دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال افتتاحه السنة القضائية الجديدة، المجتمع الدولي لمحاسبة ومعاقبة الكيان الصهيوني على جرائمه التي ارتكبها في فلسطينالمحتلة على مر العقود الماضية، لاسيما المجازر الحالية والمستمرة منذ أكثر من شهر نتيجة العدوان على قطاع غزة، حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من عشرة آلاف شخص. ألقى الرئيس تبون خطابا مباشرًا وصريحًا مستخدما عبارات قوية من قبيل «أنا أمام رجال ونساء العدالة، أتساءل أين هي العدالة في العالم؟»، داعيًا المنظمات الحقوقية العربية والعالمية، وكذلك المختصين في القانون الدولي، إلى رفع قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة الجنايات الدولية، الهدف من ذلك هو محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي شهد عليها العالم ونقلتها وسائل الإعلام على المباشر، أمام صمت رهيب من الدول الغربية. وتسعى الجزائر من خلال هذه الدعوة لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين من طرف الكيان الصهيوني. يرى أستاذ القانون الدولي الإنساني البروفيسور أنور دحماني، أن السؤال الذي طرحه رئيس الجمهورية، هو سؤال شرعي يستهدف الوجدان والضمير الإنساني العالمي، وليس مجرد خطاب للاستهلاك الإعلامي، كما تحاول بعض وسائل الإعلام المعادية للجزائر تصويره. ويندرج تصريح الرئيس ضمن النهج الجزائري القديم والمستمر منذ استقلال البلاد، والذي يرفض سياسة الأمر الواقع ويؤكد دائمًا على ضرورة تغيير منطق التفكير داخل المنظمات الدولية الحالية، التي يسيطر عليها الغرب، والهدف هو أن تكون العدالة الدولية فوق الجميع ولا تستثني أحدًا، كما نراها حاليًا. من الناحية القانونية، يرى البروفيسور دحماني، أن الدعوى يمكن رفعها، وهي مؤسسة وفقًا للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. فمن ضمن الانتهاكات التي تشمل جرائم الحرب والتي يمكن رفع قضية بشأنها أمام محكمة العدل الدولية، الإبادة الجماعية، وهو أي عمل يهدف إلى تدمير مجموعة قومية أو عرقية أو دينية أو اجتماعية بأكملها وهذا ما يعمل عليه الكيان الصهيوني، فهو يعمل على إبادة شعب بكامله ومحاولة تهجيره من أرضه. فقد طلب الكيان من أكثر من مليوني فلسطيني مغادرة بيوتهم لقصفها، بالإضافة إلى ما راج في وسائل الإعلام من سعي الكيان لنقلهم إلى سيناء المصرية. علاوة على ذلك، تتضمن خروقات الكيان الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي تنص على أن أي عمل يخالف أحكام هذه الاتفاقيات ويستهدف الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية أو الأشخاص الذين خرجوا عن القتال يُعتبر انتهاكًا جسيمًا. ومعظم القتلى الذين استهدفتهم الهجمات الصهيونية، هم مدنيون وأطفال غير مشاركين في الأعمال العسكرية، مما يجعل أركان الجريمة واضحة للغاية ولا تحتاج إلى تحقيق معقد. فبحسب مصادر من غزة، فقد بلغ عدد الشهداء المدنيين من النساء والأطفال ثلثي الشهداء في القطاع. جريمة كاملة الأركان! ووفقا للقانون الدولي الإنساني، يعتبر العدوان العسكري الذي يقوم به الاحتلال الصهيوني ضد قطاع غزة جريمة حرب، إذ لا يجوز استخدام القوة ضد المدنيين والأهداف المدنية تحت أي مبرر. ومع ذلك، فقد أدت الهجمات الصهيونية إلى مقتل آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، كما دمرت العديد من المباني المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ودور العبادة ومنازل الفلسطينيين. وبحسب القانوني الدولي الإنساني، فإنه يمنع بشكل قاطع الهجوم على المدارس والمستشفيات. وقصف الكيان الصهيوني العديد من المدارس والمستشفيات في غزة، مما أسفر عن مقتل وجرح العديد من المدنيين والأطباء. كذلك، استخدام الأسلحة المحرمة، حيث استخدم الكيان الأسلحة المحظورة دوليا، مثل القنابل العنقودية والفوسفور الأبيض، في قطاع غزة. ويمكن رفع قضية أمام محكمة العدل الجنائية الدولية (ICC) من قبل الدول الأعضاء، ومجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، بالإضافة إلى أي فرد أو منظمة غير حكومية مسجلة لدى المحكمة الجنائية الدولية، بموجب المادة 15 من نظام روما الأساسي، والتي تسمح للأفراد أو المنظمات غير الحكومية بتقديم معلومات إلى المدعي العام حول جرائم محتملة داخل اختصاص المحكمة. مجلس الأمن من جهة أخرى، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري، في تصريح ل «الشعب»، أن الجزائر سوف تقوم بأدوار حاسمة، العام المقبل مع بداية شغل منصبها غير الدائم في مجلس الأمن، ورسائل رئيس الجمهورية واضحة، حتى أن البعض يرى أنها هجومية وهذا أمر ضروري من الناحية الدبلوماسية، فالجزائر التي كانت دائما معقل الثوار ولا يمكنها السكوت عن مثل هذه الجرائم، خاصة وأن المتسبب فيها الكيان الصهيوني المحتل الذي رفض كل مبادرات السلام، بما في ذلك المبادرة العربية لسنة 2002. كذلك، ينتظر من الجزائر أن تقدم دعما كبيرا للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن، ومواصلة المسار الذي بدأته مؤخرا، بداية بمؤتمر الفصائل الفلسطينية، ثم إدراج القضية على رأس سلم الأولويات في اجتماع الجامعة العربية بالجزائر، وصولا إلى خطاب رئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شهر سبتمبر الماضي، والذي دعا فيه لضرورة إقامة سلام دائم في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.