أعطى عمار معمري، عضو جيش التحرير الوطني، نظرة تحليلية لما جرى في 20 أوت 1955، متوقفا عند أدق التفاصيل والمحطات التي يراها مرجعية في نقل للأجيال حقائق الأشياء ومسلماتها دون القفز عن الجزئيات. وقال معمري، وهو عضو جمعية «المالغ» أيضا، إن هذه الجزئيات تنير الرأي العام وتطلعه بحيثيات هجوم الشمال القسنطيني، وتجيب على كل أسئلة تخص من حضر له وكيف تمكن من تجنيد مختلف فئات الشعب الجزائري مطيقا بدهاء وعبقرية مقولة بن مهيدي «ارموا الثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب». وقد حصل هذا بالذات وكشف بحق عبقرية زيغود يوسف مهندس الهجوم معطيا للثورة دما ونفسا جديدين هي في أمسّ الحاجة إليهما. من منبر «ضيف الشعب» راح المجاهد يسرد كيفية التحاقه بالثورة والوظائف والمهام التي أسندت إليه في منطقة قسنطينة بالولاية التاريخية الثانية. وقال المتحدث أن زيغود يوسف ببساطته طبق إستراتيجية عسكرية محكمة عندما خطط لهجوم 20 أوت 1955 وهي إستراتيجية تدرس في كبريات المعاهد الحربية والأكاديميات العسكرية. وتكمن هذه الإستراتيجية في توسيع رقعة الثورة وتمديدها إلى ربوع الجزائر لإظهار للمستعمر شمولية العمل المسلح وحنكة قيادته وقدرتها على إدارة المعارك في أي موقع لا يخطر على بال عساكر الاستعمار الذين ظنوا أن محاصرتهم للأوراس الأشم يخمد الثورة في مهدها ويقلعها من أسسها تماما مثلما حصل مع الخطط المعتمدة في إجهاض مختلف المقاومات الشعبية والمنظمة قبل اندلاع شرارة نوفمبر. لكن هذا الطرح لم يكن واقعيا لدى المستعمر الذي فاجأه هجوم 20 أوت وأبقاه أسير الأوهام والارتباك، ولم تعد قوات العدو المستعمر تدرك ما العمل في مواجهة هذا المد الثوري الذي هز الشمال القسنطيني وأوصل القضية الجزائرية إلى منبر الأممالمتحدة. «كنت في قسنطينة لما وقع هجوم 20 أوت، ورأيت كيف كانت عساكر الاحتلال الفرنسي تجري في كل اتجاه مذعورة وعناصر الشرطة والدرك في مفر نحو الثكنات لم تعد تدرك ما أصابها. وما بقي من خونة مجندين في صف المستعمر، بالشوارع قضي عليهم من الثوار والشعب المتلاحم معهم المندمج في خطتهم التي غيرت مجرى التاريخ وكانت المنعطف الحاسم للمسار التحرري في الجزائر على الإطلاق». هكذا قال عمار معمري، وهو يدلي بشهادة ما عاشه بمدينة الجسور المعلقة. وأضاف: «لقد أنهى هجوم 20 أوت حالة التردد لدى عامة الناس، وأقنعها بأن الثورة سائرة في الطريق السوي لبلوغ ما خططت له في بيان نوفمبر. وما أعلنته في مناشير وزعت تعرف بأهدافها، غاياتها والوسائل المعتمدة خيارا واحدا وحيدا من أجل استعادة السيادة والوطن المحتل وإنهاء أكاذيب ما رددته فرنسا الاستعمارية في مغالطة الرأي العام والأمم بمزاعم عدم وجود أمة جزائرية في التاريخ البشري. وبأن ما جاءت به من أجناس أوروبية وغير أوروبية هي لأرض لا يسكنها شعب.» فقد أعطى هجوم 20 اوت أجوبة لما ظل ينتظره الشعب ومد جسور اتصال وتواصل مع مكونات الشعب الذي يسمع الكثير منه بقادة الثورة ومفجري الكفاح المسلح لكن لم يلقيهم ويعمل معهم مباشرة دون وساطة. كما أعطى الهجوم إجابة للتنظيمات السياسية والأحزاب الذي كانت تنتظر ما يجب فعله وتتساءل كيف السبيل للانخراط في الثورة. هجوم الشمال القسنطيني هو مرحلة ثانية من حياة الثورة التحريرية التي خطت بثبات مخططات المستعمر وأفشلت حساباته وأظهرت بحق أنها ثورة شعبية تعم كافة أرجاء البلاد. بل الأكثر أن لقادتها إستراتيجية عسكرية غايتها خوض معارك مع العدو في الأمكنة التي تريدها وتقهره بأسلحتها البسيطة لكن أكثر فعالية وفعلية، ولا تكتفي بحرب العصابات فقط. ظهر هذا جليا للعدو رغم استشهاد العديد من مفجري الثورة كديدوش مراد، قائد المنطقة الثانية، أو اعتقال بعضهم من أمثال مصطفى بن بولعيد ورابح بيطاط وغيرهم. هذا المد الثوري الذي كسب قوة وانتشارا أوصل القضية الجزائرية إلى منبر الأممالمتحدة، وكسبت التأييد في منابر كثيرة منها «باندونغ» في أفريل 1955، وانتصرت بذلك الدبلوماسية الجزائرية على فرنسا وقواتها العسكرية التي قيل أنها لا تهزم.