينار، بفضل المساعي التي باشرها القطاع وانطلق في تجسيدها ميدانيا، والنابعة من مخطّط عمل الحكومة والتزامات رئيس الجمهورية، الذي أكّد مرارا على تحديث الزراعة لضمان الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الوطنية، وهي المسألة التي أخذت حيزا كبيرا من اهتمام قطاع الفلاحة طيلة سنة 2022، خصوصاً بعد تفاقم تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية. ونتيجة لهذه الجهود، حقّق الإنتاج في شعبة الخضر الجافة 1.1 مليون قنطار إلى غاية سبتمبر 2022، مقابل تسجيل 1.9 مليون قنطار خلال سنة 2021 بقيمة 17.1 مليار دينار، على مساحة مخصّصة قدرها 150 ألف هكتار، والتي تهدف إلى وضع حد للواردات من هذا النوع لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فيما قدّر إنتاج مادة البطاطا خلال 2022 ب 44.2 مليون قنطار، بزيادة قدرها 30 بالمائة، وقيمة إنتاج فاقت 287 مليار دينار، كما حقّقت شعبة الطماطم الصناعية هي الأخرى مستويات إنتاج مشجّعة، بلغت 19.3 مليون قنطار. ومن جانب آخر، تسعى الجزائر إلى رفع قدراتها الإنتاجية من الحبوب بمختلف أنواعها، والتقليل من فاتورة استيرادها، خاصة بعد الارتفاع غير المسبوق لأسعارها في الأسواق الدولية، بحيث تهدف الإستراتيجية العامة للدولة إلى بلوغ نسبة 80 بالمائة من تغطية الاحتياجات الوطنية من هذه المادة واسعة الاستهلاك بحلول 2023، وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد أعرب عن عدم رضاه عن مستوى إنتاج الحبوب في الجزائر، خلال لقاء الحكومة والولاّة، الذي انعقد شهر سبتمبر 2022، إذ قال "إنه من العيب أن تستورد الجزائر الحبوب خصوصا أنّنا نملك مساحات شاسعة"، كما أضاف أنّه من "غير المعقول أن يبقى معدل ومردودية الإنتاج في حدود 20 قنطارا في الهكتار". وتجسيداً لمسعى تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في هذه الشّعبة، والذي يعتبر إحدى التحديات التي رفعها رئيس الجمهورية، اتّخذت الدولة جملة من الإجراءات والتدابير، حيث استفاد الفلاحون خلال بداية حملة الحرث والبذر - على سبيل المثال - من زيادة في الدعم على الأسمدة من ميزانية الدولة، لتنتقل النسبة من 20 بالمائة إلى 50 بالمائة، ممّا انعكس على أسعارها في السوق، وبادرت الحكومة في مجال البذور، إلى وضع برنامج يهدف للتقليص تدريجيا من الكميات المستوردة لبلوغ الاكتفاء الذاتي، من خلال تدشين البنك الوطني للبذور المتواجد على مستوى المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها، والذي سيسمح بالاعتماد بصفة كلية على الإنتاج المحلي من البذور. وتعزّزت هذه التدابير التي باشرتها الدولة، برفع أسعار شراء القمح اللين والصلب من الفلاحين لتشجيعهم على مضاعفة الإنتاج تحقيقا للأمن الغذائي، حيث تمّ رفع سعر شراء القمح الصلب من 4500 دينار إلى 6000 دينار، وسعر القمح اللين من 3500 دينار إلى 5000 دينار، وسعر الشعير من 2500 دينار إلى 3400 دينار، وسعر الشوفان من 1800 دينار إلى 3400 دينار. استيراد المعدّات الفلاحية.. وفي السياق الرامي إلى تطوير النشاط الفلاحي وزيادة إنتاجه، تم السماح للمهنيين باستيراد المعدات الفلاحية بكل أنواعها، بما فيها الجرّارات المستعملة، وهذا بموجب قرار صادر عن رئيس الجمهورية، والذي تمّ اعتماده في قانون المالية لسنة 2023، الذي نصّ على السماح بجمركة خطوط ومعدات الإنتاج المستعملة، وكذا المعدات والعتاد الفلاحي الذي يقل عمره عن 7 سنوات. من جهة أخرى، عمل قطاع الفلاحة خلال سنة 2022 على حشد الموارد المائية لتأمين الإنتاج، بمساحة مسقية بالري التكميلي بلغت 1.47 مليون هكتار، والري الشامل على مساحة 500 ألف هكتار، مع فتح شباك وحيد لتبسيط وتسهيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بمنح رخص التنقيب وتعميق الآبار، كما تم منح حصص مائية انطلاقا من السدود الكبرى لفائدة المستثمرات الفلاحية. وفي إطار ترقية الشّعب الفلاحية، حظيت الزراعات الإستراتيجية في الجنوب ببرنامج خاص، على أساس الحافظة العقارية الموكلة من قبل الدولة إلى ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية، تبلغ مساحتها 550 ألف هكتار، حيث تمّ تنفيذ برنامج لإنجاز 140 مشروعا استثماريا معتمدا على مساحة 97 ألف هكتار. علاوة على هذا، أطلقت وزارة الفلاحة خلال 2022 الحملة الوطنية للتشجير وإعادة التشجير عبر كل مناطق الوطن، والتي ستتواصل إلى غاية شهر مارس 2023، والهدف منها المحافظة على الفضاء الطبيعي والأنظمة الايكولوجية الغابية، نظرا للدور الذي تقوم به في حماية التربة من الانجراف، والحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من الاحتباس الحراري الناتج عن التغيرات المناخية. ومع بداية شهر نوفمبر 2022، أطلقت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، من ولاية تيارت، حملة وطنية لإحصاء رؤوس الماشية عبر التراب الوطني، وذلك باستعمال تقنية رقمية جديدة، تعتمد على تثبيت شرائح بأذن الماشية، وهي عملية تستعمل لأول مرة في الجزائر، وتسمح العملية بتتبع وتسيير المواشي من خلال تحديد هوية الماشية إلكترونيا وفق قاعدة معلومات دقيقة، وتعتبر هذه العملية الثالثة من نوعها، كان أخرها منذ 20 سنة إذ تم تنظيمها في 2001. وقد كانت هذه الحملة بمثابة فرصة للإصغاء المباشر لانشغالات الفلاحين وتطلّعاتهم، والعمل على الإجابة على مختلف تساؤلاتهم، ومعرفة أحسن بواقع الفلاحة بتحيين المعطيات، حسب كل بلدية وكل ولاية، بما يحسن من اتخاذ القرار، وكذا توجيه وتحديد سياسات القطاع على المستوى المحلى والوطني بما يخدم الفلاح ومختلف الفاعلين في القطاع. مخطّط جديد للإنتاج.. وبحسب التوقعات الواردة في قانون المالية لسنة 2023، ينتظر أن يسجل قطاع الفلاحة نموا ب 6.9 في المائة في سنة 2023، 5.5 في المائة في 2024 و5.7 في 2025، ولتحقيق هذه النسب، ينتظر أن يشرع قطاع الفلاحة خلال 2023 في اعتماد مخطط جديد لتطوير الإنتاج الفلاحي، لاسيما الحبوب، والذي يمتد إلى غاية 2035، ويهدف هذا المخطط في المقام الأول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكلي في مجال إنتاج القمح الصلب والشعير، وزيادة ملموسة في إنتاج القمح اللين. وقد سخّر القطاع لهذا الغرض 50 خبيرا من أجل استكمال هذا المخطط، الذي يهدف إلى التأمين الكلي لإنتاج هذا الفرع الاستراتيجي، وقد سبق لوزير الفلاحة والتنمية الريفية أن أكّد بأنّ هذا الهدف قابل للتحقيق، بالنظر إلى توفر الإمكانيات والعقار والموارد المائية والبذور، علاوة على دور المجالس المهنية والديوان المهني للحبوب الذي يتمتع بخبرة وتجربة كبيرة. وفي هذا الصدد، سبق للمدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، التأكيد في تصريح ل "الشعب"، أن للجزائر مقدرات زراعية جد معتبرة، تمكّنها من ضمان أمنها الغذائي والمساهمة في دعم الأمن الغذائي العربي، وقد أنجزت المنظمة دراسة كبيرة في هذا الشأن، تندرج ضمن برنامج خاص أطلق عليه تسمية "البرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي"، والذي تمّ عرضه خلال القمة العربية التي نظّمت في الجزائر شهر نوفمبر 2022، وقد خلصت الدراسة المعمّقة التي أجرتها المنظمة إلى أنّ الجزائر إحدى الدول التي يعوّل عليها للمساهمة في توفير الأمن الغذائي العربي، بالنظر إلى توفر الموارد المائية والمساحات الزراعية، والتنوع المسجل في الزراعات المطرية التي تحتاج إلى معالجات محددة تمكنها من المساهمة، بشكل فعال، في تزويد المنظومة العربية بموارد غذائية، وبالأخص القمح الذي يعد من المحاصيل التي تسجّل المنطقة العربية عجزا كبيراً فيها، وتقترح المنظمة في دراستها لرفع هذا العجز، استعمال التقنيات الزراعية الحديثة، وتأهيل المزارعين وتكوينهم والاستفادة من الطاقات المتوفرة.