رسمت وثيقة الصومام الآفاق على المديين القصير والمتوسط، وحدّدت وسائل العمل، وأعادت هيكلة الثورة بتقسيم الجزائر إلى ست ولايات ونظمت الجيش، ونصت على أن الثورة الجزائرية ليست حربا أهلية ولا حربا دينية، ولقد حملت الوثيقة ملامح جزائر ما بعد الاستقلال، ورسّخت إحياء دولة جزائرية في شكل جمهورية ديمقراطية واجتماعية، وليس إعادة إحياء نظام ملكي أو دولة دينية تجاوزهما الزمن. في هذا الصدد، قال بن يوسف بن خدة: "مؤتمر الصومام أسس لشرعية ثورية استمرت إلى غاية الاستقلال، بل وشكلت أركان مؤسسات الدولة الجزائرية"، وقد تمّت صياغة الوثيقة في تسعة أشهر من العمل، وخمس مراحل قبل نشرها بصحيفة المجاهد الصادرة بتاريخ الفاتح نوفمبر 1956، وفي 6 جانفي 1956، أعلم عبان رمضان وفد القاهرة بمباشرة العمل على المشروع، وفي 20 جانفي أعلم وفد القاهرة بإنشاء لجنة لإعداد المشروع، وفي 14 ماي 1956 يعلمهم بأن مشروع الوثيقة الأساسية أصبح جاهزا ومن 20 إلى 27 أوت 1956، يصادق مؤتمر الصومام على التوجهات الكبرى للثورة. في سبتمبر 1956، تشرف لجنة التنسيق والتنفيذ المكونة من العربي بن مهيدي، عبان رمضان، كريم بلقاسم، بن يوسف بن خدة وسعد دحلب، على الصياغة النهائية للنص، هذا الأخير سينشر في أول نوفمبر 1956 بيومية المجاهد. كان تصور المؤتمرين بالصومام لجبهة التحرير الوطني، بوصفها عين جيش التحرير الوطني وأذنه وأنها التجمع الذي تلتقي فيه كافة الطاقات، وأن جبهة التحرير تؤكد أن تحرير الجزائر هو من صنع جميع الجزائريين، حسب ما ورد في منشور عبان رمضان، الوثيقة رقم 4 في جوان 1955. وفي 13مارس 1956، صرّح أن الجبهة ليست حزبا، وإنما تجمع يلتقي فيه الشعب كله، حيث ذكرت جبهة التحرير الوطني 124 مرة في النصوص الصادرة عن عبان رمضان، ما يدل على أهميتها لدى صناع مؤتمر الصومام، تضمن محضر اجتماع المؤتمرين الستة الحاضرين في الصومام باستثناء الأوراس، إحصائيات حول عدد الجنود والمسبلين المدنيين الدائمين والمؤيدين والمناضلين المدنيين. مؤتمر الصومام اعتبر جبهة التحرير الوطني منظمة سياسية وطنية تعكس تنوّع المجتمع الجزائري مفتوحة لجميع الحساسيات دون استثناء بشرط الالتزام بشكل فردي بالعمل على تدمير النظام الاستعماري بواسطة الثورة ومن أجل تحقيق هدف الاستقلال، ويؤكد الهاشمي جيار، في قراءة حول مؤتمر الصومام في كتابة بعنوان "مؤتمر الصومام الفعل المؤسس بحلوه ومره"، أن هذا المؤتمر حقّق حلم الأمير عبد القادر في إقامة نظام وطني من خلال توحيد صفوف المقاومة وتكريس مركزية القرار السياسي والتنظيم الإداري والعسكري للإقليم. ويضيف: "نجح المؤتمرون بالاعتماد على جيش التحرير الوطني في تنظيم الحركة الثورية وترسيخها في إعلان ثورة أول نوفمبر وكانت هذه القيادة الأولى ذات الطابع الوطني بحق، تشكلت من جهازين، الأول جهاز تشريعي يضم 34 عضوا من بينهم 27 عضوا دائما و17 عضوا إضافيا ويسمى المجلس الوطني للثورة الجزائرية، والثاني جهاز تنفيذي يضم خمسة أعضاء يسمى لجنة التنسيق والتنفيذ". كانت نسبة 53 بالمائة من الأعضاء الدائمين منبثقة من المنظمة الخاصة و23 بالمائة من المركزيين ولجنة التنسيق والتنفيذ شكّل فيهما أعضاء المنظمة الخاصة نسبة 60 بالمائة والمركزيون 40 بالمائة. عميروش مسؤولا عن سلامة المؤتمرين يروي المجاهد المرحوم جودي أتومي، في كتابه "وقائع سنين الحرب في الولاية الثالثة منطقة القبائل 1956-1962، قصص حرب"، ظروف انعقاد مؤتمر الصومام، حيث اقترح في البداية عقده في الشمال القسنطيني، لكن الظروف لم تسمح، وكان أول موقع فكروا فيه هو قلعة بني عباس لموقعه الاستيراتيجي وأيضا لرمزيته تكريما لشخصيتي الشيخ المقراني وبومزراق باعتبارهما ابني المنطقة ورغبة من قادة الثورة في نقل الكفاح المسلح من جيل 1871 إلى جيل نوفمبر 1954، حسب شهادة أتومي. ويضيف: "كلفت بنقل حمولة من وثائق المؤتمر نحو المكان المعين، غير أنني وقعت في كمين واستولى العدو على حمولة الوثائق، وهكذا بات من المستحيل عقد الاجتماع مثلما كان مقررا، عندئذ غيّر مسؤولو منطقة وادي الصومام مسارهم الذي كان مقررا نحو القلعة المذكورة، وتوجهوا نحو إفري أوزلاقن، وقرروا عقد الاجتماع السري على الفور". ويشير المجاهد أتومي إلى أن اختيار منطقة أوزلاقن، مرده الحفاظ على حياة المؤتمرين، كان يقتضي نشر 3000 مقاتل على شكل حاميات عسكرية في مختلف القرى أو المناطق المحيطة بها لمدة 11 يوما، للكشف عن أي توغل لقوات العدو. ويؤكد: "كان عميروش مسؤولا عن نشر قوات جيش التحرير الوطني لضمان أمن المؤتمر، ويساعده كل من قاسي حماي، سي حميمي أوفاضل، عيسى بونداوي وأوديك أعراب، وكانت الاتصالات تتمّ ليلا، ولكن سي عميروش، كان من حين لآخر، وبين حصتين للمؤتمر، ينتقل في السر وعلى حين غرة بين الوحدات لمراقبة مواقعها والتأكد من يقظتها وليطمئن على أحوالها".ويضيف المجاهد في شهادته: "كيف نطعم 3000 رجل دون لفت انتباه العدو؟.. للتغلب على هذه المشكلة، نظمت قوافل لجلب المواد الضرورية على أظهر البغال من الدواوير القريبة، وكان الجميع يستفيدون من وجبة تتمثل في الكسكسي والخبز المنزلي، وبعض المرق والخضروات المحلية وبعض الفواكه، كان كل شيء على ما يرام بفضل رصانة المجاهدين وبراعة نساء المنطقة فعادة ما يكون الطعام جاهزا في أقل من ساعة".