مرّ أكثر من شهر على تنظيم الانتخابات النيابية اللبنانية وتتويج الأغلبية بفوزها الساحق وإقرار الأقلية بهزيمتها وبرضوخها لحكم الصندوق. واليوم تمر ثلاثة أسابيع على صدور مرسوم تكليف رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الدين الحريري بتأليف حكومة وحدة وطنية دون أن تلوح في الأفق أية بادرة لقرب تحقيق هذه المهمة، مما يعيد لبنان الى نفس المأزق السياسي الذي يعانيه منذ سنوات بسبب العراقيل المصطنعة التي يضعها هذا التيار والشروط التي يفرضها التيار الآخر لقبول الانضمام الى الفريق الحكومي المرتقب مر أكثر من شهر على النيابيات اللبنانية، الأكثرية بقيت أكثرية والأقلية بقيت أقلية، وبينهما استمرت الأزمة تراوح مكانها، ونفس المعادلة السياسية تبحث عن رقمها الصعب الضائع بين تعنت هذا وشروط ذاك وحسابات الآخر، وتدخلات الخارج... ومصيبة لبنان لا تكمن فيما نسمعه من مصطلحات مثل الثلث المعطل والثلث الضامن ولا في صيغة النسبية أو أي صيغة أخرى لتوزيع الحقائب الوزارية بين الموالاة والمعارضة، بل في التدخلات الأجنبية التي تحرك المياه العكرة من تحت أقدام القوى الفاعلة، وتصر على اعتبار لبنان دويلة قاصرا لا تعرف كيف ترسم طريقها ولا كيف تخطط مستقبلها بعيدا عن الوصاية الأجنبية التي تتنافس على فرضها عدة دول غربية وإقليمية وحتى عربية.. مصيبة لبنان ليست في قوى 14 آذار أو 8 آذار وأزمته لا ترتبط بأرقام الحقائب الوزارية المسندة لهذا التيار أو لآخر، ولا في الرقم الضامن، فحرص الجميع على اختلاف توجهاتهم وتضارب مصالحهم على صيانة مصلحة لبنان هو الضامن بكل تأكيد. المصيبة كلها في تلك الشخصيات الأجنبية التي نراها »تحجّ« الى بيروت مع كل موعد انتخابي وتتحرك في كل الاتجاهات وتتصل بكل الأطراف كلما كلف رئيس حكومة بتشكيل فريق عمله، لتتدخل في فرض اختيار الوزراء وفي توزيع الحصص بالشكل الذي يرفع من كفة الفريق الذي يخدم مصالحها... اليوم مثل البارحة تماما مازلنا نرى رئيس الوزراء في لبنان يستشير الخارج لتشكيل حكومته، بل إن تشكيل الحكومة كما يجزم الكثيرون تحدده دوائر خارجية بعيدة كل البعد عن اللبنانيين الذين لم يستطيعوا على مايبدو منذ عقود طويلة التخلص من التبعية الأجنبية والوصاية التي حولتهم الى بيادق فوق رقعة شطرنج تحركهم وتعبث بهم كما تشاء، كما حولت بلادهم الى منطقة صراع سياسي لكيانات سياسية خارجية تبحث على بسط نفوذها في المنطقة.. ويبقى الحل بيد الشعب اللبناني ليتجاوز خلافاته ويعيد توحيد صفوفه ليحارب هذا التغلغل الأجنبي الذي أبقاه قاصرا غير قادر على بلوغ سن الرشد.