شهدت أيام غزة قبل الحرب، كل تفاصيل الفرحة والحبور عند قدوم خيرة الشهور؛ حيث تحرص الحرائر على الذكر، وقراءة القرآن، ومراجعته، والحفظ أيضا. ويقصد الرجال والنساء والأطفال المساجد لصلاة التراويح؛ في أجواء روحانية عظيمة، وسعادة تطبعها بهجة الأطفال بأيام هذا الشهر ولياليه المباركة. كما يقوم الجميع للسحور على صوت طبول "المسحّرين"، وفق ما أشارت إليه السيدة تسنيم الرنتيسي، ابنة غزة العزة في تصريح ل"المساء"، قائلة: "كنا نستقبل شهر رمضان بزينة خاصة تطبع الشوارع والبيوت وكل الأماكن؛ بأحبال الفوانيس، والزينة الملوَّنة، ونردد الأغاني الشعبية، من بينها: "حالو يا حالو رمضان كريم يا حلو". كان أهل غزة يتبادلون الرسائل بقدوم شهر الخير، ويذهبون إلى السوق لإحضار كل من تحتاجه المائدة لتحضير الطعام. كما يأخذون الأطفال الصغار معهم لاقتناء ملابس، وسجاد الصلاة. وتقول في هذا الشأن السيدة تسنيم: "كنا نحفّز الأطفال بقدوم هذا الشهر، على العبادة، حتى المساجد كانت تستعد لاستقبال الشهر الفضيل بفرش السجاجيد الجديدة. كما تُعَد الإضاءة خارج المسجد، وعلى المئذنة. وكانت المساجد تجهَّز بمكبرات الصوت والسماعات. ويعمد المشرفون عليها إلى توزيع التمر والمياه المعدنية على جموع المصلين عند أذان المغرب". الأسواق بغزة، أيضا، كانت تستعد لاستقبال الشهر الفضيل؛ إذ كانت تعج بالمتسوقين الذين يجدون كل حاجياتهم الخاصة بأيامه المباركة، في المتناول. وقالت، أيضا، السيدة تسنيم الرنتيسي: "في أيام الرخاء كنا نستيقظ على طبول المسحّرين. وكنا نضع أصنافا متنوعة من الأطعمة والأغذية الجيدة على مائدة السحور؛ الأجبان، الألبان، البيض، المربى، وكأس الشاي الأساس". وبعد السحور يتجه الرجال والأطفال الذكور إلى المسجد لصلاة الجماعة، بينما تقوم الأمهات والبنات للصلاة في البيت. وعن تفاصيله تسنيم قالت: " رمضان يكون محفوفا بالعبادات، وقراءة القرآن الكريم ما بين الصلوات المفروضة والنوافل. كثير من الفتيات في غزة يركزن على حفظ القرآن ومراجعته خلال هذا الشهر. كما كانت تقام أسبوعيا، تقريبا، ندوات في المساجد للفتيات والأمهات الكبار، لتدارس أمور الدين. وتعقد المساجد، بشكل دائم، حلقات لتحفيظ القرآن للأشبال". وعن مائدة غزة الشهية العريقة قالت تسنيم الرنتيسي: "بالنسبة لمائدة الإفطار فكانت تُعرف بتنوع الأصناف والأطباق، والأكل اللذيذ؛ فلا بد من توفر السلطات، والمقبلات، والشوربات، والطبق الرئيس المكوَّن من اللحوم أو الأسماك؛ فقد عُرف أهل غزة بالكرم والجود؛ فالدعوات تكاد لا تتوقف بين الأهل والأصدقاء والجيران. وأكثر ما يميّز رمضان هو لقاء الأحبة؛ إذ يلتفّون حول مائدة الإفطار التي تجمعهم خلال الشهر الفضيل. وبعد الانتهاء من الإفطار تُعد القهوة العربية مع القطايف ". السهرة المباركة بغزة تكون بالمساجد، وصلة الرحم. ففور سماع صوت الأذان يخرج الجميع إلى المساجد؛ رجالا ونساء وأطفالا. وأردفت في هذا السياق ابنة العزة عن تفاصيلها الروحانية: "نذهب جميعنا إلى المساجد، نصلي صلاة التراويح معاً. ومن عادتنا بعد الانتهاء من صلاة التراويح، الذهاب لزيارة الأرحام. ولا بد أن نأخذ معنا هدية بحسب قدراتنا؛ لزرع الحب والمودة بين الأهل والأقارب". شوارع غزة خلال شهر رمضان تعج بالمشاة والزائرين؛ فساعات الليل تخالها نهارا من كثرة الزيارات والفرح، مشيرة إلى أن "المساجد كانت تفتح المآذن بقراءة القرآن من العصر إلى صلاة المغرب. وقبل أذان المغرب بدقائق يُرفع الدعاء. كما كانت المساجد في أيام الرخاء، توزع الوجبات الرمضانية ومبالغ مالية على المحتاجين، فنجد التكافل معزَّزا بين سكان الحي والأقارب". ...يتبع