في الوقت الذي ينصبّ فيه تفكير غالبية الناس على التخييم والذهاب إلى الشواطئ أو التنزه وقضاء العطلة في الجبال، تجذب الانتباه نسوة اخترن العمل في المخابز تحديدا في إنتاج الكسرة بأنواعها لصالح المخابز المنتشرة، خصوصا في شوارع المدينة الجديدة على منجلي بمدينة قسنطينة. تحرص النسوة العاملات لصالح المخابز في إنتاج أنواع الخبيز المحلي على غرار المطلوع أو الخميرة كما تسمى في عاصمة الشرق أو الرخساس أو خبز السميد الرقيق أو خبز الشعير كما يصطلح عليه وطنيا بالحرشاية أو الرغدة، غير آبهات بدرجة الحرارة الخانقة التي يتسبب فيها أفران الخبيز المصطفة في رف المخابز. تقول خيرة، وهي عاملة في فرن الخبيز منتجة للكسرة والخميرة منذ عدة سنوات، إنها اعتادت على الحرارة المرتفعة جدا مقارنة مع تلك المسجلة في الظل خارج الفرن، وأصبح غير مهم بالنسبة لها الشكوى من هذا الوضع بل وحتى التفكير فيه. أما بالنسبة لنوارة وهي قاطنة بإحدى ضواحي قسنطينة، شرعت في العمل في المخبزة كصانعة لأنواع الكسرة منذ عدة سنوات، فقد أكدت في هذا الصدد، أن فترة الحرارة تمتد غالبا بين شهري جويلية وأوت، وبالتالي فإن تحمّلها للحرارة في مكان عملها يعد ضروريا حتى تنقضي هذه الفترة وسرعان ما تنخفض الحرارة في أشهر السنة الأخرى. وبالرغم من تصبب العرق الواضح على وجهها وجبينها، إلا أن فاطمة تحاول إخفاء تأثير الحرارة عليها بالقول لقد تعودنا على هذا العمل في جميع فصول السنة وليس للصيف فرق سوى أن حرارته مرتفعة نوعا ما وعلينا كما قالت بمقاومتها حتى تنقضي أشهر هذا الفصل. أما بالنسبة لعائشة، فالمهم هو الحصول نهاية الشهر على أجرة مقبولة تمكنها من مواجهة المصاريف العائلية وتضمن لها كرامة العيش، دون ذلك فإن الأمر بالنسبة لها لا يعدو سوى أن يكون فترة من الحرارة ستنقضي لا محالة ولن يتذكر الناس ما قضوه في الشاطئ أو في فرن الخبيز. ومن جهتها، ترفض أميره الخوض في هذا الموضوع ربما لعدم أهميته بالنسبة لها، غير أنها اكتفت بالتأكيد على أن عملها ليس بالمتعب كون العجن يتمّ بواسطة عجانة آلية وتقتصر مهمتها على قرض الخبز أو جعله في شكل دائري والسهر على أن ينضج الخبز دون أن يحترق، وهو ما يطرح سؤالا آخر لم تتمّ الإجابة عليه سوى بالابتسامة وهو في حال احتراق المطلوع أو الكسرة فمن يدفع الثمن. ولا يفشي أحمد سرا، وهو صاحب مخبزة بإحدى الشوارع الكبرى للمدينة الجديدة على منجلي بالقول، إن الحصول على اليد العاملة المؤهلة في صناعة الخبز التقليدي يصبح يوما بعد يوم صعبا، نظرا لعديد الأسباب أهمها صعوبة عجن الخبز التقليدي و«قرصه أي جعله في شكل دائري" خاصة ذلك المنتج من دقيق الشعير والرقاق من ناحية وصعوبة هذه المهنة خاصة خلال فصل الصيف الذي يشهد ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة من ناحية أخرى. «الحرشاية" الأكثر طلبا ما يلاحظه المتتبع لحركية إنتاج الخبز بصفة عامة والتقليدي منه بضفة خاصة، ذلك الانتشار الواسع للعاملات في المخابز كمنتجات لأنواع الكسرة على مستوى محلات الخبازة، وهو ما لا يتطلب سوى يد عاملة مؤهلة رغم صعوبة الحصول عليها وعديد الأفران المصطفة على رفوف المخابز. وتباع القطعة الواحدة من خبز السميد المخمر أو ما يسمى بالمطلوع أو الخميرة ب 80 دج فيما يباع خبز الرقاق أو الرخساس أو الرخسيس ب 80 دج أيضا، غير أن الحرشاية التي ينصح باستهلاكها المصابون بداء السكري أو أمراض الكبد فيصل سعر الواحدة منها 100 دج. وحول استخدام السميد المدعّم في إنتاج الخبيز التقليدي يؤكد غالبية من حاورتهم (وأج) في هذا الصدد، أنهم يقتنونه على حسابهم الخاص بأسعاره المعمول بها بالنسبة لكافة المستهلكين، غير أن المشكلة تكمن في دقيق الشعير الذي يباع بأسعار مرتفعة يضاف إلى ذلك صعوبة غربلته والحصول على دقيقه الأحرش الذي تصنع منه الحرشاية الأكثر طلبا من قبل الزبائن.