رغم النداءات الدولية الداعية إلى ضبط النفس ووقف الاقتتال، تواصلت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مخلّفة عشرات القتلى ومئات المصابين، وحالة من الذعر خشية انزلاق البلاد إلى احتراب داخلي يصعب كبحه. كما عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا لبحث سبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، والعمل على استعادة الاستقرار إلى دولة السودان الشقيقة فى أسرع وقت. أعلنت نقابة الأطباء السودانية أمس، أن حصيلة قتلى الاشتباكات المستمرة في السودان بين الجيش النظامي والقوات شبه العسكرية " الدعم السريع" بلغت 56 قتيلا مدنيا، في حين زاد عدد المصابين عن 600، وقالت إن عددا كبيرا من الجرحى لم يتم نقلهم إلى المستشفيات بسبب صعوبات في التنقل أثناء الاشتباكات. واستمرت المعارك في العاصمة السودانية بين قوات الجيش التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلوالمعروف باسم حميدتي. ومن شأن حدوث مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين أن تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه بالفعل من مصاعب اقتصادية، وقد يؤدي أيضا إلى اشتعال العنف القبلي، وعرقلة الجهود المبذولة للمضي نحو إجراء انتخابات. اجتماع للجامعة العربية في الأثناء، ومحاولة منها لإنقاذ السودان من الانزلاق إلى حرب حقيقية، عقدت الجامعة العربية أمس اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين الدائمين برئاسة مصر حيث بحثت التطورات المتلاحقة والخطيرة في السودان. وكانت مصر والسعودية دعتا أمس الأول إلى الاجتماع الطارئ لمناقشة الوضع في السودان. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية في تصريحات نشرت على الموقع الرسمي للوزارة، بأن الاجتماع يأتي تأسيساً على الفقرة "ب" من المادة الخامسة من النظام الداخلى لمجلس الجامعة، والتي تنص على إمكانية انعقاد المجلس عند الضرورة فى دورة غير عادية بناء على طلب دولتين من الأعضاء. وأوضح المتحدث باسم الخارجية، أن التطورات المتلاحقة والخطيرة في السودان تقتضي عقد هذا الاجتماع للتشاور والتنسيق بين الدول العربية لبحث سبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، والعمل على استعادة الاستقرار إلى دولة السودان الشقيقة في أسرع وقت. مجلس الأمن يلتئم اليوم من جانبه، من المرتقب أن يعقد مجلس الأمن الدولي اليوم الاثنين جلسة مغلقة للتشاور بشأن الوضع في السودان، وكان أعضاء المجلس الأممي قد أعربوا عن قلقهم العميق إزاء الاشتباكات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وأبدوا أسفهم للخسائر في الأرواح والجرحى، بما في ذلك بين المدنيين. وحث أعضاء مجلس الأمن الأطراف السودانية على الوقف الفوري للأعمال القتالية، وإعادة الهدوء، ودعوا إلى العودة للحوار لحل الأزمة الحالية. وأكد أعضاء مجلس الأمن من جديد التزامهم القوي بوحدة جمهورية السودان وسيادتها واستقلالها وسلامتها الإقليمية. حرب تصريحات واتهامات المواجهة العسكرية التي تحبس أنفاس السودانيين، تخلّلتها حرب تصريحات وتبادل اتهامات بين طرفي الاقتتال، ففي حين أوردت قوات الدعم السريع أنها سيطرت على القصر الرئاسي ومقر إقامة قائد الجيش ومطارات في الخرطوم ومدينة مروي في الشمال وفي الفاشر وولاية غرب دارفور، نفى الجيش هذه التأكيدات، وأعلن بالمقابل أنه سيّد الموقف وبأن جميع الهيئات الرسمية تحت سلطته، كما دعا المواطنين إلى البقاء في منازلهم لأنه سيقوم بعملية مسح كامل لأماكن وجود قوات الدعم السريع، التي وعد بتفتيتها، حيث قال قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان "إنهم إذا استمعوا لصوت العقل فسوف يعيدون قواتهم التي جاءت إلى الخرطوم، لكن إذا استمر الأمر سنضطر إلى نشر قوات داخل الخرطوم من مناطق مختلفة". وقالت القوات المسلحة على صفحتها على فيسبوك "لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت مليشيات حميدتي المتمردة". وطلبت من الجنود المنتدبين لدى قوات الدعم السريع أن يحضروا لوحدات الجيش القريبة، مما قد يؤدي إلى استنزاف صفوف قوات الدعم السريع إذا امتثلوا للأمر. فيما قال حميدتي إنهم يعرفون المكان الذي يختبئ فيه البرهان وسيصلون إليه ويسلمونه إلى العدالة. خلفية التوتر بين البرهان ودقلو واعتبر كثيرون أن الانهيار الأمني كان متوقعا في السودان الذي شهد في الفترة الأخيرة توترا كبيرا وانسدادا سياسيا بسبب الخلافات بين البرهان ودقلو "حميدتي" بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وأدى الخلاف إلى تأجيل توقيع اتفاق تدعمه أطراف دولية مع القوى السياسية بشأن الانتقال إلى الديمقراطية. ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين توقيع اتفاق بين العسكريين والمدنيين والذي يحمل اسم "الاتفاق الاطاري "لانهاء الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب خلافات حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وهو بند أساسي في اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه. وكان يفترض أن يسمح هذا الاتفاق بتشكيل حكومة مدنية وهو شرط أساسي لعودة المساعدات الدولية الى السودان الذي يعاني وضعا اقتصاديا صعبا. ودعت القوى المدنية، التي وقعّت على مسودة ذلك الاتفاق في ديسمبر، الطرفين إلى "وقف العدائيات فورا وتجنيب الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل للبلاد". وقالت في بيان: "هذه اللحظة مفصلية في تاريخ بلادنا.. فهذه حرب لن ينتصر فيها أحد، وسنخسر فيها بلادنا إلى الأبد". صراع يختمر منذ وقت يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين أن المواجهة بين الجيش السوداني والدّعم السريع كانت ستشتعل لا محالة بالنظر إلى العديد من المعطيات والمؤشرات الميدانية. وأول هذه المؤشرات عبّر عنها الجيش نهاية الاسبوع عندما حذّر من أن البلاد تمر ب "منعطف خطير"، بعيد انتشار القوات التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو في العاصمة السودانية والمدن الرئيسية خلال الأيام الماضية. وقد كشفت مصادر عسكرية سودانية، عن أن قوات الدعم السريع نقلت أكثر من 60 ألف مقاتل من دارفور إلى الخرطوم خلال الأيام الماضية، كما رُصد خلال اليومين السابقين، نقل آليات عسكرية من منطقة الزرق شمال دارفور إلى الخرطوم في تحشيد عسكري كبير لها، وهذا دفع الجيش إلى تعزيز قواته في العاصمة الخرطوم، لا سيما في منطقة مروي، كما اتخد اجراءات أمنية مشدّدة. ويقول محللون عسكريون ومدنيون، مؤشرات التصعيد بين البرهان وحميدتي كانت واضحة طوال الفترة الماضية، ورغم محاولات الوساطة بين الجانبين فإن هذا الصراع لا يمكن إيقافه. وفي مارس الماضي، تصاعد التنافس، حيث دعا البرهان إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش وذلك في إطار اتفاق السلام النهائي الذي كان مقرّرا توقيعه في الفاتح أفريل والذي يتضمن دستوراً جديداً للسودان، وسيُشكل الأساس لحكومة مدنية جديدة. وتشير العديد من المصادر إلى أن للمواجهة المشتعلة في السودان اليوم، وجه آخر مرتبط بالصراع على السلطة، فطموح محمد حمدان دقلو أو "حميدتي" لا يبدو بأنه يتحدّد في الانضمام إلى الجيش، لأن الرجل عمل منذ فترة طويلة على تجميل صورته على المسرح الدولي، تحضيراً لترشيح نفسه لرئاسة السودان، وأقام شبكة علاقات داخلية وخارجية كبيرة وهو يحظى بدعم بعض الدول الوازنة.