قدنا إصلاحات عميقة وواسعة لإحداث القطيعة مع الذهنيات والممارسات المقيتة الرقمنة أمر لا مناص منه.. والتزمنا بأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد تعزيز الحكم الراشد والإصلاح الشامل لجهاز العدالة لضمان استقلاليتها بناء مجتمع مدني حر ونزيه وإرساء دولة الحق والقانون وتكريس المكاسب الاجتماعية إنعاش الاقتصاد.. ترقية الحياة الاجتماعية وإخراج آلاف العائلات من اليأس والمعاناة تكريس إدارة عمومية عصرية خالية من إرث الرداءة والأساليب المريبة والبيروقراطية الحكومة مدعوة لجعل التسهيلات الإدارية وتبسيط الإجراءات واقعا ملموسا وجه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، كلمة إلى المشاركين في الملتقى الوطني بعنوان «وسيط الجمهورية: مكسب من أجل خدمة المواطن» الذي احتضنته المدرسة الوطنية للإدارة «مولاي أحمد مدغري» بالجزائر العاصمة، قرأها نيابة عنه وسيط الجمهورية، مجيد عمور، فيما يلي نصها الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أحيي مبادرتكم بتنظيم هذا الملتقى لتعميق التفكير وتوسيع الحوار والتشاور حول الخدمة العمومية التي يتوجب على الإدارة والمرفق العام توفيرها وتحسينها. لقد اخترتم لملتقاكم الوطني هذا، بمناسبة إحياء الذكرى الرابعة لتأسيس وسيط الجمهورية، عنوانا معبرا عن الهدف الذي توخيناه من هيئتكم الموقرة، وهو ما يلخص الغاية الأساسية التي تلتقي حولها جهود الدولة بمؤسساتها وهيئاتها وهي خدمة المواطن. نعم، إن خدمة المواطن ينبغي أن تكون جوهر كل جهد وكل مسعى وكل مبادرة لبناء جزائر جديدة على أسس صحيحة، قائمة على الإصغاء للمواطنات والمواطنين والاستجابة لتطلعات الشعب الجزائري الذي تمكن منه الإحباط لسنوات طويلة وأفقدته الانحرافات المتراكمة الثقة في المؤسسات وفي الدولة ورموزها. ولقد كان من أولوياتنا منذ أن شرفنا الشعب بثقته، الشروع الفوري في إصلاحات عميقة وواسعة، ليس فقط على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بل ومن أجل إحداث القطيعة الحقيقية مع الذهنيات والممارسات المقيتة، وذلك بإيلاء كل العناية لأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد بشتى أشكاله، حرصا على الوفاء بالتزاماتنا، لاسيما تلك المتعلقة بتعزيز الحكم الراشد والإصلاح الشامل لجهاز العدالة لضمان استقلاليتها وتحديثها وبناء مجتمع مدني حر، نزيه ونشط، وإرساء معالم دولة الحق والقانون وتكريس المكاسب الاجتماعية. وهكذا وبعد أن استكملنا الإصلاحات الدستورية والتشريعية والقضائية، شرعنا بكل حزم في تهيئة بلادنا لخوض تحديات الإنعاش الاقتصادي وترقية الحياة الاجتماعية بكل أبعادها، لاسيما ما تعلق منها بالأجور والسكن والصحة والتعليم والتشغيل، في وقت أنهينا فيه برامج مستعجلة وشاملة للقضاء على مناطق الظل ومظاهر البؤس والهشاشة، أدت - والحمد لله - إلى إخراج آلاف العائلات من حالة اليأس والمعاناة. السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، إن قناعتي راسخة بأن بناء الدولة الحديثة يستوجب إدارة عمومية عصرية وخالية من إرث الرداءة والأساليب المريبة المرتبطة بالإجراءات البيروقراطية وتسلط المسؤولين والموظفين، إدارة عمومية وطنية تضع خدمة المواطن في صلب أولوياتها. ولن تتحقق الإدارة العصرية إلا بتحسين مستوى الخدمة العمومية الذي يتجلى في رقي الأداء وتحرير المبادرة وتحمل المسؤولية واستشعار الواجب المهني، ومتى تحقق ذلك تبنى ثقة المواطن في مؤسسات الدولة وهياكلها. ولقد آليت على نفسي أن ألزم الجميع، وعلى كل المستويات وفي كل المواقع والقطاعات، بالعمل وفق هذه الروح بصدق وبما يجعل المواطن أينما كان يلمس التغيير الحقيقي ويتآلف مع الإدارة والمرفق العام في كل ربوع الوطن، بعيدا عن أي توجس من المساس بكرامته. وفي هذه السانحة، أعيد وأكرر بأن كرامة المواطن ليست شعارا ولا كلام مناسبات، بل هي سياسة ومنهج وأسلوب عمل في الجزائر التي نبنيها معا. كما أن تقريب الإدارة من المواطن ليست شعارا، بل محتوى تعكسه الإجراءات والإنجازات في الميدان، وما استحداث ولايات وولايات منتدبة إلا شاهدا من الشواهد على الإرادة القوية لتجسيد هذا المبتغى بالفعالية والآجال اللازمين. إن الإصغاء للمواطن والتفاعل معه مباشرة والتعرف عن قرب على انشغالاته الأساسية والتجاوب معها بسرعة ونجاعة وتسهيل الإجراءات الإدارية، تعد كلها مؤشرات عن المساهمة الجماعية في ترسيخ روح المواطنة الحقة، وتأتي هيئة وسيط الجمهورية تحت الوصاية المباشرة لرئاسة الجمهورية لتكون رافدا هاما في هذا المسعى النبيل. لقد أصبح لهذه الهيئة مع الهيئات الاستشارية الأخرى كالمجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني دور متنام في مجال تكريس ثقافة الإصغاء ونقل الانشغالات ورفع العراقيل البيروقراطية المؤرقة وإيصال المقترحات والانشغالات من مختلف شرائح المواطنين إلى الجهات المعنية والسلطات العمومية لمتابعتها والتكفل بها. وإذ أنوه في هذا المقام بالجهود المبذولة من إطارات ومنتسبي الهيئات المذكورة، أدعو إلى المزيد من الاجتهاد وروح المبادرة وفتح الآفاق نحو علاقات جديدة ومرنة تساعد على مد جسور التعاون وترفع من القدرة على الإقناع لتكون هيئة وسيط الجمهورية وغيرها من الهيئات الوطنية بهذه الرؤية التفاعلية المتفتحة في خدمة المواطن حقيقة لأن خدمته هي سبب وجودها. السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، في الذكرى الرابعة لتأسيس وسيط الجمهورية، أؤكد على أهمية تطوير أطر التعاون مع هذه الهيئة من أجل الانتقال إلى مرحلة الفعالية التي يتوسمها فيها المواطن، ويتأتى ذلك بالعمل المنسجم والمتكامل الذي يهدف إلى أبعد من الاكتفاء بانتظار الشكاوى والعرائض والرد عليها ويعتمد المقاربات الاستباقية في تقدير انشغالات واحتياجات المواطن من خلال الاحتكاك المباشر مع مختلف الفئات في المجتمع والتقييم الدوري للأداء والانخراط في التوجه نحو التحسين المستمر لنوعية الخدمة العمومية. وفي هذا المنحى، فإن الحكومة مدعوة إلى السعي الحثيث لأن تجعل من التسهيلات الإدارية وتبسيط الإجراءات واقعا ملموسا، وذلك بابتكار قنوات للتنسيق مع وسيط الجمهورية، بحيث يمكن للإخطارات التي تصل إليه من طرف المواطنين أن تشكل مرجعا مهما لبلورة مناهج محاربة الاختلالات وردع التهاون والتقصير والتلاعب بمصالح المواطنين. وفي ذات السياق، لا بد أن يأخذ الجميع بعين الاعتبار أن الرقمنة أمر لا مناص منه، مافتئتُ ألح على ضرورة تقليص آجال تعميمها لتجنيب المواطن عناء التنقل بين مختلف المصالح الإدارية. في الأخير، يجدر التذكير بأن الإدارة العمومية هي الواجهة المعبرة عن هيبة الدولة ورعايتها للشأن العام وأن مسؤوليها وأعوانها، مهما كانت درجاتهم ومستوى الوظائف التي يتولونها، مدعوون إلى إبراز وجه دولة الحق والقانون بالحرص التام والدقيق على تقديم الخدمة العمومية كحق مكفول للمواطن، لا كمنّة أو مزيّة. وإنني لعلى ثقة تامة بأن إطاراتنا وموظفينا في مختلف الإدارات قادرون على إضفاء المصداقية والنجاعة على المرافق العامة بما يحدوهم من إرادة صادقة وما يتحلون به من وازع أخلاقي وحس مهني. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته».