كأننا في البدء، مشهد الصحراء ممتدٌ، قبائلنا تصارع قافها، وتستعدُّ لغزوة الأحزاب، العدوُّ يستنسخ التاريخ، هل كما قال كبيرهم: "العرب لا يقرأون"، فتسللوا في عام سبعة وستين بنفس طريقة ستة وخمسين، ويمارسون دوماً كما من قديم الزمان تأليبنا علينا واستثمار مقدراتنا لمراكمة قوتهم، ويتسللون في شقوق تاريخنا ومفاصل آثارنا وبين دفتي كتبنا وهمزات الوصل في لساننا، كأنهم يصوغون خطاباتنا ويمسحون أفعال المقاربة والشروع في عزومنا، لنستبدل بها أفعال الرجاء، كادت كلُّ لحظة تكون بدءاً وكلّ مشهدٍ صحراء، وأوشكت قبائلنا على النسيان، الهواء يحاصرُ أنفاسنا والنجوم بعيدة، هأنذا يا أبي وهذا أخي، مازالوا، كأننا في البدء، يشيدون المستوطنات ويصنعون اللاجئين، ويقدمون أوراق اعتمادهم للتاريخ ضحايا حلفائهم ويمنحونهم فرصة غسل أيديهم بتاريخنا ووثائقنا وسيرتنا الذاتية، يمنحونهم فرصة غضِّ البصر ليحظوا بفضيلة الغفران، هل سيحتمل الضمير كلَّ تلك الآثام وهل ستَسعُ الفلسفةُ منطوقَ المنطق الجديد، كأنّ العالم الجديد امتدادُ صحراء الكلام، قبائل تصارع قافَها من أوّل الخلق، كلُّ لحظةٍ بدء، كلُّ صمتٍ كلام، مازالتُ كأننا في البدء، الجدرانُ واقفةٌ ومتراكمةٌ، سور أريحا وأسوار عكا وسوار القدس، والجدار العازل والجدار الفولاذيّ، القبة الحديدية، والجدران الافتراضيّة، القوانين الجديدة جدرٌ جديدة، أللاءات جدرٌ في وجوهنا، المطارات جدرٌ حديثة، ووثائق السفر، جدر يبنونها حول التاريخ، وجدر أمام الآتي، جدرٌ تحجب الأفق، جدران السجن، جدار في عيون الأمل، جدار في وجه الشمس، المنفى جدار، والحاجز جدار، يبنون منها بقدر هشاشتهم وذعرهم من قوة البساطة في براءة حلمنا، كأنني في البدء حلمٌ يراودني يا أبي، كأننا في الجبِّ، طوائفنا تصارعُ طاءها، طاؤها تنتظر أبجديّةً مهجّنةً تلاقحها بثمنٍ بخسٍ، سيارة يرسلون واردَهم، القلب تيهٌ وصحراء تيه تراودني، جدرٌ وسنابل، وأسوار بابل، وهذا أنا وهذا غريبٌ بيني وبين أخي، نبِّئنا بتأويلِه يا أبي.