أعطى الدكتور إسماعيل دبش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، قراءته في الاعتداء الإرهابي بباماكو متوقفا عند خلفياته، أبعاده وانعكاساته على التسوية السياسية شمال البلاد. وقال د. دبش في تصريح ل «الشعب»: «المبدأ العام، ما يحدث من إرهاب وعمليات إرهابية لسنوات هو داخل المحيط الجيوسياسي للعالم الإسلامي، والساحل يشكل 70 من المائة من سكانه الأفارقة من مالي إلى نيجيريا، مرورا ببوركينا فاسو ودول أخرى». وأضاف د.دبش، أن ما حدث يدخل كذلك ضمن استقرار الوضع في العالم الإسلامي ككل. الآن التوقيت أن العملية أتت عقب تضاعف التوتر في ليبيا وتضاعف الحل السياسي فيها وتضاعف الحل السياسي شمال مالي بإرادة إقليمية. انعكاسات لما حدث في بماكو سيؤثر سلبا على مسار الحل السياسي شمال مالي. وهذا الحل، بحسب المحلل السياسي، لا ينسجم أصلا مع التوجهات الدولية في المنطقة لهذا تتحمل أطراف عربية إقليمية ودولية سياسة إدارة مكافحة الإرهاب، سواء في الساحل الإفريقي مالي بالأخص، نيجيريا أو ليبيا وسوريا وإفرازات السياسة الغربية ككل في الإرهاب الذي تم بباريس. توقف أستاذ العلوم السياسية عند هذه النقطة، معطيا لها قراءة استشرافية تحليلية قائلا في هذا المقام: «هنا نتوجه كمحللين إلى أن محاربة الإرهاب يجب أن يكون لها سياسة واضحة ثابتة ومحددة المعالم. فرنسا من الدول التي فشلت في إدارة هذا الملف. بل بالعكس في احتواء الإرهاب. فالتصعيد الفرنسي ضد السياسة الروسية في سوريا دفع بالإرهابيين والمرتزقة الممولين رسميا من الدول الغربية من خلال الدعم المالي والسياسي المصادق عليه من طرف البرلمانات الغربية. وتحدث دبش عن اختلال السياسة الغربية والفرنسية تحديدا وتناقضاتها في مكافحة الإرهاب بالقول: «الغموض الثاني من طرف فرنسا والدول الغربية، يكمن في سياسة دفع الفدية وما تمثله من اختراق فظيع للوائح والقرارات؛ بمعنى أدق أنه بغض النظر عن الخسائر البشرية فإن إفرازات العمل الإرهابي الأخير يعزز استراتيجية التأثير الدولي في الدول المعنية بالإرهاب، خاصة تلك التي لها مصادر وموارد مالية ريعية قوية». وهنا يفسر التعامل الفرنسي في مالي من خلال التواجد العسكري القوي والاقتصادي الكبير بشمال البلد الإفريقي، منها تومبوكتو، كيدال وغاو. وهو تواجد أبعد بصفة تلقائية القوى الدولية المنافسة هناك للاستثمار في البترول، النحاس، الذهب، اليورانيوم والمعادن النادرة. في هذه الرؤية والخارطة الجيوسياسية والاستراتيجية، فإن اليد العليا هي الآن لفرنسا بالمنطقة، وأية تسوية بين الحكومة المركزية المالية والمتمردين والإرهابيين أو بين سكان شمال مالي، ستؤثر سلبا على الاستراتيجية الفرنسية بالمنطقة. وبمعنى آخر، فإن أي فشل للحل السياسي يخدم المصالح الفرنسية بالدرجة الأولىة بمعنى أكثر وضوحا أن أي حل سياسي يتمشى والمنظور الإقليمي، لا يخدم السياسة الفرنسية بالمنطقة، لأن هذا المنظور الإقليمي يعتمد تعدد الشراكة الدولية والاقتصادية هناك، خاصة في التعامل مع قوى أخرى بالمنطقة كالصين، روسيا والهند على سبيل المثال لا الحصر. هنا يجب التمييز، بحسب الدكتور دبش، بين مصالح الشركات الاقتصادية العالمية، بما فيها الفرنسية، والحكومات الغربية التي قد تكون لها مواقف ليست متباينة متباعدة مع الدول الإقليمية. لكن عندما نأتي للشركات العالمية الاقتصادية، فهذه الأخيرة قد تتخذ مسارات تتباين وحكوماتها. وهنا يفسر الإرهاب في مالي وغيره من المناطق. وقد عشنا ذلك في محاولة الرئيس فرانسوا هولاند تطبيق سياسة مالية تفرض ضرائب أكثر على الشركات الاقتصادية بفرنسا، أو على الذين لهم رؤوس أموال وفيرة، لكن لم يستطع تطبيق ذلك لأن هذه الشركات ردّت عليه أنه في حال مضاعفة الضرائب فإنها ستنقل استثماراتها خارج فرنسا. وهو نفس الموقف الذي أبداه أصحاب رؤوس الأموال. عن مساعي الجزائر التي تتولى مهام متابعة تطبيق اتفاق السلم والمصالحة بمالي، أكد الدكتور دبش أن المنظور الجزائري للأرهاب أثبت سداده؛ بمعنى تحديد مصدر واحد وبعد واحد للإرهاب. تحديد اتفاق دولي على مفهوم موحد للإرهاب لا يسمح بأية فجوة وانتقائية ومطاطية تستعمل وفق المصلحة والنفوذ. هذا مطلب رافعت من أجله الجزائر عبر مختلف القمم والدوائر، حتى بأعلى هيئة أممية. لكن تحديد مصطلح الإرهاب ومفهومه سيؤثر سلبا على الاستراتيجية المنتهجة من قوى لها مصلحة في بقاء الوضع في مالي يراوح مكانه ومسارات التسوية السلمية تواجهها عراقيل. من هذه الزاوية، يفهم لماذا الأعمال الإرهابية بالعراق، سوريا وليبيا تحارب بازدواجية المعايير. وكيف يحدث العكس عندما تقع هذه الأعمال بأوروبا التي تريد القفز على هذا المعطى ومطالبة العالم قاطب بالوقوف إلى جانبها.