نظّمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية "مصطفى نطور" بقسنطينة، ندوة علمية بعنوان "الشيخ البشير الابراهيمي..مهندس لفظ وفيلسوف معنى"، والتي جاءت بالتوازي وذكرى وفاته، حيث عرفت حضور كوكبة من الأساتذة والمختصين في تاريخ جمعية العلماء المسلمين، في مقدمتهم ضيف الندوة العلمية رئيس جمعية العلماء المسلمين سابقا الأستاذ عبد الرزاق قسوم، الذي أكّد من خلال مداخلته على ضرورة إعادة فهم فكر الشيخ "البشير الابراهيمي" من جديد وبصورة جديدة، مشيرا إلى أنّ الرجل وإلى جانب شخصيته المُصلِحة كان ثوريا ومجاهدا، حيث قام بإصدار بيان بعد الإعلان عن الثورة التحريرية بيوم واحد يدعو فيه الشعب الجزائري للانضمام لصفوف جيش التحرير، والاستشهاد من أجل تحرير الوطن. تحدّث الدكتور قسوم عن شخصية البشير الابراهيمي، التي قال عنها بأنها شخصية تحمل صفة الاعجاز والاعجاب، ومن أهم خصوصياتها أنها تجاوزت البعد المكاني والزماني الوطني الجزائري إلى البعد الأممي والإسلامي الانساني، حيث كشف أنه كان عالما ملما بواقع العالم العربي والجزائري والاسلامي، وبمفاهيم المنطقة بأفكار منظمة ومنسّقة تقوم على علوم الفقه والسياسة والاعلام والفلسفة بكل أبعادها، قائلا "الإبراهيمي كان عصاميا وعبقريا، لم يدخل جامعة من الجامعات غير أنه أوتي جوامع الحكمة وفاق أساتذة الجامعات". ليواصل في ذات السياق، أنّ الشيخ الابراهيمي كان موسوعة علمية وداعية اعتمد في أفكاره على القرآن الذي وظّفه توظيفا صحيحا، حيث أعاد صياغة الخطاب الديني الدعوي والاعلامي وضبط معاني الدين الاسلامي، مؤكّدا أنّ امتلاكه للمؤهل النفسي والاخلاقي وسعة الأفق والبديهة وملكة الحفظ، أهّله إلى إنشاء مدرسة خاصة بالتراث العربي الإسلامي الذي يجمع بين الحكمة والعقل في التحليل وفصاحة اللغة من جهة، رافضا عصبية المذاهب العمياء، كما تحدّث في السياسة وتوسع فيها وكان عالما فيها، حيث كان يرى أن التعامل الحزبي يكون بالبناء على أسس وطنية حضارية مضادة لاستغلال الحق الإنساني، وكان يقول "السياسة لا ضرب فوق المائدة وإنما بناء وتشييد". من جهته البروفيسور أحمد ساري الباحث المختص في تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أكّد أنّ حياة البشير الابراهيمي شهدت عديد المراحل، كانت أولها لقائه مع العلامة ابن باديس في الحجاز ثم عودته إلى الجزائر سنة 1920، ولقاءاته معه في سطيف ثم التأسيس لجمعية العلماء المسلمين، والمساهمة في الكتابة بجرائد "المنتقد" و«الشهاب" ليصبح بعدها قائدا في المنطقة الغربية سنة 1933 وتحديدا لولاية تلمسان، لتنشيط الحركة الإسلامية وتأسيس مدرسة الحديث، ليواصل البروفيسور ساري أنّ الابراهيمي انتهج طريق بن باديس ورفض المناصب، ممّا أدى إلى توقيفه في 8 ماي 1945 وسجنه، غير أنّه عاد إلى نشاط جمعية العلماء وأنشأ جريدة "البصائر" سنة 1947، وظل أكثر الكتاب المدافعين عن القضية الفلسطينية ما قبل وبعد النكبة، والتعريف بالقضية والثورة الجزائرية في المشرق وباكستان. من جهته، الدكتور رياض شروانة صاحب العديد من المؤلفات والمطلع على الأرشيف الفرنسي، أكّد أنّ الابراهيمي كان يلقّب بجاحظ العرب، وهو ما ذكر في إصدار أخير باللغة الفرنسية في باريس تحت عنوان "الشيخ الابراهيمي في خدمة الإسلام والجزائر..فكرة وحياة رجل"، كاشفا عن مشروع ترجمته باللغة العربية سيشارك فيه وطرحه قريبا.