* تقرير مصير الشعوب.. مبدأ لا يتغير في الديبلوماسية الجزائرية * محاربة الإرهاب وعدم التدخل في شؤون الدول.. مبدأ آخر لا ينكسر * الجزائر تجدّد الدماء لحركة عدم الإنحياز * إشادة دولية بدور الجزائر في تعزيز الأمن والاستقرار والسلم شهد العدو قبل الصديق على براعة الديبلوماسية الجزائرية، وثقلها الدولي وتوازن مواقفها وثباتها مع المواقف العادلة في العالم وحرية تقرير مصير الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لذلك، اكتسبت احترام كل العالم وأصبحت مدرسة في تعاملها مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية حيث يتم استشارتها حتى من طرف الدول العظمى، وهذا انطلاقا من نظرتها الثاقبة والواقعية للملفات بعيدا عن البرغماتية، ولعل الإنتصار الباهر للديبلوماسية الجزائرية هو ذلك الإنتصار على الاستعمار الفرنسي الذي تزامن مع الإنتصارات الميدانية للثورة التحريرية، أكبر دليل على براعتها حيث أرهقت الجزائر في مفاوضات إيفيان الجانب الفرنسي وأرغمته على الرضوخ لمطالب الجزائريين الذين افتكوا الاستقلال بقوة السلاح في معركة الميدان وقوة وحنكة المفاوضين الجزائريين في المحافل الدولية التي توجت بتدويل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة، والتي كانت تمثل صفعة قوية للمستعمر الفرنسي ولكل لمن تآمر على الجزائر وكان تاريخ 5 جويلية 1962 يوم ميلاد للشعب الجزائري بعدما دفع فاتورة غالية كانت تكلفتها مليون ونصف مليون شهيد من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة. وقد قسم العديد من المتتبعين مسار الديبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال إلى عهدين ذهبيين، الأول منذ الاستقلال حتى نهاية السبعينيات، والثاني مرحلة ما بعد خروج الجزائر من عزلتها الدولية في السنوات العشر الأخيرة ، وانتصارها في معركة الموت أمام آلة الإرهاب الدموية، والمسجل في كل هذا هو ثبات السياسة الخارجية الجزائرية على مبادئها، وعدم تغيرها بتغير قيادات البلاد. العصر الذهبي للديبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال إن انضمام الجزائر إلى منظمة الأمم المتحدة مباشرة بعد الاستقلال عام 1962 لم يكن سهلا بل سبقته معركة ديبلوماسية كبيرة مع المستعمر الفرنسي، وأن دبلوماسية الجزائر حقّقت آنذاك نصرا كبيرا، بفضل وقوفها مع القضايا العادلة ، كانت هذه العبارة شهادة تاريخية من رئيس الحكومة السابق، رضا مالك، دليل على صعوبة المأمورية التي كانت تواجهها الديبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية لولا حنكة ديبلوماسييها ورجالها، وقال الديبلوماسي المحنك، إنه وبالموازاة مع الكفاح المسلح الذي اندلع في 1 نوفمبر 1954، كان لابد على الجزائر من خوض معركة ديبلوماسية للتعريف بالقضية الجزائرية عبر مختلف المنابر الدولية، وذكر أنه تم لأول مرة إدراج القضية الجزائرية على مستوى الأمم المتحدة سنة 1955 بالرغم من المعارضة القوية للاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر الحديث عن الجزائر في المنظمة الأممية بمثابة تدخل سافر في شؤون فرنسا الداخلية، كما اعترف المتحدث في أحد تصريحاته السابقة أن القضية الجزائرية استطاعت، بفضل نضالات أبنائها، أن تستقطب تعاطف وتضامن العديد من البلدان في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، رغم نفوذ وهيمنة القوى الكبرى على بعض قرارات الأمم المتحدة. ويشيد جل المتتبعين للشأن الجزائري أن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، الدبلوماسي المحنك والمعترف باقتداره، أعطى للدبلوماسية الجزائرية دفعا قويا خلال أزيد من عقد من الزمن، ما أدى إلى نجاحات عظيمة بما في ذلك توطيد الصفوف العربية خلال قمة الخرطوم سنة 1967، ثم إبان حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، والإعتراف الدولي للحدود الجزائرية وإقامة علاقات حسن الجوار والأخوة مع البلدان المجاورة وكذلك إفشال الحصار الذي فُرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات، كما قام بدور كبير في تقوية تأثير منظمات العالم الثالث وتعزيز عملها الموحّد، خاصة بمناسبة انعقاد قمتي منظمة ال77 ومنظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر في 1967 و1968 على التوالي، كما جعل من الجزائر أحد رواد حركة عدم الإنحياز ودافع باستمرار عن حركات التحرر في العالم، وبفضل هذه الجهود، أصبحت الجزائر الناطق باسم العالم الثالث، لاسيما في ندائها بنظام اقتصادي دولي جديد، وقد انتخب عبد العزيز بوتفليقة بالإجماع رئيسا للدورة التاسعة والعشرين لجمعية الأمم المتحدة سنة 1974 ونجح خلال عهدته في إقصاء إفريقيا الجنوبية بسبب سياسة التمييز العنصري التي كان ينتهجها النظام آنذاك، ومكّن رغم مختلف المعارضات، الفقيد ياسر عرفات، زعيم حركة التحرير الفلسطينية من إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ترأس الدورة الاستثنائية السابعة المخصّصة للطاقة والمواد الأولية التي كانت الجزائر من بين المنادين لانعقادها. تقرير مصير الشعوب.. مبدأ لا يتغير في الديبلوماسية الجزائرية لم تتراجع الجزائر قط عن مواقفها الثابتة حتى عندما كانت في عز أزمتها الأمنية وعزلتها الدولية تجاه القضايا العادلة في العالم، حيث أعربت في كل مناسبة متاحة عن موقفها الراسخ بشأن تأسيس دولة فلسطينية موحّدة وعاصمتها القدس الشريف، حيث أعلنت عن قيام الدولة الفلسطينية في الجزائر في 15 نوفمبر سنة 1988، فضلا عن دفاعها عن القضية الصحراوية العادلة التي رافعت الجزائر في كل مرة عن أحقية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاستقلال من الاحتلال المغربي، ولم يكن ما تقوم به الديبلوماسية الجزائرية مجرد كلام بل أفعال ونشاط دؤوب من أجل تحقيق الحرية للشعوب. وكان للجزائر أثناء العدوان الهمجي الأخير على غزة، موقف شجاع وفي وقت التزمت فيه عدة دول الصمت المريب على دموية الكيان الصهيوني الذي أودى بحياة 1400 شهيد، فقد أبانت الجزائر، منذ بدء الاعتداءات على قطاع غزة، عبر كامل قنواتها الرسمية إدانة شديدة مرفوقة بدعوة المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف الاعتداءات، وأدانت بشدة المحرقة الإسرائيلية وكانت سبّاقة لإيفاد المساعدات التي وجدت في الحدود المصرية حاجزا لها، كما أعلنت دعما غير مشروط لأي مبادرة من شأنها وقف عدوان الكيان الصهيوني. ويتجسّد تضامن الجزائر بهذا الشكل المطلق مع الشعب الفلسطيني الأعزل في جميع ظروفه المأساوية، مما يؤكد دائما استعداد الجزائر التام لتقديم كل الدعم الممكن للتخفيف من معاناته وآلامه، فموقف الجزائر تعدى الإدانة والدعم المعنوي إلى الدعم المادي، وذلك عندما قرر رئيس الجمهورية فتح خط جوي بين الجزائر والعريش، لتوفير كل ما يحتاجه الفلسطينيون بغض النظر عن اصطدام هذه الإعانات بعامل المعابر المغلقة، وسمحت بخروج الشعب الجزائري في مسيرات سلمية وعفوية جلبت إليها مئات الآلاف من كل فئات الشعب، للتعبير عن رفضه المطلق وتنديده بهمجية الكيان الصهيوني، كما أن الجزائر كانت حاضرة في اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في طرابلس واجتماع الدوحة الذي خصص للعدوان على غزة، كما لم تتخلف في انتقاد المواقف المخزية لعدد من الدول، كما فعلت مع موقف الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبي من الهجمة الإسرائيلية ضد غزة، واصفة إياه بأنه يساوي بين الضحية والجلاّد. وبقيت الجزائر، وعلى مر الزمن، مع موقفها الثابت من القضية الفلسطينية بشهادة الإخوة الفلسطينيين أنفسهم، حيث أن مواقف الجزائر المتجدّدة من القضية الفلسطينية ليست وليدة اللحظة، بل تأتي في سياق مواقفها التاريخية السابقة، من بينها تأكيدات الرئيس بوتفليقة الصريحة، في عدة مناسبات أن إسرائيل تحترف قتل وتجويع وحصار الشعب الفلسطيني وممارسة إرهاب الدولة، وهو الذي قال في كلمة وجّهها للمشاركين في المؤتمر الرابع للمجالس الوطنية العربية لحقوق الإنسان، والذي دعا فيه إلى استعادة الحق في تقرير مصير الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة والإنسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية. محاربة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. مبدأ آخر لا ينكسر رغم محاولات العديد من الدول الكبرى جر الجزائر إلى لعب أدوار ريادية في المنطقة من خلال السماح لجيشها في المشاركة لإعادة الاستقرار للوضع المتأزم في دول الجوار والمنطقة، إلا أن موقف الجزائر كان دائما ثابتا لا يتغير وهو عدم إشراك جيشها في أي عمل عسكري خارج حدودها الإقليمية، وهو المبدأ الذي لايزال راسخا في عقيدة الديبلوماسية الجزائرية من منطلق عدم التدخل في الشؤون الخارجية للدول، خاصة بعد تغلبها في معركة الإرهاب معلنة أن الدولة الجزائرية صامدة بشعبها وجيشها ورجالها لحماية هذا الوطن، كل هذا جعل الجزائر شريكا لا يمكن الاستغناء عنه في المفاوضات الدولية، فمند سنة 2000، كما يرى العديد من المتتبعين والمختصين، حضرت خمس مرات في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، نذكر منها قمة الألفية، المنعقدة في سبتمبر 2000 والقمة الدولية في سنة 2005 المخصصة لإصلاح هيئة الأمم المتحدة، كما انتخبت الجزائر عضوا في مجلس الأمن في سنة 2003، فكان ذلك تكريسا لاستعادة الجزائر مكانتها على الساحة الدولية ونوعا من الإعتراف بمساهمتها الفعّالة في مسار الإصلاح الجاري حاليا، لمنظمة الأمم المتحدة والذي تتمثل أولى مراحله في إنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة لتعزيز السلم وضبط إستراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب عبر العالم، ولم تنفك الجزائر عن المطالبة بضرورة إبرام اتفاقية دولية شاملة بخصوص قضية الإرهاب ولقد ساهمت بفعالية كبيرة، في إطار المنتدى المتوسطي لحث الدول المشاركة فيه على تبني موقف موحّد ضد الإرهاب، كما دعت، أيضا، إلى إبرام عدد من الاتفاقيات للوقاية من الإرهاب ولمكافحته على الصعيد الإفريقي والعربي والإسلامي، ولقد تُوجت تلك الجهود بتأسيس المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب CAERT ومقره الجزائر العاصمة، وقد تبنى مجلس الأمن مؤخرا موقف الجزائر فيما يخص دفع وتجريم دفع أو جمع الأموال بصفة مباشرة أو غير مباشرة وقد رافعت الجزائر في الكثير من المرات ضد دفع الفدية لخطورة هذه الظاهرة التي أضحت أول مصدر لتمويل العمليات الإرهابية عبر العالم، وبهذا، يلزم القرار الدول الأعضاء بقمع تمويل مثل هذه التصرفات. هكذا ساهمت الجزائر في ترسيخ مبادئ السلم والأمن عبر العالم لعل من بين التسويات الكبيرة التي خاضتها الديبوماسية الجزائرية على الصعيد الدولي، ما يعرف بأزمة الرهائن في إيران سنة 74 19، وكانت الجزائر الواسطة التي خفّفت الأزمة بين طهران وواشنطن، ويعد حل مثل هذه الأزمة معطى إيجابي لقيام الجزائر انطلاقا من قناعاتها الثابتة في ترسيخ قيم التسامح في العالم ككل، لذلك كانت أهلا لثقة الجميع، وكانت أيضا حلحلة أزمة الحرب العراقية - الإيرانية بمثابة خطوة أخرى تؤكد دور الجزائر في ترسيخ ثقافة الاستقرار بين الدول، والتي كانت في سنة 1975 والتي ساهمت في توقيف الحرب بين البلدين الجارين، رغم أن الجزائر تراجعت في نشطاتها الخارجية على خلفية الأزمة الأمنية التي كانت تعيشها خلال فترة التسعينيات، إلا أنها عادت بقوة في سنة 2001 مع اتفاق السلام التاريخي بين إرتيريا وإثيوبيا بعد سنوات من الحرب بين البلدين الجارين، وكانت لحنكة الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، الأثر البارز في هذا الاتفاق باعتباره أحد المهندسين، واستطاع هذا الاتفاق وضع حد لحرب استمرت أكثر من عامين والتي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأسفرت عن نزوح 3.1 مليون شخص. وتعتبر إشادة مجلس الأمن الأخيرة أكبر دليل على نجاح الديبلوماسية الجزائرية التي استعادت مكانتها الإقليمية والدولية، الذي أثنى على جهود الجزائر من أجل إعادة إرساء السلم والأمن في البلد سيما في شمال مالي في لائحته 2164 المتعلقة بالوضع السائد في مالي، لاسيما تمديد عهدة بعثة الأمم المتحدة إلى مالي (مينوسما) إلى 30 جوان 2015 حيث نوه مجلس الأمن بالجهود الدائمة التي تبذلها الجزائر من أجل عودة السلم في شمال البلد. وتشيد اللائحة الأممية، على وجه الخصوص، بالعمل الذي تباشره الجزائر للمساهمة في إطلاق مفاوضات ذات مصداقية دون إقصاء وتذكّر بالجهود التي يبذلها كل الفاعلين الإقليميين والدوليين لمساعدة الحركات بشمال مالي على مباشرة حوار شامل مع الحكومة لإرساء سلم مستدام في هذا الجزء من مالي، وأعرب مجلس الأمن الأممي عن ارتياحه لجهود الجزائر في سعيها لتحقيق السلم والأمن ومساعدة ودعم الأطراف المالية على مسار الحوار الشامل من أجل مصالحة وطنية بين كل الماليين. الجزائر تجدّد الدماء لحركة عدم الإنحياز جدّدت الجزائر الدماء في حركة عدم الإنحياز التي تأسّست سنة 1955، كموقف مناهض للصراع الكبير بين الغرب والشرق، اليوم بمبادئ جديدة أعادت للحركة مكانتها بين الدول خاصة بعدما أثير جدل عن مدى جدوى قيامها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي سنة 1989، وبروز الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، حركة عدم الإنحياز في ندوة الجزائر ال17 هذا العام، والذي حضره 80 وزيرا للخارجية وممثلا عن دول الأعضاء الحركة، تم الاتفاق والمصادقة على الأهداف والأجندة الجديدة للحركة في الجلسة الختامية، حيث قال وزير الخارجية، رمضان لعمامرة، إن مؤتمر الجزائر يجدّد إسهام دول حركة عدم الإنحياز في الأهداف الجديدة لأجندة التنمية لما بعد 2015، كما أكد على تمسك الحركة بهدفها المركزي المتمثل في نزع السلاح الشامل والتام وضرورة إيجاد آلية قانونية حول نزع السلاح النووي، في ظل الإحترام الصارم لحق كافة الدول في الاستخدام السلمي للذرة، وقال أيضا إنه يتعين على دولنا تعزيز المجهودات، لتنفيذ برامج الإصلاح الكبيرة والرامية إلى إقامة دولة القانون . الاتحاد الإفريقي يشيد بدور الجزائر في تعزيز الأمن في القارة وقد أشاد الاتحاد الإفريقي بأهمية دور الجزائر في تعزيز السلم والأمن بمنطقة الساحل وفي القارة، مؤكدا أن الجزائر بلد هام في منطقة الساحل والقارة الإفريقية، ويلعب دورا كبيرا في تعزيز السلم والاستقرار بهذه المنطقة، موضحا أن الجزائر تتعاون مع مختلف البلدان على الصعيد الثنائي لصالح التنمية الإقليمية وتساهم، إلى جانب المجموعة الدولية، في مساعدة ودعم الحلول للأزمات الإقليمية بما فيها الأزمة المالية على التوجّه نحو المصالحة الوطنية، وأضاف أن للجزائر دور هام تلعبه لضمان استقرار مالي على المدى الطويل والساحل.