جمعية صحة سيدي الهواري تحذر وتطالب بتمويلات كبرى لحماية معالم حضارة عمران تكاد الكثير من الصور الاجتماعية القديمة، تختفي من الذاكرة، لكن حسبك أن تزور الأحياء الشعبية والأرياف والقرى، كي تستعيد واحدة من المظاهر المؤثرة، ومن شرق وهران يقطع الكثير من كبار السن مسافات طويلة نحو وسط المدينة، في حنين إلى حقب تاريخية وثقافية واجتماعية إنسانية، لا يكاد المرء يلتفت إليها، بسبب الحياة العصرية. كل التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي انجزته «الشعب». يعود بعض السكان بحي سيدي الهواري، ليستعيد الذكريات مع الجيران والرفاق، وطقوسا تشهد عليها الأطلال، فعند العصر، تبدأ البيوت بفتح أبوابها وإخراج الكراسي المصنوعة من أطباق الكرتون، أو صناديق المياه الغازية الفارغة.. إنها عادة المسنين منذ زمن بعيد، لكنها من السكان الأصليين بدأت تتراجع وتتلاشى، مع تغير ملامح الحياة الاجتماعية، بل صار كبار السن يشعرون بالحرج من جلوسهم أمام البيوت أو الدكاكين، فلا نرى هذه العادة اليوم، إلا في عدد من المواقع بمناطق شعبية، تشوهت أجزاء كبيرة من ملامحها. وأمام هذا وذاك، تبكي وهران في صمت رهيب المدينة العتيقة، وما تعيشه من حركية التهيئة وثقافة البناء والمدن الجديدة، فيما لا تتعد الكوطة المخصّصة للترميم 600 عمارة، رصد لها مليار و600 مليون دج، واستهدفت هذه التدخلات في مجملها، حسب دفتر الشروط، تحسين المظهر الخارجي، من خلال صيانة وترميم الشرفات، الأسطح، السلالم، الفناء الرئيسي لمدخل البناية، والواجهات ومختلف الأجزاء المشتركة، والتي أسالت الكثير من الحبر، رغم النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها في إطار العمليات الإستعجالية، فيما تبقى ضعف التمويلات الموجهة لمشاريع الإنقاذ والصيانة والترميم، وكذا الضغط الديموغرافي أسبابا ساهمت في تعثر هذا الورشات الكبيرة. ورغم أن الوقت ليس في صالح المدينة العتيقة، إلا أن ملف رد الاعتبار للبنايات، صنفه، بريكسي كمال، رئيس جمعية صحة سيدي الهواري، ضمن خانة العمليات المعقدة التي تحتاج إلى تمويلات كبيرة، لما تتوفر عليه من مآثر تاريخية ومعالم أثرية تختزل خبرات ومهارات عريقة في مجالات الثقافة والهندسة المعمارية وفن العيش، وهو ما يفرض حسب المتحدث تضافر جهود جميع المتدخلين والشركاء، من أجل رفع التحديات التقنية والقانونية وحتى الاجتماعية والاقتصادية التي تطرحها عملية إعادة الاعتبار، لهذا النسيج العمراني، دون المسّ بقيمته الحضارية والتاريخية، يضيف المصدر، محذرا من تهديدات تتربص ببطاقة الهوية الوهرانية، كمدينة متوسطية يقول رئيس جمعية صحة سيدي الهواري والتي اختارت من الحمامات التركية التابعة لعهد الباي مصطفي بن يوسف والمستشفى القديم العسكري الفرنسي الذي بني في 1838 فضاءا لها، بعد عمليات تأهيل واسعة، وعيا منها بالمخاطر المحدقة، في ظل نقص التوعية بقيمة التراث، وهي الحلقة المفقودة التي زادت من اتساع دائرة التشقق والانهيار والاندثار، في وقت تعيش فيه المدن القديمة، وخاصة المدن التي تتمازج بها الأنماط الهندسية، إشكالية ثقيلة، بكل ما تحمله من إرث تاريخي، ثقافي، حضاري واجتماعي إنساني. شركات أجنبية لترميم البنايات القديمة وما يعاب على عاصمة الغرب الجزائري، شكلا ومضمونا، تبعيتها نحو الخارج، الممول الرئيسي باليد العاملة المتخصصة في ترميم وصيانة النسيج العمراني للمدينة العتيقة، والذي يشرف عليه، ويتولى تدبيره ديوان الترقية والتسيير العقاري، ومن هذا المنطلق صنّف المسؤول التنفيذي الأول، السيد عبد الغني زعلان، ملف «إعادة الاعتبار» في خانة العمليات الحساسة والدقيقة، لما تحمله حسب ما ورد عنه من أبعاد كبيرة، وكان هذا خلال الأيام الدراسية المنظمة مؤخرا حول إشكالية الترميم بمدينة وهران. ودعا الوالي إيمانا منه بأهمية القضية إلى الاحترافية، كما طالب مديرية التكوين المهني بفتح فروع خاصة بالبناء عامة داخل مراكز التكوين المهني، والاستفادة من خبرات ومهارات المؤسسات الأجنبية في الترميم، وهذا في إطار ما يعرف بصفقات التراضي. وتعمل مديرية التكوين المهني والتمهين، حاليا على تغطية العجز المسجل في عديد الحرف، وتقول مصادر ل «الشعب» من الإدارة، أنها أبرمت عديد الاتفاقيات مع شركات إسبانية وإيطالية في ميدان ترميم البنايات القديمة. وفي نفس المقام، تحدث المصدر، عن لقاءات مع الشباب وممثلي التشغيل، إلى جانب شركة كوسيدار، في إطار ما يعرف بجهاز 16 إلى 20 سنة، والذي ينصّ على تلقين حرف البناء لمدة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر، مقابل منحة ب3 آلاف دج، وتمّ إلى يومنا هذا التحاق 65 متربصا بهذا الجهاز عبر مؤسسة التكوين المهني بحاسي بونيف ومركزين ببلدية وهران، حسب نفس المتحدث، فيما لا يزيد عدد الشباب المدمج في الشركات الإسبانية والإيطالية من الطرف الجزائري عن ال60 شابا، حيث يبقى الرقم بعيدا كل البعد عن واقع المشاريع الكبرى، والتي تشهدها منذ سنوات عاصمة غرب البلاد. بدوره السيد بن ملوفي حواس، مدير مدرسة التكوين التابعة لجمعية صحة سيدي الهواري، أكد أن المؤسسة، زوّدت ورشات الترميم ب150 شابا، يعمل بمختلف الشركات الأجنبية و50 شابا في مجالات أخرى، كما استطاعت على مدار 10 سنوات، أن تتكفّل مجانا بتكوين أكثر من 400 شابا في مختلف حرف البناء التقليدي والحدادة والخياطة الداخلية للبنايات، كما تجدر الإشارة، أنه تم اعتماد هاته المدرسة من قبل التكوين المهني منذ جانفي 2011. وتتواصل بوسط وهران عمليات ترميم 400 عمارة، ولا يزيد عدد البنيات التي انتهت الأشغال على مستواها أو هي في طريق التسليم بكل من «معطى الحبيب»، «خميستي» و»العربي بن مهيدي» عن ال50 عمارة، تتكفل بها شركات أجنبية من إيطاليا وإسبانيا، في انتظار دخول شركات أجنبية أخرى، حيث سيعلن قبل 15 جانفي عن مناقصة دولية، لانتقاء أحسن العروض، في وقت تسجل فيه بولونيا، إيطاليا، فرنسا، حضورا قويا، مع العلم أن الحصة الأولى المقيدة ب600 عمارة، ترجع إلى العهدة الثانية، لرئيس الجمهورية، من بينها 200 بناية، موزعة ما بين أرزيو ومرسى الكبير، بدائرة عين الترك. الموروث التاريخي.. قيمة مضافة
إن الحفاظ على الطابع المعماري والتخطيطي للمدن القديمة، مبدأ أساسي، يبدأ من إدراك أهمية العلاقة ما بين السياحة ومواقع التراث العمراني كونها من أهم روافد السياحة، في إظهار ثقافة الحضارات لأفراد المجتمعات المختلفة، خاصة وأن وهران استطاعت أن تفتك المرتبة الأولى بين 14 ولاية ساحلية، باستقبالها أزيد من 13 مليون سائح، خلال السنة الجارية 2013، حسب نتائج الاجتماع التقييمي الأخير لوزارة السياحة والصناعات التقليدية، والذي انتظم مؤخرا بالجزائر العاصمة، سيما وأنها تستقبل العديد من الشخصيات في إطار الندوات والملتقيات الوطنية والدولية، وهي من المؤشرات الهامة التي تستدعي إقلاع تنموي رائد، لما يترتب عليه من زيادة في القيمة المضافة للاقتصاد والمجتمع.