كشف الصالون الدولي الأول لزيت الزيتون الذي جرى بقصر المعارض الصنوبر البحري هذا الشهر عن إمكانيات كبيرة للجزائر يمكن أن تجعلها رائدة في هذه الزراعة المعروفة متوسطيا والتي تعرف منافسة شرسة من قبل عديد الدول على غرار اسبانيا وايطاليا. وبالمقابل كشف الناشطون في هذا المجال من خلال الاستطلاع الذي قامت به «الشعب» في الصالون عن الكثير من المشاكل التي تعيق تطوير هذه الزراعة التي يمكن أن تكون قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.عرفت شعبة الزيتون ببلادنا تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة ولعل ذلك مرتبط بجهود الدولة المبذولة في هذا المجال في إطار برنامج التجديد الفلاحي والريفي والذي دخل حيز التنفيذ في 2000، حيث عاد هذا الفرع إلى الواجهة بعد تحديد الأهداف والتركيز على الإمكانيات المتوفرة والموضوعة لتحقيقها بتطوير الإنتاج النباتي وإنشاء معصرات حديثة. وسطرت الوزارة الوصية مخططا لتنمية شعبة الزيتون المندرج ضمن إطار برنامج التجديد الفلاحي والريفي، وذلك ببلوغ القدرات الوطنية 1 مليون هكتار في أفق 2014 لإنتاج 100 ألف طن من زيت الزيتون مستندة بذلك على برنامج عمل محدد على مجالات رئيسية، أهمها توسيع رقعة زراعة الزيتون عبر تحديد مواقع جديدة، استعمال أنظمة ري اقتصادية والتحكم في تقنيات الغرس. يضاف إلى ذلك التدخل في المساحة الموجودة حاليا بالتحكم في مختلف التقنيات المرتبطة بالفرع والاستعمال الجيد، وتحسين ظروف الجني من خلال استلام معدات متخصصة إلى جانب تطوير الصناعة المرتبطة بالزيتون. وبلغة الأرقام تقدر اليوم المساحة المخصصة لزراعة الزيتون ب000 . 389 هكتار وبهذا تعتبر هذه الشعبة الأكثر أهمية حيث أنها تغطي نسبة 7 . 38٪ من مساحة الأشجار المثمرة، في حين بلغت المزروعات المنجزة خلال الفترة 2000 2012- نحو 248 . 240 هكتار، بمعدل زراعة 480 . 18 هكتار/ السنة، منها 37٪ من المزارع ما يعادل 064 . 89 هكتار، بين عامي 2009 و2012، مع معدل تجسيد يقدر ب266 . 22 هكتار/ السنة. وبالنسبة لانتاج زيتون المائدة، فقد تضاعف بأكثر من أربع مرات فبعد أن كان 346730 قنطار في عام 200 وصل السنة الفارطة الى 1458260 قنطار، ما انعكس على انتاج زيت الزيتون حيث قفز من 333200 لتر الى 728 ألف لتر في نفس الفترة، يتم تحويلها في 1953 معصرة، أما بالنسبة لتجهيز زيتون المائدة فقد تم انشاء 153 مصبرة منها 113 ما بين 2000 2011-. وفيما يخص الشتلات، فالعدد قد تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2000 و2012، فتعدى من 8 . 16 مليون شتلة في 2000 إلى 48 مليون شتلة في أواخر 2012، وبالتالي فالمزروعات المنجزة خلال الفترة 2009 - 2012، تقدر ب000 . 140 . 14 شتلة و هو ما يساوي تقريبا تلك المحققة بين 1970 و 2000، و التي كانت تقدر ب8 . 16 مليون شتلة. و يظهر جليا أن الوزارة الوصية منحت اهتماما خاصا بفرع الزيتون في إطار سياسة التجديد الفلاحي و الريفي من خلال الاندماج في التجديد الفلاحي و التجديد الريفي، الذي سمح بتعزيز الفرع مع التوسيع على كامل الأراضي، تحسن كبير في تقنيات الزراعة و استخدام تقنيات و تكنولوجيات جديدة ، تنمية الموارد البشرية من خلال الدورات التكوينية و التأطيرية المنظمة لمهنيي الفرع في إطار برنامج تقوية القدرات البشرية والمساعدة التقنية، بما فيها الكفاءات الوطنية والدولية. يضاف إلى ذلك تنصيب لجنة ما بين المهن التي جمعت كل الفاعلين في الفرع بهدف خلق فضاء للتشاور واتخاذ القرارات و خلق التآزر و الجمع بين كل المهنيين القادرين على بث ديناميكية جديدة للفرع و التي سيكون لها تأثير كبير على المهنة و على الإنتاج. و بالرغم من كل الجهود المبذولة إلا أن المهنيين الناشطين يعانون الكثير من المشاكل التي أثرت كثيرا على مردودية المنتوج و ديمومة النشاط ،حيث لا يزال المتدخلون في المهنة يصطدمون بالعديد من العراقيل المادية والبشرية بداية من صاحب المشتلة إلى الفلاح إلى صاحب المعصرة وحتى المؤسسات أو المركبات المختصة باستخراج زيت الزيتون. وللوقوف على أهم الأسباب التي تقف وراء عدم تجسيد الأهداف التي تضمنها المخطط المسطر من طرف وزارة الفلاحة و التنمية الريفية على أرض الواقع كان لزاما علينا أن نقترب من كل المتدخلين في عملية إنتاج الزيتون و زيته فكانت البداية من المشاتل التي تعد القاعدة التي تزود الفلاح بالشجيرات لاسيما بالأصناف الوطنية . المشاتل... سبيل لإنجاح أي مشروع فلاحي في هذا الإطار يؤكد ل«الشعب» فرحات حجو صاحب مشتلة «سيدي بلقاسم» بالبويرة أنشأت في 2000 والمختص في تلقيم الأصناف الوطنية لأشجار الزيتون ، أن نجاح أي مشرع تخضير أو زراعي مرتبط بوضعية المشتلة و عملية التشتيل ، كونها تعد الخطوة الأولى والوسيلة الأساسية لتوفير النباتات والشتول بالكمية المطلوبة والنوعية المناسبة، وهي الدعامة الأساسية للحصول علي أكبر غطاء أخضر في اقل فترة زمنية وبأقل التكاليف. وحسب حجو فان الأصناف الوطنية المستغلة حاليا على غرار «الشاملال»، «أهارون»، «زرارف»، «فركان» و«سيغ واز» وغيرها هي ذات نوعية جيدة جدا ويمكن تحصيل كمية إنتاج وفيرة في حال توفير شروط الحياة لها والبداية تكون في المشتلة مرورا بالحقل المستديم الذي يوفره الفلاح فيما بعد. و لتحقيق مشتلة معاصرة تؤدي وظيفتها وتواكب مشروع المليون هكتار لابد من تحقيق وسائل العمل وهو ما تفتقده للأسف الكثير من المشتلات على حد قول محدثنا لان الأمر يحتاج إلى أموال كثيرة لتجهيز البيوت البلاستيكية التي توفر مناخ خاص بهذه الشجيرات بالإضافة إلى البيوت المتعددة القبب وهي التجهيزات التي تتطلب أموالا تفوق مليار سنتيم، حيث يتعين دعم المشاتل لا سيما في السنة الأولى لأنه يمكن الرفع من مردوديتها على المستوى الوطني وتعميم الأصناف الوطنية لتغطي القطر الجزائري دون الحاجة إلى استيراد أصناف أجنبية. واستعرض حجو بعض العراقيل التي تحد من نشاط المشتلات أهمها مشكل اليد العاملة البسيطة وهو الأمر المطروح بشدة في القطاع الفلاحي ما تسبب في هجر الكثيرين لهذا النشاط رغم توفير كل الشروط كالضمان الاجتماعي والإيواء، إلى جانب العمالة المؤهلة حيث يعاني أصحاب المشاتل من نقص في الملقمين للأشجار ما يؤدي إلى تأخر في إنتاج المشتلة قد تتجاوز الأشهر . من جهة أخرى أثار نفس المتحدث مشكلا آخرا يرتبط بالتعامل مع البنوك عند أخذ القروض «قرض الرفيق» فإلى جانب العراقيل البيروقراطية الموجودة للحصول عليه تطرح مسألة السداد في ظرف سنة نفسها بشدة حيث أن الآجال المقررة لا تخدم أصحاب المشاتل بل تتماشى مع زراعة الخضر ، كونها تصطدم بالدورة الإنتاجية لأشجار الزيتون و التي تختلف من صنف لآخر فهناك من تصل إلى 36 شهرا أي 3 سنوات ما يجعلهم في مشاكل مالية ، و في هذا السياق طالب حجو بتكييف القروض الممنوحة مع طبيعة النشاط الممارس . يضاف إلى ذلك مشكل العقار وهو أمر لا يطرح بالنسبة للملاك ولكن لأصحاب المشاتل الذين استأجروا الأراضي لإنشائها كونها تتطلب مساحة كبيرة ، و من ثم كثيرا ما يصطدمون بمطالبة أصحاب الأراضي بإخلائها لاسترجاعها ،و هو ما يجعلهم في حيرة من أمرهم و قد يصل الأمر إلى هجر النشاط و بالتالي ضياع الجهود المبذولة . و في هذا الإطار طالب حجو أن يتم تسهيل أصحاب المشاتل من كراء الأراضي المملوكة للدولة غير المستغلة أو الرعوية لضمان استمرارية النشاط و الاستثمار لفترة أطول و توسيع نطاق الخيارات و آفاق العمل ، مشيرا إلى أنه يفضل كثيرا الاستئجار من الدولة بدلا من الخواص، بالإضافة إلى مشكل التسويق غير المنظم حيث هناك مشاتل استطاعت بيع إنتاجها في حين تعذر ذلك على أخرى . يؤكد عز الدين تلاونو مسير بمركب أفري أو ببجاية و المنتج لزيت «نوميديا أوزلاقن» أن زراعة الزيتون ببلادنا عريقة جدا إلا أن الفلاح في الآونة الأخيرة يصطدم بالعديد من العراقيل رغم الجهود المبذول من طرف الدولة للنهوض بهذه الشعبة فمشكل اليد العاملة أمر يؤرقهم خاصة في موسم الجني . وأوضح المتحدث أنه على الرغم من استخدامهم ل250 عامل دائم إلا أنهم يستنجدون بحوالي 100 امرأة مسنة في موسم الجني كونهن أكثر خبرة والأكثر إلماما بتقنيات الجني في هذا المجال كبديل متاح في ظل عزوف الشباب، بالإضافة إلى الجني الآلي عن طريق آلتين هزازتين التي تغطي 400 شجرة في اليوم الواحد وهذا لتغطية 360 هكتار مزروعة، مشيرا إلى أن الجني الآلي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الزيت كون أن الآلات المخصصة لقطف الزيتون مكلفة جداخاصة وأنها مستوردة وبالتالي فهي لا تستفيد من الدعم المقرر للآلات و الحاصدات المصنعة محليا . بالإضافة إلى ذلك تحدث تلاونو عن التسويق وعملية البيع و هو مشكل آخر يؤرق الفلاح حيث دعا إلى تكثيف التظاهرات الاقتصادية على غرار الصالونات كونها تعد فرصة ثمينة للتعريف بالمنتوح و القدرات الإنتاجية المتاحة و التنوع المحلي الذي تزخر به الإمكانيات المحلية ، ناهيك عن إعادة فتح أسواق الفلاح لمحاربة الوسطاء ، ومن ثم يتعين على الدولة التدخل في تحديد الأسعار أو تدعيمها لضمان الاستقرار. الأسمدة العضوية للرفع من المردودية يثير الفلاحون في كل مرة مسألة غلاء الأسمدة الكيماوية رغم الدعم الممنوح في هذا المجال من طرف الغرف الفلاحية، حيث لا يجدون بديلا آخر لمعالجة أراضيهم الفلاحية في ظل فقر التربة للمواد العضوية غير اللجوء إلى تعويض هذا النقص بالاعتماد على الأسمدة الكيمائية ، إلا أن هذا الحل حسب الخبراء خطير جدا ويرهن مستقبل الأراضي الزراعية ببلادنا في ظل الاستعمال غير العقلاني لها بعيدا عن الطرق العلمية . في هذا الإطار يؤكد فريد معزوز الخبير في الفلاحة البيولوجية و البيئة أن هناك سقوطا حرا في الإنتاج من حيث الكم والنوعية رغم كل الجهود المبذولة و هذا راجع إلى فقر التربة للمواد العضوية عززه عدم وجود دراسة معمقة لإيجاد البدائل و المتمثلة في الأسمدة البيولوجية «العضوية» لتدعيم مرحلة النمو و الاستغلال الأمثل لصالح الإنتاج رغم كونها متاحة. يضاف إلى ذلك الانفصام الموجود بين الفلاح والوزارة المعنية بسبب عدم وجود تنسيق بين الفاعلين ما أدى إلى عدم النجاح في تجسيد الأفكار والأهداف المسطرة على أرض الواقع على النحو المطلوب، ومن ثم بقاء الفلاحة في الجزائر فوضوية تقليدية لا تستجيب للحركية والوتيرة التي تعرفها البلدان الأخرى . والمطلوب اليوم حسب معزوز أن تكون هناك متابعة حقيقية لأي خطوة متخذة فلا تكفي النية بل يجب الجدية في العمل و هو أمر غير مرتبط بالوزارة فقط بل بكل الفاعلين والمتدخلين في المجال الفلاحي بمختلف شعبه وفروعه. و أوضح المتحدث في هذا السياق أن المفارقة الغريبة في الجزائر أن هذا البديل متاح ببلادنا بأسعار تنافسية و رخيصة و تسمح بمضاعفة الإنتاج ثلاثة أضعاف مقارنة بالأسمدة الكيميائية على عكس ما يسجل لدى دول الاتحاد الأوربي فالمواد العضوية مكلفة جدا مقارنة بالكيميائية كما أن هذه الدول تراجعت في الآونة الأخيرة عن الخيار الكيميائي بسبب التأثيرات السلبية على الأراضي و الصحة البشرية. وأرجع معزوز عدم تداول الأسمدة العضوية إلى افتقادنا لمديرية خاصة تتولى تطوير الفلاحة البيولوجية لأنها الخيار الأنجع والذي لا بديل عنه كون أن الأسمدة الكيميائية تقضي على خصوبة الأراضي في حين أن البديل العضوي يزيد من جودة الإنتاج بما فيها أشجار الزيتون وبحموضة أقل تؤهلها لولوج الأسواق الخارجية كونها تستجيب للمعايير العالمية. وشدد نفس المتحدث على أن البديل يكمن في الأسمدة العضوية لا الفلاحة البيولوجية وهي شرط إلزامي لا بد من تجسيده في المستقبل للحفاظ على خصوبة التربة للأجيال القديمة وبالمعايير الإلزامية العالمية. عدم تفطن المستثمرين الجدد لإنشاء معاصر يعمق المشكل يعد نقص المعاصر بالجزائر مشكلا آخر مطروحا حيث يجد الفلاح نفسه حائرا إلى أين يتوجه بمنتوجه ، وهذا راجع الى أن أغلب المعاصر الموجودة تقليدية رغم وجود المعاصر الحديثة حيث تحصي الوزارة 1953 معصرة من بينها 408 عصرية. ويعود عدم انتشارها لتغطية الطلب المتزايد للمهنيين عليها بالشكل المطلوب حسب خليفة نويوة أمين عام بالغرفة الفلاحية لولاية برج بوعريرج إلى أن إنشائها يكلف كثيرا حيث يفوق مليار و500 دينار جزائري أي ما يعادل 175 ألف أورو. ويصطدم إنشاء المعاصر بصعوبة الحصول على قروض سيما في إطار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب «لونساج» حيث لا يمكن أن يتجاوز القرض الممنوح مليار دينار جزائري فقط، بالإضافة إلى أن تسجيل هذا النقص يسجل على مستوى المستثمرين الجدد في فرع الزيتون الذين استفادوا من دعم في سنة 2000، حيث لم يتفطنوا إلى ضرورة إنشاء معاصر ولو صغيرة لمنتوجهم، علما أن المعاصر الحديثة تضمن النوعية والكمية في ظرف قياسي ، حيث تقوم بعصر 10 قناطير في الساعة. و أعرب نويوة عن تفاؤله بتجاوز هذا المشكل في السنوات المقبلة لأن المستثمرين الفلاحين أدركوا أهمية إنشاء المعاصر لمرافقة منتوجهم بعد موسم الجني. من جهته تطرق مناصرية أحمد صاحب معصرة سيدي براهم بالمنصورة بولاية برج بوعريج أنشئها بفضل قرض تحصل عليه في إطار الدعم الفلاحي إلى مشكل الماء الذي يعد عائقا حقيقيا قد يؤخر ويتسبب في وقف المعصرة، حيث يلجأ إلى جلب 12 ألف لتر من المياه في صهريج. كما انتقد مناصرية عدم استفادتهم من قرار مسح الديون حيث تم إقصاء فئتهم من هذا الإجراء داعيا وزارة الفلاحة والتنمية الريفية إلى الأخذ بعين الاعتبار طلبهم هذا خاصة وأن هناك الكثير من المشاكل تعترضهم.