يوجد لبنان في منعطف سياسي حاسم وتاريخي، من أجل إنتخاب رئيس جمهورية جديد خلفا لميشال سليمان الذي تنتهي عهدته رسميا يوم 24 ماي القادم. وفي أوّل دورة للاقتراع بمجلس النواب، لم يتوصل الفرقاء لاختيار من هو أهل لهذه المسؤولية الوطنية يسبب انعدام ثلثي الأصوات لأي مرشح في إقتراع سري، والقصد من ذلك الحصول على 86 صوتا من الأعضاء 128، ويتعلق الأمر بسمير جعجع قائد القوات اللبنانية وهنري حلو الذي تبنى ترشيحه وليد خنبلاط، في حين أن ميشال عون التيار الحر فقد انتخب بورقة بيضاء رفقة مجموعة 8 أذار بما في ذلك حزب الله. وينتظر اللّبنانيون جلسة برلمانية "استثنائية" ثانية يوم الأربعاء القادم للفصل النهائي في مسألة إيجاد البديل لسليمان، فما هي أوضاع لبنان السياسية داخليا وخارجيا عشية هذا الإستحقاق الهام، والذي سيقرر مصير البلد ؟ لأول وهلة يتضح جليّا، أن التنافس على أشده بين الخصوم التقليديين في المشهد اللّبناني، التقوا هذه المرّة في فضاء مؤسساتي تشريعي للفصل في منصب حساس جدّا لا يعتليه أي مترشح وفق عملية حسابية عادية، وإنّما يخضع لمنطق آخر يختلف إختلافا جذريا فيما يفكّر فريق 14 آذار وهو الحيازة على القرار السياسي، حتى وإن نجا مرشحهم واستطاع أن يحل محل سليمان ، فإن الإشكال كل الإشكال هو في ما بعد الرّئاسيات ؟ من السابق لأوانه القفز على الأحداث، أو طرح فرضيات سياسية طوباوية، نظرا لسيرورة المستجدّات في هذا البلد التي لا يمكن التنبّؤ بها أو توقعها كون هناك عناصر جديرة بأن تؤخد في الحسبان، راسخة في أذهان كل من الطرفين المتنازعين والمتصارعين عن من يدير دفة الحكم مستقبلا. رهان سياسي بارز يعيشه لبنان في الوقت الحالي إلا أن ميزته الحضارية هو أنّه يجري في إطار منظم منطلقاته التحدّيات القائمة، التي يرغب كل فريق أن يرفعها. نصر الله لا يقبل بجعجع مهما كانت الصبغة أو الآلية التي تفرزه لأنه الشخص الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة ودمجه في استراتيجية الدفاع وهذا موقف الحريري وكل من سار على دربهم ويرفض حزب الله أن يرى هذا الرجل قائدا على البلاد في ظروف كهذه المتسمة بتداعيات الأزمة الأمنية في سوريا.. والتأييد الذي تلقاه المعارضة المسلحة من طرف فريق 14 آذار وقلقها المتزايد من إرسال عناصر من حزب الله إلى سوريا للدفاع عن النظام القائم هناك وقدرة مقاتلي هذا التنظيم في استحداث التوازن في الميدان وأخذ زمام المبادرة العسكرية بطرد المسلحين من العديد من الأماكن التي كانت تحت سيطرتهم، هذا التداخل في ما بين ما هو أمني وسياسي أدى إلى التباعد في الرؤى والمواقف، كانت قاسية أحيانا إلى درجة لا توصف أو بالأحرى بعيدة كل البعد عن المنطق السياسي السائد في هذا البلد، الذي كان دائما يتميز بالتسامح والتعايش والقبول بالآخر مهما تكن الظروف القائمة، لأن الدستور اللّبناني فصل في صيغة التداول على السلطة وفق التركيبة الطبيعية للمجتمع وكل الفرقاء في لبنان لا يطعنون في هذه المرجعيات التي أقرتها أعلى وثيقة في البلاد، يتعاملون معها من زاوية احترام الأسس المبدئية في كيفية تسيير المؤسسات، وكل قواعد اللّعبة السياسية تفرض نفسها ضمن هذا الفضاء الحيوي، وهذا ما نقف عليه اليوم في لبنان، وبخاصة هذا الأربعاء الذي سيكون يوما ساخنا في مسيرة الوطن. وإن كانت ظاهريا العمية السياسية سهلة وشفافة في لبنان، إلا أن خفايا هذا المسار، معقدة جدّا، كل طرف متمسك بتحليله الخاص لمجريات الأوضاع، ويرى مالا يراه الآخر، وللأسف ليس هناك نقاط تقاطع بين الفريقين، ولا نعتقد بأن الأمر هيّن كما يحلو للبعض قوله، إذا أعادنا شريط المواقف منذ إبعاد سعد الحريري من رئاسة الحكمومة بتلك الطريقة التي أثرت فيه كثيرا وما تزال تداعياتها تلاحقه حتى الآن، خاصة باتجاه نصر الله وعون، هذا لا يعني أنّنا بصدد التوجه إلى الإنسداد، بل هناك حلول توافقية حتمية لابد من بلوغها ويعوّل كثيرا في هذا الإطار على حكمة نبيه بري وتعقل جنبلاط ورجاحة القادة الآخرين سواء منهم السياسيين أو العسكريين الذين يعرفون قدر المعرفة ماذا تعني مصلحة البلاد والإستقرار ؟ ومن غرائب الصدف في الرئاسيات اللّبنانية، هو إلتصاقها الوثيق بامتدادات تشكيل حكومة تمام سلام، وما إن شرع هذا الرجل في تأدية مهامه حتى وجد نفسه وجها لوجه مع موعد انتخابي آخر ولم يلمس اللّبنانيون حضور الجهاز التّنفيذي على الواقع وهذه مفارقة عجيبة في حوليات العمل السياسي في لبنان. لذلك فإن الإنتخابات الرئاسية هي محطة أو ممر إجباري بالنسبة للبنانيين لتفادي الفراغ السياسي، الذي طالما عانى منه الناس وهذا كلّه بسبب غياب تقدير التحدّيات الواجب أن يرفعها كل من يشتغل في الحقل السياسي. ويتوقع أن تدخل شخصيات أخرى هذا المعترك لقطع الطريق على جعجع، كونه لا يلقى الإجماع إلا عند فريق 14 آذار زيادة عن ماضيه في الحرب الأهلية سنة 1975 ورفضه لكل تقارب مع فريق 8 أذار مما يصعب من الفرز خلال هذا الحدث وبخاصة حزب الله الذي لا يتنازل قيد أنملة عن رئيس يتفاهم معه.