قانون استثمار ونقد جديدان ورفع الصادرات خارج المحروقات أكدت المؤسسات المالية الدولية متمثلة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، أن اقتصاد «الجزائر الجديدة» يتجه نحو أفق أفضل ووفق مؤشرات ايجابية، بعد تسجيل 4.1 بالمائة كنسبة نمو وهي الأعلى منذ سنوات والأكبر في المنطقة المغاربية. بالرغم من الأزمات والتحولات العالمية، والتي رفعت نسب التضخم إلى مستويات أكبر. ويتجلى أن الإصلاحات الكبرى التي باشرتها الجزائر لتصحيح وضعية اقتصادها، قد بدأت تؤتي أكلها خاصة مع قانون استثمار جديد، جعل البيئة الاقتصادية الوطنية أكثر انفتاحا وفعالية، إضافة لقانون نقدي ومصرفي مواكب للتحولات الاقتصادية الوطنية الجارية والبيئة الاقتصادية العالمية، وهو ما جعل صندوق النقد الدولي، يعتبر أن مؤشرات الاقتصاد الجزائري جد ايجابية، فيما أكد البنك الدولي أن الاقتصاد الوطني يمضي نحو التحول المنشود. يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة الدكتور عثمان عثمانية، أنه و فهم الوضع ينبغي استقراء التقارير السابقة لإدراك علاقة الجزائر مع المؤسسات المالية الدولية، حيث أشار بأن علاقة الجزائر بتوأم بريتون وودز، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، تعود إلى سنوات ما بعد الاستقلال، وقد تعاظم دورهما في توجيه الاقتصاد الوطني أواخر الثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مع تحول الجزائر نحو اقتصاد السوق الحرة، ولجوئها إلى المؤسستين الدوليتين للحصول على التمويل ومرافقة الإصلاحات في أربعة برامج، حولت ملامح الاقتصاد الوطني أواخر التسعينيات، ولم تتقلص سلطتهما عليه إلّا بعد ارتفاع أسعار النفط، وتمكن الجزائر من تسديد الديون منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. الجزائر تحررت من «ضغط» صندوق النقد حتى نفهم تطور نظرة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للاقتصاد الجزائري خلال المرحلة الماضية، لا بد أن نفهم أن سنة 2014 كانت تشكل محطة أساسية في تلك النظرة، ويشير الأستاذ عثامنية بان الاقتصاد الجزائري عرف وضعا صعبا بعد انهيار أسعار النفط منتصف 2014، وعلى الرغم من الأموال الهائلة التي جرى إنفاقها طيلة عقد ونصف، ابتداء من عام 2001، إلا أن الاقتصاد سرعان ما تهاوى واختل توازنه، فكان عجز الميزانية العامة وميزان المدفوعات كبيرا، وزاد الطين بلة تآكل احتياطات الصرف ونفاذ موارد صندوق ضبط الإيرادات نهاية عام 2017. هذا الوضع المتأزم دفع بتلك المؤسسات المالية الدولية لإصدار تقارير سلبية حول الاقتصاد الوطني وقدرته على الصمود والعودة إلى مسار النمو الإيجابي من جديد. وقد وصلت النظرة السلبية إلى أعلاها بعد إقرار سياسة التمويل غير التقليدي أواخر سنة 2017. وحسب عثامنية، فقد كان تقرير الصندوق منتصف سنة 2018 الأشد انتقادا لسياسة إدارة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، حيث وصف الإنتاج بالضعيف، وأنه يتميز بمرونة منخفضة، وانتقد اعتماد الحكومة على ميزان المدفوعات، ورأى أن احتياطي الصرف سينخفض بشكل حاد إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض، وكل ذلك كان سيفضي إلى نمو ضعيف ما يفاقم عدم الاستقرار المالي في الأمد المتوسط. وقد جاءت تقارير عام 2021 أيضا في ذات السياق، فقد توقع الصندوق تآكل الاحتياطات إلى أدنى من 30 مليار دولار، وهذا ما لم يحدث أبدا، كما قدم خلال ذات السنة انتقادات غير مبررة للسياسة الاقتصادية في الجزائر، وقد وصف رئيس الجمهورية دفع الصندوق لبلادنا للتوجه إلى الاستدانة الخارجية ب «الانتحار». البنك الدولي .. الاقتصاد الجزائري في تحسن قالت الدكتورة وداد بن قيراط، وهي أستاذة متخصصة في مجالات إدارة الأعمال والتسويق واستخدامات تكنولوجيا الدفع والمالية الحديثة في قطاع الخدمات، ان البنك العالمي عاد أواخر العام الفارط ليقدم نظرة مخالفة، حيث كانت هذه المرة تحمل نظرة إيجابية. وقد عزا البنك ذلك إلى استمرار الانتعاش في قطاع الخدمات، إلى جانب استعادة النشاط الفلاحي بقوة. وكذلك دعم النمو في القطاع خارج المحروقات وفي الإنفاق العام. وفي نفس الإتجاه جاءت تقارير صندوق النقد الدولي الأخيرة حول الجزائر، وبالتأكيد هذه النظرة الإيجابية كانت نتيجة للعديد من المؤشرات التي بدأت في الظهور مؤخرا. تقارير ايجابية.. إصلاحات وتحسن المؤشرات وتؤكد بن قيراط أن البداية كانت بارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات لتصل إلى 7 ملايير دولار خلال سنة 2022 لأول مرة منذ الاستقلال، مع توقعات بأن تصل إلى 15 مليار دولار خلال السنتين القادمتين. وحسب أرقام الوكالة الوطنية للاستثمار، عرفت الأشهر الستة الماضية تسجيل حوالي 1700 مشروع استثماري بقيمة مالية تصل لحوالي 6.5 مليار دولار. ويعود انتعاش الاستثمار إلى رفع العقبات البيروقراطية التي كانت تعيقه سابقا، مع صدور قانون الاستثمار الجديد ونصوصه التطبيقية، وأيضا الإصلاحات المؤسساتية الأخرى، ومتابعة تحرير المشاريع المعطلة من قبل أعلى السلطات في البلد. أفضل نسبة نمو في المنطقة بالمقابل، قالت ذات المتحدثة، إن النمو الاقتصادي الذي حققته الجزائر في سنة 2022 عند 4.1%، والذي خالف توقعات صندوق النقد الدولي السابقة، التي كانت عند 2.4%، يسهم في تعزيز النظرة الإيجابية للاقتصاد الوطني خلال الأمد القصير، في ظل التحولات الاقتصادية والجيو سياسية الكبيرة التي يشهدها العالم خلال هذه الفترة. علما أن نسبة النمو هذه هي من أعلى نسب النمو المحققة إقليميا وعالميا خلال سنة تميزت بتضخم عالي، والأزمة الروسية الأوكرانية وما كان لها من تبعات على أسواق الطاقة والغذاء. كما أن توسع علاقات الجزائر التجارية والاقتصادية مع عدة دول إفريقية، والانفتاح على شراكات اقتصادية ومالية، بدأت تتضح مع إكمال الطريق العابر للصحراء وافتتاح أول بنك جزائري في الخارج بالسنغال، مع توقع إطلاق بنكين آخرين في موريتانيا وفرنسا قريبا، جعل الجزائر تعزز من فرص التجارة والاستثمار في إفريقيا، بما يخدم مصالح الجميع. كل هذه المؤشرات - حسب بن قيراط - تشير إلى الاتجاه الإيجابي للاقتصاد الوطني منذ بداية الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية سنة 2020، وهي بداية لنتائج إيجابية مرتقبة، ستغير نظرة المؤسسات المالية الدولية والمتابعين للشأن الاقتصادي حول مقدرات الاقتصاد الوطني وقدرته على تحقيق نمو مستدام خلال الفترة القادمة. تحسين مناخ الأعمال بقانون الاستثمار من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور سيف الدين قحايرية، إن الاقتصاد الوطني عرف مؤخرا مجموعة من الإصلاحات، كان أهمها قانون الاستثمار الجديد الصادر في سبتمبر 2022 والذي جاء بحوافز وتنظيمات كان لها صدى إيجابي بالنسبة لمناخ الأعمال، تمثلت أهمها في انشاء منصة المستثمر ورقمنة إيداع الملفات والتي لطالما كانت مطلبا ملحا يوفر على المستثمر الوقت والإجراءات، و نقل الأنشطة من الخارج وحق الانتفاع Franchising، إنشاء شباك مركزي مخصص للاستثمارات الأجنبية والتي سميت استثمارات غير مقيمة، مع الاستفادة من مزايا مرحلة الاستغلال للمشاريع التي تصل لهذه المرحلة وهو أمر إيجابي ومحفز للمستثمرين. وعالج هذا القانون مشكلة تقنين الاستثمار الأجنبي وضرورة العمل مع شريك جزائري بنسبة 51%، وأيضا منح حرية تحويل أرباح الشركات للخارج كما هو معمول به في غالبية الدول. يضاف الى ذلك، تنفيذ إصلاحات نقدية ومالية، تم الانطلاق فيها ومازالت سارية من خلال مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد الذي يسعى الى تكييف النظام القانوني والتنظيمي استجابة للتحولات الاقتصادية والمالية العديدة، وعديد التحديات التقنية والتكنولوجية التي يجب أن يواكبها النظام النقدي والمالي الجزائري، حيث نص المشروع الذي تمت مناقشته مؤخرا من قبل البرلمان بغرفتيه، على تعزيز حوكمة كل من بنك الجزائر ومجلس النقد والقرض، اللجنة المصرفية والبنوك والمؤسسات المالية، كما تضمن إعادة اعتماد نظام العهدة بالنسبة للمحافظ ونواب المحافظ، إضافة الى توسيع صلاحيات مجلس النقد والقرض لاعتماد البنوك الاستثمارية والبنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع والوسطاء المستقلين والترخيص بفتح مكاتب الصرف، وهي ضرورة ملحة لإصلاح المنظومة المصرفية والمالية، مع استحداث لجنة الاستقرار المالي وتكليفها بالمراقبة الاحترازية الكلية وإدارة الأزمات وهي خطوة هامة أيضا، مع ضرورة الإشارة هنا الى أن حتمية إعادة هيكلة البورصة ضرورة تفرض نفسها إذا ما أردنا تفعيل دور السوق المالي ومواصلة الإصلاحات. ويشير خبراء أيضا الى عديد الإجراءات التنظيمية في قانون المالية للسنتين الماضيتين، والتي مكنت من تحقيق الجزائر لأرقام معتبرة في جانب التجارة والمالية الدولية، حيث حققت الصادرات خارج المحروقات رقما قياسيا حيث بلغت نهاية 2022 7 مليارات دولار، وإضافة الى ما سبق كلها عوامل جعلت من لجان الخبراء للهيئات الدولية ترفع تقارير إيجابية عن مسار إصلاح الاقتصاد الوطني وآفاقه، مع ضرورة الإشارة والتركيز على أن هذا المسار لا زال يحتاج الى مزيد من الإصلاحات وتضافر الجهود لأجل العمل على المحاور التي أشرنا لها سابقا مع ضرورة وحتمية الالتزام بالتطبيق الواقعي لهذه القوانين والإجراءات التنظيمية.