في أيام اعتقالي الأولى والتي بدأت ولم تصل بعد إلى نهايتها منذ ما يقارب 21 عاما، جمعني القدر وحظّي الطيب في ساعات الشمس المعروفة لحظة خروج من الزنزانة لساحة السجن في (نفحة) مع القائد الوطني الكبير ميسرة أبوحمدية ابو طارق أحد (شهداء الحركة الوطنية الأسيره)، والذي كرّمني وشرّفني عندما خصّني بمئات الساعات من الأحاديث خضنا فيها معا النقاشات وتبادلنا الأفكار وكان المعلم وكنت الطالب ما كان حيا، وحين ارتقى شهيدا في الأسر أصبح الملهم والقدوة والرمز، ما دفعني لهذه المقدمة الصغيرة، هو ذلك الحديث الذي دار بيننا والذي تزامن مع ذكرى النكبة (54). في عام 2004 ونحن اليوم في ظلال هذه الذكرى 75، حيث تطور الحديث في ذلك اليوم وتحول إلى جدل مع الاسف أدى إلى إثارة سخط وغضب معلمي أبو طارق رحمه الله حين علّقت قائلا على النكبة: «لو قاتل وقاوم أجدادنا الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني لما كنا اليوم نتحدث عن نكبتنا»، فنظر إليّ وقد اكتسى وجهه بالحمرة حنقاً وغيرة على أجدادنا ونضالهم وتضحياتهم الكبيرة دفاعا عن وطنهم وأرضهم، وبصوت يخالطه الغضب والاستنكار قال لي: «إن ما قلته الآن إنما يمثل أكبر كذبة عاشها، وما زال يعيشها الكثير من شعبنا منذ النكبة الي يومنا هذا، وكأنّ الحقيقة قتلت ودفنت تحت أنقاض القرى والمدن المدمرة والمهجرة، فما تقوله هو ما روّجت له الحركة الصهيونية وحلفاؤها من الأنظمة العربية المتخاذله وبعض المثقفين التابعين، الذين حاولوا أن يتستروا وراء هذه الافترائات ليتملصوا من مسؤولياتهم القومية والوطنية والدنية تجاه شعبهم، وكانوا من قالوا إنّ الشّعب الفلسطيني فرّ وباع أرضه ووطنه، وتركها دون قتال أو مقاومة ثم أضاف وهو ينظر في عيناي نظرة تحمل الكثير من حزن الحكيم وهم القائد الواعي لخطورة ما سمع، وقال: يا بني إن جهل العالم تاريخ قضيتنا وزور الحقائق، فلا يجب في أي حال من الأحوال أن يجهل أبناء شعبنا تاريخ قضيتهم ونضال أجدادهم، وخصوصا المقاتلين أمثالك، ومتلهّفا لإنصاف أجدادنا بدأ أبو طارق يسرد على حكايا تضحيات شعبنا، ووقائع مقاومته الاستعمار الصهيوني ومفاخر ثوراته وانتفاضاته المتعدده للدفاع عن وطنه. ولكن بسبب الغرور الذي تمكني منذ البداية، وذلك أولاً لأنني كنت أطرح نفس بعد أن قرأت بعض كتب من هنا وهناك مثقفاً واعياً من الطراز الأول، وثانياً لأنّي قد حكمت قبل أشهر بعدد من المؤلفات لتنفيذي عدد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال. لم أعره انتباهي المطلوب، واعتبرت أنّ ذلك كان كافياً ليعطيني الحق لأنتقد وأحاسب أجدادي، واعتبرت أنّ كلماته التي أطلقتها كطلقات من نوع رشاش، وشروحاته وتفصيلاته المستنبطة عن أسماء وثورات وقادة وشهداء فلسطين كان مبالغا فيها قليلاً. تملّكني الفضول فيما بعد ورحت أجمع وأقرأ ما استطعت الوصول إليه من كتب التاريخ والمذكرات والوثائق والأبحاث التي تتعلق بالقضية الفلسطينية وتاريخها، ومن كافة المصادر عربية وصهيونية وأجنبية، ولأكتشف بعد دراسة طويلة مرّ عليها سنوات، بأنّي لم أكن سوى صبي جاهل ومناضل غير واع بتاريخ قضية فلسطين وثورات شعبه، وكان أكثر ما يخجلني تلك الصورة المغلوطة التي كانت مرسومة في مخيلتي وترسخت في عقلي عن أجدادنا في حيفا ويافا واللد والرملة وصفد ونابلس وغيرها، بأنّهم لم يقاتلوا عن حمى الوطن ولم يقدموا التضحيات مثل باقي الشعوب المستعمرة، إن حجم التّضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني وأجدادنا قبل عام النكبة (1948) بلغت من الضخامة والعظمة حداً لا يكاد يظهر نضالنا ومقاومتنا في كثير من المراحل أمامه إلا قزماً. لقد شمل نضال شعبنا الفلسطيني كافة فئات وطبقات وطوائف شعبنا الاجتماعية والدينية، وعمّ على كل الجغرافية الفلسطينية في المدينة والقرية، وغطّى كافة المجالات عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية، وإليكم بعضا ما اعتبره الكثيرون أبرز محطات نضال شعبنا في تلك الفترة، والتي كانت حافلة بالأحداث والنضال: هبة أو ثورة يافا، والتي وقعت أحداثها في أيار عام (1921) في مدينة يافا بعد أن قام أهالي مدينة يافا بالخروج بمظاهرات شارك فيها ما يقارب الثلاثة آلاف احتجاجاً على الهجرة اليهودية، والتي سرعان ما تحول بسبب مهاجمة الجيش البريطاني وعصابات اليهود لها بالرصاص والهراوات إلى مظاهرات عنيفةً هاجمت خلالها الجماهير الغاضبة مكاتب الهجرة اليهودية داخل المدينة، واستمرت هذه الهبة لمدة (15) يوماً أسفرت عن استشهاد (50) من أهالي يافا وفلسطين، وجرح أكثر من (170)، وقتل بالمقابل (50) من المستوطنين اليهود الصهاينة وأصيب (150) آخرون، ويؤكّد حجم التضحيات الكبيرة في الأرواح في هذه الفترة القصيرة غضب شعبنا المتراكم والشديد على الاستعمار البريطاني، وإدراكه للمؤامرة التي كانت تستهدف فلسطين لتمكين الصهيونية من جلب اليهود لإحلالهم مكان أهل البلاد الأصليين، وقد دأب الاستعمار البريطاني على استخدام العنف والعقل أسلوباً له لفرض الواقع المخطط له. ولقد لخّص رئيس لجنة التحقيق في تلك الثورة السير توماس هابكرت، الذي تم تعينه من قبل السلطات البريطانية بقوله: إن العداء لليهود كان متأصّل،اً ويمثل كل العرب وكذلك بسبب اعتقادهم أنّنا نساند ونساعد اليهود ضدهم، وأضاف أن العرب يعتقدون أن غاية البرنامج الصهيوني هو إغراق فلسطين باليهود بهدف الاستيلاء عليها. وهذا الكلام وقد تمّ إيراده في التقرير الصادر عن السلطات الاستعمارية البريطانية، يدل - وبما لا يدع مكاناً للاجتهاد والتحليل - أن شعبنا الفلسطيني كان مدركاً وبشكل كبير للخطر الصهيوني، ودور الاستعمار البريطاني في دعم هذا المشروع، ولعل ما ختم به السيرتوماس تقريره، يزوّدنا بصورة تكون شاملة عن مدى وعي الشعب الفلسطيني، ومستوى إدراكه العالي لما يجري حوله من مؤتمرات، وبما كان يتحلى به من ثقافة سياسية حيث قال: ففي مركز إسلامي صغير من هذا النوع نجد لدى الناس ذهنية تفوق ما يقابلها في قرية إنجليزية، ونجد أنّ بحث الأمور السياسية هو محور اهتمامهم الفكري الأكبر إن لم يكن الوحيد. وفي نفس العام وقعت إضرابات ومظاهرات في القدس وفي أنحاء البلاد، وذلك احتجاجاً على وعد بلفور، الذي مرّ على إعلانه أقل من أربعة سنوات، حيث سرعان ما تحوّلت كما هي العادة إلى أحداث دامية قتل فيها من (5) الصهاينة، وجرح (32) آخرين واستشهد شاب من القدس. جاءت ثورة البراق عام (1929) بعد سلسلة من المظاهرات التي سبقتها، وكانت هذه الثورة ورغم عفويتها من أبرز المعارك التي خاضها شعبنا ضد الظلم والاستعمار والصهيونية، وقد استمرت (15) يوماً وأدّت إلى مقتل (133) صهيونيا وجرح (1329) آخرين، واستشهاد(116) فلسطينياً وجرح (232) آخرين، واعتقال ما يقارب (900) فلسطيني حكم على (25) منهم بالاعدام شنقاً، ولكن بعد الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية والمساعي الي بذلتها الهيئات الوطنية تمّ تحويل حكم الاعدام إلى المؤبد، ولكن أبقي الحكم على ثلاثة أبطال خلّدهم التاريخ: عطا الزير، ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي. كان ممّا يزيدنا فخراً بأنّ شعبنا الفلسطيني وبكل أطيافه قاتل جنباً إلى جنب، وقد ارتقى أربعة شهداء من إخواننا المسيحيين الذين هبوا لدفاع عن أقصاهم وبراقهم، ولا ننسى الدور المميز الذي قامت به المرأة الفلسطينية وتفوقت به على الرجل، وقد استشهد منهن تسعة في هذه الهبة، والذي يشرفنا في هذا المقال لذكرهن بكل فخراً واعتزاز وهن (مريم علي أبو محمود، حليمة يوسف غندور، فاطمة الحاج محمد، عائشة أبو الحسن، عزبة محمد علي سلامة، جميلة محمد الأزعر، تشاريك حسين) وامرأتان - مع شديد الأسف - لم نتمكن من الحصول على اسميهما. توّج الشعب الفلسطيني ثوراته المتتالية بالثورة الفلسطينية الكبرى (عام 1936 والتي استمرت حتى عام 1939)، والتي كانت من أعنف وأوسع الثورات الفلسطينية قبل النكبة ضد المشروع الصهيوني وعرابه الاستعمار البريطاني، والتي بدأت بالإضراب العام الذي شمل كافة مناحي الحياة، وعلى نطاق كامل الجغرافيا الفلسطينية. في تلك الثورة سيطر الثوار على معظم الريف الفلسطيني وأصبحت مناطق نفوذهم، وفي هذه الثورة استشهد (5032 شهيداً، وجرح 14760، واعتقل أكثر من خمسين ألفاً، ونفذ على 300 منهم بالإعدام كان على رأسهم الشيخ فرحان السعدي الذي أعدم وهو صائم، وهدم أكثر من 5000 منزل). وحسب المصادر البريطانية، قام الثوار بشن أكثر من عشرة آلاف هجمة ضد البريطانيين والعصابات الصهيونية والمستوطنات، وقد أدّت هذه العمليات إلى قتل (211) جندي بريطاني وإصابة (350) وقتل (350) من العصابات الصهيونية، واستطاع الثوار تحرير مدن الخليل وبئر السبع وطبريا، وتدمير كل المقرات والسرايا للجيش البريطاني ومقرات العصابات الصهيونية، وكذلك تم اعتقال عدد من الضباط والحكام العسكرين البريطانيين، وأضرت دولة الاستعمار البريطانية الاستعمارية الاستعانة بأساطيلها البحرية وبسلاح الطيران، ونقل أهم قادتها العسكريين من كافة مستعمراتها في فلسطين، واستدعت الاحتياط من أجل القضاء على هذه الثورة. على المستوى السياسي أدرك الفلسطينون الخطر الصهيوني على بلادهم منذ أن تأسست على يد هرتزل (الحركة الصهيونية عام1897)، وقد ذكرت المصادر الصهيونية أن يوسف ضياء الخالدي قد أرسل رسالة إلى هرتزل عام (1899) يحذّره فيها من الاقتراب من فلسطين، ويدعوه لأن يبحث له عن وطن آخر، وقبله بعامين ترأس محمد طاهر الحسيني مفتي القدس لجنة من أجل محاربة الاستيطاني الزراعي في فلسطين. كان التحرك الأكبر بعد سقوط الدولة العثمانية عام (1918) وبداية الاستعمار البريطاني، حيث تحرك القادة والسياسيون الفلسطينيون وشكلوا الجمعيات الاسلامية المسيحية، وذلك اثر زيارة وفد صهيوني عام (1918) بقيادة (غور) من أجل مناقشة وعد بلفور، وقد شكلت هذه الجمعيات كافة المدن الفلسطينية، وبعدها عقد اجتماع تأسيسي لها في يافا في شباط عام (1919)، والتي خرجت بقرارات كانت أهمها رفض وعد بلفور، ومواجهة المشروع الصهيوني، والمطالبة باستقلال فلسطين، والدعوة للوحدة العربية ومتابعة عقد الاجتماعات والمؤتمرات الفلسطينية. عقد مؤتمر حيفا في (1920) ومؤتمر القدس (1922) ومؤتمر نابلس (1922) ومؤتمر يافا عام (1923) وغيرها، وشكلت الأحزاب السياسية المختلفة. على المستوى الشعبي، لم يكن يمر أسبوع واحد إلا ويتم فيه وقفة احتجاجاً أو مظاهرة أو مسيرة شعبية رفضاً للاستعمار والمشروع الصهيوني. ويبقى إضراب عام (1936) العلامة الفارقة في نضال الشعب الفلسطيني، والذي تم الإعلان عنه من مدينة نابلس، وشمل كل المدن والقرى الفلسطينية من شمالها حتى جنوبها ومن بحرها حتى نهرها، واستمر لمدة ستة أشهر على التوالي وهو أطول إضراب في تاريخ الشعوب المحتلة، ورغم الخسائر الفادحة التي سببها هذا الاضراب لشعبنا الفلسطيني الذي كان في الأصل فقيراً، إلا أنهم صمدوا وصبروا وتحدوا الاستعمار. على المستوى الثقافي، عمل الكتاب والمثقفون والشعراء والأدباء والصحفيون على نشر الوعي بخطورة المشروع الصهيوني وخطط الاستعمار ضد فلسطين وأهلها وبشكل يومي، وكانت الصحف الفلسطينية والتي وصل عددها لأكثر من أربعين صحيفة في ذلك الوقت نشيطة جداً، وكانت المصدر الوحيد لحشد الرأي العام وتوعية الجماهير، وتحذرهم من الخطر القادم من الصهيونية والاستعمار، وتغنى الشعراء بالوطن والمقاومة والثورة على الاستعمار وبالشهداء والأبطال والثوار، وكان نوح ابراهيم وابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وغيرهم الكثير ممن مجدوا العمل الوطني. ومن الكتاب والصحفيين نذكر المناضل نجيب خوري نصار، الذي ألّف كتاب الصهيونية تاريخها ومخاطرها، والذي تم نشره سنة (1905) وكذلك فعل محمد روحي الخالدي الذي ألف كتاباً عن الصهيونية تحت عنوان «السيونيزم» في ذات الفترة ليشكّلا بكتابهيما بداية وعي حقيقي بخطورة ما هو قادم على فلسطين، فيما توالت بعد ذلك الكتب والمقالات في ذات الاطار على المستوى الاجتماعي، فقد تميز بالوحدة ما بين أطياف الشعب الفلسطيني التي عبرت عنها الجمعيات الاسلامية المسيحية والجنة العربية العليا، فقد قاوم وناضل المسيحي قبل المسلم والدرزي قبل المسلم، وخاصوا معاً من أجل فلسطين المعارك جنباً إلى جنب، واستشهدوا معاً وحمل بعضهم جثامين بعض، ودفن المسيحي في مقابر السني، والمسلم في مقابر المسيحي ولبس أهالي المدن الحطة والعقال وخلعوا الطربيش لكي يتحدوا مع أهالي الريف في الفكر والوعي بالنضال وبالجوهر والشكل. وكان للمرأة الفلسطينية دورها المميز، فعقدت الاجتماعات والمؤتمرات النسائية وشاركت المرأة ببسالة، وناضلت بجانب الرجل لمقاومة الاستعمار والمشروع الصهيوني، وتوجت هذه التحركات النسائية بعقد المؤتمر النسائي الاول سنة (1929) في مدينة القدس، والذي حضرته أكثر من (300) امرأة من كافة أنحاء فلسطين، قمن بانتخاب عدد منهن من أجل أن يسلمن رسالة احتجاج المندوب السامي (تشانسلدر) والتي جاء في أحد سطورها «إن نساء العرب يردن أن يقمن في خدمة الوطن، وهن عازمات أن يقدمن كل التضحيات ليؤمن العدالة في بلادهم»، فصدقن وعدهن عندما استشهدت منهن تسعة في ثورة البراق عام (1929)، وإذا وضعنا تلك التضحيات وقارناها بمراحل لاحقة من نضال شعبنا ما بعد النكبة (1948)، وذلك من حيث عدد الشهداء والجرحى والأسرى، ومن تعرض للاعدام ونسبتهم لعدد السكان ما بين العامين (1919 - 1939)، لرأينا أن العدد الاجمالي لهولاء يتجاوز المائة ألف، منهم أكثر من (9000) شهيدا وأكثر من (3000) ألف جريح وأكثر من (80) ألف أسير، وهدم في تلك الفترة أكثر من (12) ألف منزل. وإذا عرفنا أن عدد الشعب الفلسطيني في عام (1939) لم يتجاوز (900 ألف فلسطيني) لوجدنا أن نسبة من استشهد وجرح وأسر يشكل ما نسبته 13 ٪ من مجموع الشعب الفلسطيني آنذاك، وطبعاً هنا لم نحسب الذين شاركوا ولم يصبهم مكروه، وهي نسبة لم يقترب لها نضال شعبنا الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم في كل محطات كفاحه الوطني، رغم عظيم أهميتها إلا في ثلاث محطات رئيسية قدم فيها شعبنا تضحيات كبيرة في حرب لبنان (1982) والصمود الاسطوري لقوات الثورة الفلسطينية في بيروت. والانتفاضة الأولى عام (1987) والانتفاضة الثانية عام (2000) والتضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في هذه المحطات من شهداء وجرحى وأسرى. وهنا علينا أن نقول وبكل فخر أن شعبنا الفلسطيني، ورغم حجم المؤامرة الضخمة والقوة العسكرية الهائلة والدعم السياسي والمالي غير المحدود الذي تم تسخيره لدعم المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين من قبل دولة الاستعمار البريطاني والغربي، وإن شعبنا لم يسجل على نفسه بأن رضخ أو استسلم أمام الاستعمار البريطاني والصهيوني ووحشيتهما، وهو الأمر الذي كان يبدو الأكثر واقعية ومنطقية بعد استسلام أمم كبرى وهزيمتها. شعبنا أيضاً لم يبع أرضه أو تنازل عن جزء منها أو عن مقدساته الإسلامية والمسيحية ولسان حاله يقول «إنما نريد ملكا أو نموت فنعذر»، ولم تكن نكبتنا إلا نتيجة القهر. إن الشعب الفلسطيني ورغم ما حدث معه من كارثة، لملم جراحه واستعاد زمام المبادرة وذهب بكل عزم وإيمان يقاتل من جديد، ويدفع الغالي والنفيس في سبيل استرجاع حقه المسلوب والعودة، لأرضه ووطنه رافع الرأس، وتزين يده عالياً شارة النصر، إلى أن تصبح حريته واستقلاله المنشود واقعاً. وإلى ذلك اليوم أيها السادة: حدّثوا أولادكم عن أجدادهم وأجدادكم، وعن ما تعرضوا له ولا تنسوا أن تحدثوهم عن مقاومتهم وشجاعتهم وبسالتهم في كل محطات كفاح شعبنا ومعاركه مع الاحتلال، لأن التاريخ الذي تركه أجدادنا تاريخ مشرّف كتب بالدم الزكي الطاهر للشهداء، وهو الدم الذي لا زال يسيل ليعيد لنا طريق الكفاح والثورة والمقاومة، فالتاريخ ووقائعه يقول إنّ كل احتلال مهما طال لا بد أنه زائل.