فقدت الحرية أحد أكبر رموزها، إنه السجين رقم 46664 في احدى زنزانات «روبن إيسلند» الذي لا يوازيه في القرن الحالي إلا سجن «غوانتانامو» إن هذا السجين الذي يحمل الرقم 46664 لم يكن سوى المحامي الشاب «نيلسون مانديلا» هذا العملاق الذي استطاع أن يفكك نظام الآبارتايد العنصري المتجذّر في جنوب إفريقيا والمدعوم من الإمبريالية العالمية، وهذا بفضل سموّ روحه ونضاله الهادئ، مثال لا يضاهيه إلا «المهاتما غاندي» في نضاله ضدّ الإنجليز في الهند. لم تفلح 27 عاما قضاها «مانديلا» في زنزانات الآبارتايد، 19 عاما منها في العزل والسجن الإنفرادي، أن تغيّر شيئا في قناعات هذا الرجل الذي آمن بالحرية وبإنتصارها ذات يوم، فكان له ذلك، إنه كان بالفعل، شمعة أضاءت ببلده جنوب إفريقيا وشعبها الطريق للمصالحة والتسامح ومثال للإعتراف بالخطإ والجرائم، حين إعترف الجلاّدون البيض علنا بما اقترفوه في حقّه وحقّ مواطنيه، وعفا عنهم في سموّ العظماء. إن مانديلا يذكرنا نحن الجزائريين بقصة (العندليب السجين) «المقنين الزين»، أغنية «حرية» تروي قصة محكوم عليه بالإعدام في سجون الاحتلال الفرنسي، إنه ذلك العندليب الذي غرّد للحرية في زنزاناته في جزيرة «روبن»، ولم تصبه الإقامة فيها بالكآبة واليأس، كما ظنّ جلاّدوه العنصريون. وظل يغني ويغرّد للحرية حتى تكسّرت القيود وذابت القضان، لأنها لم تستطع مقاومة إرادة السجين رقم 46664، الذي لم يستطع الآبارتايد أن ينهي قصته في حدود هذا الرقم التسلسلي في زنزانته «روبن إيسلند»، لأن العظماء لا يمكن إختصارهم في أرقام.