يمر العالم بفترة عصيبة، تهدد مصير البشرية بالانحدار الى مزيد من التردي بفعل هيمنة فلسفة الغرب وفرص الرأسمالية المتوحشة وقوته العسكرية على العالم، مما جعل قلة من الأثرياء تزداد ترفا وسيطرة على حساب الأغلبية من الفقراء الذين أصبحوا أكثر شقاء ومذلة .كيف لا.. ونمط معيشة الغرب قد أفرز في آخر أنماطه الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة. هذه الأزمة التي انطلقت بأزمة الأسواق المالية بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وجعلت العالم بدوله الغنية والفقيرة يعيش أزمة حقيقية غير مسبوقة منذ أزمة ثلاثينات القرن الماضي. ورغم أن الغرب يحاول اليوم لملمة ذاته ومواجهة تداعيات هذه الأزمة بحل مشاكله باستعمال مئات الملايير من الدولارات المكتنزة لدى حكوماته. وخصص ضمن هذا السياق حوالي التريليونين و 300 مليار دولار، فإن أوضاع الدول الفقيرة تبدو سوداوية للغاية، ذلك أن تأثيرات هذه الأزمة ستزيد من وضعها سوءا على سوء، لاسيما وأن كل المؤشرات تشير الى التحول في أولويات الدول الغنية الى اصلاح المؤسسات المالية ودعم صناعاتها الكبرى، ومن ثم انحسار حجم المساعدات الموجهة للدول الفقيرة التي عرفت انخفاضا مضطردا خلال السنوات الماضية. وبطبيعة الحال، فإن التأثيرات السلبية لهذه الأزمة التي تعمل جهات خفية في الغرب على الاستفادة منها الى أقصى حد لن تقتصر على البلدان الأشد فقرا، بل بدأت تمتد الى تفقير البلدان المنتجة للنفط. وهو ما يشير إليه مؤشر انخفاض الأسعار بشكل قياسي الى ما دون الأربعين دولارا. هذه الأسعار التي تعمل هذه الجهات الخفية على الاستمرار في تخفيضها بفعل المخزونات الغربية الكبيرة بعدما ارتفع برميل النفط الى حدود ال 150 دولار قبل أشهر قليلة. وإذا كان هذا هو حال العالم إقتصاديا، فإن الوضع على الساحة السياسية هو أشد وقعا، خاصة على صعيد بؤر التوتر في العالم، التي يوجد معظمها بعالمنا العربي والاسلامي، هذه البؤر التي يكاد الغرب يتحكم بكل خيوطها، ويفرض بالقوة المباشرة وغير المباشرة تغذيتها واستمرارها، وينتظر أن تتأجج أكثر باستعمال العامل الاقتصادي القاسي المعاش اليوم بعد أن جعل من التفرقة والتمييز والفتن الداخلية وفساد أنظمة الحكم، وتبعيتها للأجنبي وتقسيم الدول أسلحة في يد الاستعمار الجديد، تهدد كل من يحاول الخروج عن طوق الهيمنة الغربية. ومن دون شك، فإن السياسات المفلسة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية طيلة حكم الرئيس ''بوش'' القائمة على الكذب، والتضليل واضطهاد الدول الاسلامية تحت غطاء محاربة الارهاب قد أدت داخليا ودوليا الى النتائج الكارثية الحالية، فعلاوة على الأزمة الاقتصادية العالمية خسر ''بوش'' وحزبه الجمهوري وصقوره من المحافظين الصهيو أمريكيين الانتخابات الأخيرة، في حين أدت السياسة الخارجية الأمريكية الى فشل ذريع في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان والصومال، مما يفتح الباب على مصرعيه لتقويض الهيمنة الغربية على العالم بقيادة الولاياتالمتحدة . إن نشر الفوضى الخلاقة التي أقرتها وزيرة الخارجية الأمريكية ''كوندا ليزاريس'' انعكست على الولاياتالمتحدة ذاتها، التي أصبحت عاجزة عن مواجهة الأوضاع المختلة التي أحدثتها في أكثر من بقعة من العالم، فالحل العسكري في أفغانستان أصبح صعب المنال، وطالبان التي أسقطت قبل ست سنوات أضحت مطلوبة اليوم للحوار والمفاوضات. والأمر كذلك بالعراق التي استنجدت فيه إدارة »بوش« بالقيادة الإيرانية العدو اللدود للمحافظة على استقراره وتخفيض حجم الخسائر الأمريكية، وقس على ذلك الأمر في فلسطين الذي أصبحت وعود الرئيس ''بوش'' بإقامة دولة فلسطينية في سنة 2004 من مدعيات السخرية. وكذا الأمر في لبنان التي حطم فيها مقاومو حزب الله حلم الشرق الأوسط الكبير، الذي كان يسعى الرئيس ''بوش'' ووزيرته للخارجية لإقامته بقصد تمكين اسرائيل من السيطرة السياسية والاقتصادية على الدول العربية، ومن ثم الالتفاف على إيران تمهيدا لضربها. ولعل آخر كوارث السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس ''بوش'' خسارتها لحربها غير المباشرة بالصومال التي كان يقوم بها من الباطن النظام الإثيوبي الذي سيسحب كل قواته قبل فوات الآوان في نهاية السنة الجارية. والواقع إنه أذا كان الغرب يعمل بأقصى ما يمكن لحل أزمته الاقتصادية، ويطلب في ذلك مساعدة الجميع بما فيها الدول الناشئة وحتى الفقيرة، مما يدل على انتهاء عصر الأحادية القطبية التي يؤكدها نشؤ مجموعة العشرين كبديل لمجموعة الثمانية وعودة روسيا القوية لوقف الزحف الغربي عليها، فإن الوضع الذي آل إليه العالم اليوم يتطلب معالجة المشاكل السياسية الأخرى خاصة في بؤرها المعروفة بالعالم العربي والاسلامي. ولا يمكن بالتالي للرئيس الأمريكي المنتخب ''باراك أوباما'' أن يستمر في مغامرات محاربة الارهاب المزعمة المستهدفة للبلدان الاسلامية التي جعلت العالم يفقد أمنه واستقراره، ولابد معها البحث عن نظام عالمي جديد يكون أكثر عدلا وأمنا واستقرارا بعيدا عن نفوذ الأغنياء والمغامرات العسكرية التوسعية لفرض منطق الظلم بقوة الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. ------------------------------------------------------------------------