تحديد الآجال.. يفعّل آلية التقييم والمحاسبة لايزال التأسيس لأرضية التحول الرقمي ببلادنا وفق منظومة شاملة ومتكاملة، يكتسي من الأهمية ما يجعله محل تأكيد في كل مرّة من طرف رئيس الجمهورية في عدة مجالس وزراء عقدت، آخرها المنعقد، أول أمس، بهدف تجسيد الحوكمة الإلكترونية، من خلال الإسراع في رقمنة الإدارات لتحسين الخدمات العمومية. ومنذ الإعلان عن ذلك، سجل تفاوت في الخدمات العمومية المرقمنة، بحيث هناك وزارات قطعت أشواطا كبيرة، في حين تعثرّت أخرى على غرار وزارة المالية وأهم مصالحها. أكد رئيس الجمهورية على ضرورة رقمنة مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك وهو المسعى الذي لايزال متعثّرا، رغم المحصّلات الإيجابية التي يمكن تحقيقها من خلال تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيل حاصل في هذا المجال، إلى جانب اعتبارها قضية أمن قومي لارتباطها الوثيق والحيوي بالاقتصاد الوطني وخدمة لمصالح المواطن، على رأسها التحديد الدقيق لأملاك الدولة وأملاك الأفراد. ولأول مرة يتم تحديد آجال ستة أشهر على أقصى تقدير، لتجسيد مشروع الرقمنة في القطاعات المذكورة، حيث أمر رئيس الجمهورية كلاّ من وزير المالية ووزيرة الرقمنة بتحقيق ذلك، كمرحلة أولى قبل الرقمنة الشاملة، معتبرا إياه هدفا حيويا بالنسبة للدولة، متيحا لهم إمكانية الاعتماد على أحسن الخبراء والكفاءات الوطنية ومكاتب الدراسات الدولية. وبما أن التحول الرقمي يعني الانتقال من منهج اقتصادي تقليدي إلى منهج اقتصادي رقمي، فالانتقال من منهج إدارة إلى منهج حوكمة رقمية، يفرض على وزارة المالية العمل على مواكبة هذا التطور، خاصة وأنه يجري العمل على اقتناء أنظمة مالية متطورة بهدف تحقيق هذا الهدف ذي الأبعاد الاقتصادية. من جهة أخرى، تم التأكيد على ضرورة الذهاب لتأسيس بنك معلومات جزائري، بشكل فوري ومستعجل من قبل وزارة المالية، يسهّل على مختلف مصالح الدولة، ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه مواطنيها بأمثل وأنجع أسلوب، لأن تقييم الوضعية الحالية فرضت تحديد الأهداف المتعلقة برقمنة الخدمات العمومية وإحصائها وتسهيل الإجراءات، ولهذا تم التأكيد على ضرورة الإسراع في انجاز ما يسمى ب»مركز بيانات حكومي» ذي دخول واحد يكون قطبا يجمع بين كل الوزارات والإدارات، ويوفر منصات مشتركة لتبادل الوثائق والبيانات. هيئة مركزية تقود الرقمنة لتحقيق النجاعة ويرى أمين سويسي، رئيس اللجنة الوطنية للرقمنة بالمنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار الاجتماعي، ضرورة إنشاء هيئة تقود عملية الرقمنة وتحديد الآجال والتنسيق بين القطاعات، تتمتع بصلاحيات موسعة وتتكون من كفاءات وخبراء من الميدان، من أجل تحقيق نفس المستوى بين كل القطاعات، فلا رقمنة دون مركزية، وهي من تتولى وضع دفتر شروط وتحديد حاجيات كل قطاع بما يتوافق وخدماته، مع انشاء مركز بيانات مركزي ينهي مرحلة التعامل بالأوراق ويختصر الكثير من الوقت ويسرّع من المعاملات الإدارية وينهي التفاوت المسجل بين الإدارات. وأشار سويسي في تصريح ل «الشعب»، إلى أهمية الأمن المعلوماتي، ما يقود – بحسبه – إلى تحديد التجهيزات المقتناة. فالتحول الرقمي يتطلب تكنولوجيات رقمية حديثة والتي تجاوزت تكنولوجيا الإعلام الآلي من خوادم وغيرها... وكذا لمواكبة التطور الحاصل في العالم الرقمي، الذي يعتمد بالأساس على الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات والدفع الإلكتروني وغيرها من الأنظمة والبرمجيات. وأكد سويسي، أن الرقمنة تعني الشفافية في التعاملات، مشيرا إلى أن تأكيد الرئيس على تسريع الرقمنة في القطاعات الثلاثة ليس اعتباطيا، بل هو لقطع الطريق أمام البعض ممن ينشطون في هذه القطاعات الثلاثة ويحاولون تعطيل وعرقلة هذا المسعى وترسيخ الشفافية عن قصد أو عن غير قصد. وثمّن المتحدث اعتماد الآجال، لأول مرة، فلا مشروع من دون آجال، ما يوحي إلى تفعيل آلية تقييم ما تحقق وما أنجز وكذا المحاسبة، والخروج من الأماني إلى تجسيد المشاريع، ما يؤكد وجود الإرادة السياسية التي تحرص في كل مرة على التذكير بالتمسك بهذا المسعى كهدف حيوي وعُبّر عنه بأنه «قضية أمن قومي». الاعتماد على الخبراء والكفاءات لترجمة الإرادة السياسية وبحسب رئيس اللجنة الوطنية للرقمنة، إسناد مهمة الرقمنة للكفاءات وإتاحة الإمكانية للاستعانة بخبراء وطنيين ومكاتب دراسات دولية، هو في حد ذاته قرار حكيم وصائب من طرف الإرادة السياسية من أجل المضي فعليا نحو الرقمنة الشاملة وإنجاحها، بوضع خطط عمل واستراتيجيات وتحديد التجهيزات اللازمة وفق رؤية شاملة ومتكاملة تعي أهمية هذا المسعى، وتعمل على تجسيدها من خلال الهيئة التي طالب باستحداثها آنفا، مؤكدا أن وزارة الرقمنة هي جهاز مرافق فقط. في المقابل، أشار سويسي إلى أن نجاح أي عملية رقمنة مرهون باقتناء أحسن التجهيزات التكنولوجية والرقمية وتطبيقات الحماية والتي تأثرت مؤخرا بسياسات تقييد الاستيراد، التي أثرت كثيرا على نشاط المتعاملين الرقميين الوطنيين وشركائهم، مؤكدا أن الرقابة يمكنها أن تعوّض أي غلق، ولا رقمنة دون آخر وأحدث تجهيزات الإعلام الآلي والحلول الرقمية والتكنولوجيات. تقييم مرحلي للعملية الرقمية لتحديد الأولويات من جهته، اعتبر الخبير في تكنولوجيات المعلومات يزيد أقدال في تصريح ل «الشعب»، أن تحديد الآجال ليس مرتبطا فقط بالفترة الزمنية في حد ذاتها، بل له بعد يتعلق بتقييم تطور العملية الرقمية في القطاعات المعنية، سيما منها أملاك الدولة، الجمارك والضرائب، خاصة وأن الأمر يمثل مرحلة أولية قبل المرور إلى الرقمنة الشاملة. وأشار أقدال أن عناية الرئيس بهذا القطاع، لا يعني عدم وجود رقمنة نهائية، بدليل الخطوات التي قطعتها الجمارك الجزائرية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بتقييم المرحلة التي وصلت إليها هذه المصالح لمعرفة ما لها وما عليها، ومن ثم تحديد الأولويات. في المقابل، ثمن المتحدث التأكيد على إنشاء بنك معلومات، وذلك لما له من أهمية على رسم خطط عمل، مشاريع رسم تصورات ووضع استراتيجيات، فمن دون معلومة صحيحة ودقيقة لن تكون هناك قرارات ناجعة أو امكانية اتخاذها في الوقت المناسب، ومن ثمّ نجاعة أي برنامج أو مشروع في أي مجال.