2 - الصحراء الغربية - دعم الجزائر لقضية الشعب الصحراوي في حقه في تقرير المصير بشكل مبدئي منذ البداية باعتبارها قضية تصفية استعمار. - تأييد كل الجهود الرامية إلى تطبيق مخطط التسوية الأممي بتنظيم استفتاء حر ونزيه لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير المصير، ودعم جهود مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة في هذا الخصوص. - التأكيد على ثبات مواقف الجزائر المبدئية في دعم هذه القضية العادلة وهو ما تضمنته وشددت عليه رسائل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقه في أكثر من مناسبة بكل وضوح وجلاء لا يقبلان أي تأويل آخر. - وفي الأخير نشير إلى أن الجزائر تفرق بجلاء تام لا غبار عليه بين مسألة الصحراء الغربية المندرجة في إطار تصفية الاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها وبين العلاقات الثنائية مع المملكة المغربية الشقيقة.
ثانيا: على مستوى حق الشعوب والأمم في السيطرة على ثرواتها ومقدراتها الوطنية لقد عملت الديبلوماسية الجزائرية منذ فجر الاستقلال واستعادة السيّادة الوطنية وناضلت على جبهات متعددة من أجل تمكين الأمم والشعوب في السيطرة على مقدراتها وثرواتها الوطنية حتى لا يبقى استقلالها السياسي شكليا فقط، وترجمت هذا الموقف عمليا بمعارك التأميم وخاتمتها تأميم البترول في 24 فيفري 1971 ولم يكن الإقدام على هذه المعارك الشرسة بالأمر الهين بل كانت محفوفة بكل المخاطر، وقد كانت عملية التأميم هذه الجريئة والناجحة مثالا اقتدت به دول أخرى مثل العراق وليبيا وغيرها. ولتعزيز المكاسب الوطنية نقلت الجزائر المعركة إلى المستوى الدولي، بداية باستضافتها الدورة الرابعة لحركة عدم الانحياز في شهر سبتمبر 1973 والتي كانت ولاتزال من أنجح قمم هذه الحركة إلى حد الآن، حيث نقلت الحركة نقلة نوعية، بإضافة البعد الاقتصادي في العلاقات الدولية. وعلى ضوء نتائج هذه الدورة وتوصياتها في المجال الاقتصادي، دعت الجزائر إلى عقد الدورة الاستثنائية للجمعية العام للأمم المتّحدة والتي التأمت في شهر أفريل 1974 لدراسة نقطة واحدة من أجل إقامة نظام اقتصادي دولي جديد، برئاسة الجزائر ممثلة في الرئيس الراحل هواري بومدين الذي شخص في خطابه الافتتاحي مكامن الداء والاختلالات الكبيرة في العلاقات الدولية بشكل عام وفي بعدها الاقتصادي بصورة خاصة واقتراح خريطة طريق في سبيل الوصول إلى علاقات دولية أكثر عدلا، وقد صدر عن هذه الدورة الاستثنائية في 1 ماي 1974 وثيقتان في غاية الأهمية وذلك امتدادا لقرارات قمة الجزائر لحركة عدم الانحياز في هذا الخصوص وهما: - إعلان بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد - برنامج عمل من أجل إقامة نظام اقتصادي دولي جديد وانطلاقا من الوثيقتين الهامتين المشار إليهما أعلاه، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 29 ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول خلال قرارها رقم 3281 بتاريخ 12 / 12 / 1974 وقد كانت هذه الدورة، كما هو معروف، برئاسة الجزائر ممثلة في وزير خارجيتها وقتها وهو الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. وكذلك عملت الجزائر على تشجيع كل صيغة ممكنة من أجل تدعيم وتعزيز التعاون جنوب - جنوب ثم الحوار بين الشمال والجنوب، وما تزال الجزائر تناضل في الاتجاه ذاته على عدّة مستويات دولية (الأمم المتّحدة) والمنظمات العالمية في نطاقها، وتحديدا مجموعة 77 التي ترأستها الجزائر مناصفة مع الصين عام 2012، والجهد ذاته مبذول على مستوى المنظمات الاقليمية والدولية الأخرى. ومن باب التذكير، فإن مجموعة 77 التي تعنى بالبعد الاقتصادي في العلاقات الدولية وبالذات بين دول العالم الثالث والعالم المتقدم، قد كان أول اجتماع لها على المستوى الوزاري في الجزائر عام 1967 برئاسة وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة وأثناءه وضعت ميثاقها الذي حمل اسم ميثاق الجزائر وفي الاتجاه ذاته ترأست الجزائر مجموعة التنسيق مع حركة عدم الانحياز على المستوى الوزاري ممثلة بوزير الخارجية رمطان لعمامره وذلك بالموازاة مع اجتماعات الدورة 17 للحركة التي استضافتها الجزائر في 29 ماي 2014، وتم خلال الاجتماع المشترك التأكيد على أهمية مواصلة العمل والجهود لإقامة علاقات دولية جديدة تكون أكثر عدلا وتكافؤا. ثالثا: مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية إن عدم التدخل مبدأ ثابت في المواثيق الدولية وهو الأصل والتدخل استثناء وهذا ما نصت عليه المادة 2 فقرة 6، والفقرة 7 من ميثاق الأممالمتحدة وكذلك توصية الجمعية العامة رقم 2131 بتاريخ 21 / 12 / 1965 بعنوان: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استغلالها وسيادتها. إعلان مبادئ القانون الدولي الصادر بتاريخ 24 / 10 / 1970 الذي نص بالخصوص على أنه ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى والمقصود من هذا ليس التدخل العسكري فقط بل كل أنواع التدخل. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 في دورتها 29 (تعريف العدوان والنص على احترام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية) والأمر ذاته نصّت عليه مواثيق ونصوص مختلف المنظمات الإقليمية والدولية. الجزائر ومبدأ عدم التدخل والموقف من التحولات في فضائها الإقليمي: إن الجزائر زيادة على تمسّكها بما جاء في المواثيق الدولية المشار إليها بخصوص أهمية الالتزام بمبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية (الأممالمتحدة - الجامعة العربية، الإتحاد الإفريقي، منظمة البلدان الإسلامية، إتحاد المغرب العربي وغيرها). فإن هذا المبدأ يعد أحد أهم ركائز سياستها الخارجية، ويعود في خلفيته إلى ميراث الحركة الوطنية وثورة التحرير الوطني، حيث ألزم قادة الثورة أنفسهم بعد التدخل في شؤون الغير وعدم السماح للآخرين، دولا أو منظمات، بالتدخل في الشؤون الداخلية للثورة ولم تكن الأمور سهلة، لكن قيادة الثورة تمكنت برؤية متبصّرة من التوفيق بين المعادلات الصعبة وجعل الثورة في منأى عن تدخل الآخرين في شؤونها أو إقحام نفسها في شأن الآخرين، كان للجزائر بصمتها المميزة في توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 29 لعام 1974 الموسومة بتعريف العدوان، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقد ترأست الجزائر هذه الدورة ممثلة في شخص رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بصفته وزير الخارجية وقتها، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه. وانطلاقا مما سبق، فإن الجزائر تمسكت على الدوام ولاتزال باحترام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لأنها تدرك جيدا نتائج التدخل الخارجي وقد أعطاها الوقت الحق وأثبت صحة رؤيتها الاستشرافية بخصوص ما جرى وما يجري في بعض الدول، ليبيا، سوريا، مالي على سبيل المثال، حيث رفضت التدخل في شؤون هذه الدول وأكدت أن أي تغيير هو من صلاحيات كل شعب وفقا لمصالحه وأوضاعه، ودعت دوما إلى أهمية التفاهم بين كل الفرقاء السياسيين في هذا البلد أو ذاك سواء في المعارضة أو الحكم، وترك الأمر للشعب لتقرير ما يراه مناسبا، وفضلت اتباع الحوار والحلول السياسية، وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهبت إليه الجزائر، وما بذلته من جهود في هذا الشأن، وإصرار الجزائر على ضرورة احترام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ليس من باب الترف الفكري وإنما لكونه يضمن للدول الحماية من الضغوطات الخارجية بكل صورها وأشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها مما يتيح لها المجال لتدعيم الأمن والاستقرار ومن ثم ينعكس ذلك بشكل إيجابي على حفظ الأمن والسلم الدوليين، لأن عكسه -أي التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت أي ذريعة - له تداعيات سلبية وكارثيه في أغلب الأحوال، ليس فقط على مستوى النسيج الاجتماعي والسياسي للبلد المعني، بل لما له من تداعيات وتهديدات، لاسيما تلك التي تعني الفضاء الجيوسياسي الذي يمثل خط التماس مع الجزائر مباشرة، على سبيل المثال الوضع في ليبيا ومالي كما تم ذكره سابقا. الخلاصة مما سبق عرضه وإجابة على الإشكالية الرئيسية يمكن القول، إن أداء الدبلوماسية الجزائرية كان وما يزال منسجما مع مبادئ السياسة الخارجية المحددة ووفقا للدور الذي تصورته وتتصوره الجزائر لنفسها ضمن بيئتها الإقليمية والدولية في ما يتصل بالموقف المساند لقضايا التحرر في العالم وحقوق الشعوب في تقرير المصير، انطلاقا من مبادئ سياسة البلاد الخارجية المستندة إلى ميراث الحركة الوطنية العريق ومبادئ ثورة أول نوفمبر المجيدة، ضمن مبدإ ثابت لا يخضع للمساومة أو الكيل بمكيالين أو للحسابات الظرفية ومثال ذلك هو مساندة الجزائر لقضية تيمور الشرقية رغم العلاقات الممتازة مع الدولة المعنية بهذه القضية وهي أندونيسيا. ومن يراهن على سياسة ربح الوقت لعل الجزائر تغير موقفها المساند والداعم لقضايا التحرر مثل قضية الصحراء الغربية وقضية فلسطين مثلا، فهو واهم وسيطول انتظاره، وإصرار الجزائر على احترام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي بذلك قد سعت وتسعى لحماية سيادتها وتكريس استقرارها في محيط هادر على مستوى كل حدودها التي تصل إلى 7388 كلم وهو ما يتطلب إمكانات كبيرة وقدرات جبارة للقيام بما يلزم، لتأمين حدودها وسلامة ترابها الوطني والقيام في الوقت ذاته بجهود كبيرة مع محيطها للمساعدة على إعادة الأمن وحل معضلات أغلب دول الجوار (مغرب - ساحل)، ومن هنا فإن التوفيق بين المصلحة الوطنية والمبادئ التي تحكم السياسة الخارجية ليس بالأمر الهين، إنما يحتاج إلى خبرة كبيرة ورزانة وحكمة، لاسيما في ظل التحولات المتسارعة التي تعود إلى جملة مركبة من الأسباب الداخلية والأبعاد الإقليمية والدولية، وقد سعت الدبلوماسية بقيادة الرئيس بوتفليقة بعد جهود، فك العزلة التي فرضت على الجزائر خلال العشرية السوداء وما ترتب عنها لاستعادة مكانة الجزائر الإقليمية والدولية وممارسة دورها المحوري على مختلف الأصعدة والذي تأكد للجميع عدم إمكانية تجاوزه، خاصة منذ تفجر العديد من الأزمات الدولية، لاسيما تلك المحيطة بها من كل الاتجاهات وذلك بالقدرة على تقديم المبادرات والاقتراحات لتعزيز السلم والأمن في فضائها الجيوسياسي وانتمائها الحضاري وفي العالم، والتعامل مع مختلف التطورات والأزمات بمقاربة سياسية واضحة ومتأنية وواعية تماما بمخرجاتها، لأنه ليس المهم السبق في اتخاذ هذا الموقف أو ذاك وإنما العبرة والحكمة في مدى صواب المواقف وانسجامها مع أحكام القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة والمصالح الوطنية العليا. وقد أثبتت الأيام صحة مقاربتها بخصوص ما جرى ويجري في فضائها الجيوسياسي، سواء في مالي أو في ليبيا أو في غيرهما، وتحذيرها المسبق من مغبة التدخلات العسكرية الأجنبية، وما ينجر عنها من كوارث وإرهاب ومخدرات وجرائم عابرة للحدود مما يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وهو وضع أصبح ظاهرا للجميع الآن، لكن صانع القرار في الجزائر قد أدركه واستشرف مخاطره في وقت مبكر وحذر من تداعياته. كما ثبت للقوى الدولية التي غلّبت لغة السلاح لحسابات تخصها صحة ما نادت به الجزائر وهو ضرورة انتهاج أسلوب معالجة الأزمات بالطرق الدبلوماسية ولغة الحوار دون أي تدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد أو ذاك، والتأكيد على أهمية تكفل دول الإقليم المعنية بمعالجة أزماتها ومشاكلها، لأنها أدرى بها وبتعقيداتها من غيرها. وبهذه الرؤية الواضحة تؤكد في الوقت نفسه، على ضرورة التعاون مع القوى الدولية على أساس المصالح المشتركة، وبالقدر ذاته ترفض تدخل هذه القوى في شؤون الدول الأخرى تحت أي ذريعة وعليه نخلص إلى القول بالدليل إن دور الجزائر الإقليمي محوري وقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يمكن تجاوزه في معالجة القضايا الإقليمية، وأن محاولة بعض الأطراف المتكئة إلى قوى دولية للعب دور إقليمي مناوئ للجزائر لم يكتب لها النجاح ولن يكتب لها ذلك. وتأكد لدى جميع الأطراف الدولية المهمة والمؤثرة أهمية دور الجزائر في معالجة الكثير من القضايا، مثل الأزمات التي تمر بها بعض الدول المجاورة وغيرها... وتداعيات ذلك من تهريب للأسلحة والمخدرات وتهديد للأمن والسلم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدم التدخل في الشؤون الداخلية لا يعني اللامبالاة والوقوف موقف المتفرج، بدليل أن الجزائر الواعية بمسؤولياتها الوطنية والتزاماتها الإقليمية والدولية تبذل قصارى جهودها في تقديم كل أشكال المساعدات لدول الجوار، سواء بمرافقة التحول الجاري في تونس أو قيادة مسار الوساطة في المفاوضات بين الفرقاء في مالي المنتظر - رغم صعوبة المهمة - أن تكلل بالنجاح لإحلال السلم وتحقيق المصالحة الوطنية في مالي هذا البلد الجار، وكذلك بذل الجهد اللازم للعب دور المسهل لجمع الإخوة في ليبيا واستضافتهم في الجزائر على مائدة الحوار دون إقصاء - باستثناء المنظمات الموسومة أمميا بالإرهاب - بغرض التوصل إلى حلول توافقية تنهي الأزمة المعقدة التي في هذا البلد الشقيق، انطلاقا من أن الجزائر تتعامل مع أزمات دول الجوار بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المعنية في داخل هذه الدول، وهذا ما أكسبها مصداقية لدى كل الفرقاء المتنازعين للعب دور أساسي في هذا المجال. وما يؤكد مرة أخرى على مصداقية وصواب مواقف الجزائر تجاه مختلف القضايا والتحولات والازمات الاقليمية وغيرها، هو تلك الإشادة الدولية المهمة التي حظيت بها مقارباتها لما جرى ويجري في منطقة المغرب والساحل وغيرها أثناء انعقاد الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية السنة الماضية 2014. وفي الأخير نشير إلى أنه أمام التطورات والمستجدات المتسارعة في ظل هيمنة القطب الواحد على مسار العلاقات الدولية وبروز تحديات كبيرة للمجموعة الدولية كالإرهاب والتغيرات المناخية والبيئة والجرائم العابرة للحدود وعودة التدخلات العسكرية السافرة في شؤون الدول، فإن الدبلوماسية الجزائرية تبذل قصارى الجهود للتكيف وابتكار أساليب عمل متجددة للتعاطي مع هذه التحديات وغيرها، بالتركيز على تنمية الموارد البشرية بالإعداد الجيد للدبلوماسيين وإطارات كل الجهات المعنية للتحكم في تكنولوجيات العمل الجديدة ووسائط التواصل الاجتماعي وغيرها لتحسين أداء الدبلوماسية نحو الأفضل من منطلق التمسك بالمبادئ والمرونة في التطبيق لما تستوجبه الظروف والتطورات بوعي تام لمسؤوليات الجزائر الوطنية والتزاماتها الإقليمية والدولية، وقد تم الاحتفال السنة الماضية 2014 بيوم الدبلوماسية الجزائرية تحت شعار التواصل بين أجيال الدبلوماسيين الجزائريين لخدمة الجزائر والسلم في العالم. «انتهى»