شكّلت مبادرة فتح وتهيئة نقاط وفضاءات بيع المنتجات الفلاحية ذات الاستهلاك الواسع بطريقة مباشرة من المنتج إلى المستهلك التي بادرت بها السلطات العمومية على مستوى ولايات الوطن، في كثير من المناسبات ومنها شهر رمضان بواسطة الأسواق التضامنية والدواوين، وكذا تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، وهي تجربة تستحق التثمين والاستمرارية بنظر كثير من المتابعين والمواطنين.. تركت التظاهرات التجارية وتجربة البيع المباشر للمنتجات الفلاحية والغذائية ذات الاستهلاك الواسع التي أطلقتها الهيئات الرسمية كوزارتي الفلاحة والتجارة وعدد من الهيئات الأخرى في إطار عمليات التضامن مع الذين يواجهون تداعيات تدنّي القدرة الشرائية الناجمة عن ارتفاع الأسعار، آثارا إيجابية لدى فئات واسعة خصوصا منها الهشّة التي وجدت في مثل هذه النقاط ما يغنيها ويحميها من تداعيات ظاهرة السمسرة والمضاربة التي تمارسها مجموعات من محترفي السمسرة واستغلال المناسبات والظروف لاستنزاف جيوب المواطن، رغم تراجعها في الفترة الأخيرة بسبب الإجراءات الردعية والتدابير التي حملها قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة. بومرداس من بين الولايات النموذجية التي حظيت بمثل هذه المبادرات خصوصا خلال شهر رمضان، حيث تم فتح عدّة نقاط لبيع وتوزيع المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، أو ما عرف بالأسواق التضامنية التي بادرت بها مديرية التجارة بالتنسيق مع المصالح الفلاحية ومشاركة فلاحين ومنتجين وحتى متعاملين اقتصاديين من أجل توفير سلع بأسعار معقولة مقارنة مع ما هو معروض بالأسواق والمحلات، إلى جانب الدور الكبير الذي قامت به تعاونيات الحبوب والبقول الجافة المتواجدة ببلدية الثنية التي عمدت إلى فتح أبوابها أمام المواطنين لبيع منتجات الحبوب والبقول كمادة العدس والحمص المنتج محليا بسعر أقلّ بكثير مع المواد المستوردة. وتبقى مثل هذه المبادرات التضامنية أو طريقة البيع المباشر من المنتج إلى المستهلك، برأي كثير من المواطنين وأرباب الأسر ضرورية في الوقت الحالي، بالنظر إلى حالة الأسواق الملتهبة التي لا تعرف استقرارا ولا رحمة بسبب السماسرة الذين يبتزّون الفلاح المنتج والمستهلك معا، حيث أثبتت التجارب السابقة أنّ مثل هذه الفضاءات التجارية قادرة على تنظيم النشاط التجاري والقضاء التدريجي على هذه الحلقة السوداء التي تسبّبت في كلّ هذه المتاعب للأسرة الجزائرية التي تعاني اليوم من تبعات الظاهرة التي تزداد حدّة خلال المناسبات الاجتماعية والدينية الهامة مثلما يعيشه المواطن مع سماسرة كباش العيد. وأجمعت آراء وتحاليل كثير من الخبراء في المجال الاقتصادي، وحتى مهنيين في القطاع الفلاحي وتجار معروفين على المستوى الوطني، أنّ "المنتج الجزائري سواء كفلاحين، مربّين للمواشي وموّالين يعانون من غياب فضاءات تجارية وأسواق متخصّصة لتسويق منتجاتهم بطريقة سلسة مباشرة إلى المستهلك وبأسعار مدروسة ومعقولة، تراعي حجم التكاليف فقط وعملية النقل، دون المرور الحتمي بالسماسرة الذين يتحكّمون في العمليات التجارية بمراحلها العديدة من بائع الجملة إلى التجزئة قبل وصولها إلى المستهلك بأسعار مضاعفة". هذه الإنشغالات طالما رفعها الناشطون في شعبة عنب المائدة بولاية بومرداس التي تغطّي نسبة 53 بالمائة من السوق الوطنية وإنتاج يقارب 3 مليون قنطار، لكن وسط ظروف مهنية صعبة خصوصا ما تعلق بأزمة التسويق وحالة الابتزاز الذي يتعرّضون له من قبل أصحاب المربّعات بأسواق الجملة الذين يعرضون أسعارا تبخس حقّ الفلاح، بينما يعرض المنتوج نفسه على المستهلك بأسعار مضاعفة، هذا إلى جانب اللجوء المفرط إلى وحدات التخزين والتبريد حتى في عدم وجود فائض، كنوع من خلق الندرة في الأسواق، دون اعتبار لقاعدة العرض والطلب، وكلّها سلوكيات سلبية يجب التصدّي لها بشتى الطرق الردعية والتنظيمية منها الأسواق التضامنية ونقاط البيع المعتمدة التي تسمح للفلاح تسويق منتوجه بعيدا عن أعين السماسرة.