يتفقد وزير الموارد المائية والبيئة في زيارته، اليوم، إلى ولاية سطيف، مشروعا ضخما استفادت منه عاصمة الهضاب، في إطار التحويلات المائية الكبرى شرقا وغربا، الذي يعد من الإنجازات الهامة التي تحققت بولاية سطيف خلال العشرية الحالية التي انتظرها السكان بفارغ الصبر، ما سينعكس إيجابا على قطاع الري، إذ من المرتقب استلامه خلال العام المقبل كأقصى تقدير، بعد أن سجل تأخرا ملحوظا في الإنجاز حيث كان من المفترض تسليمه في 2014. سينقل هذا المشروع الولاية إلى مرحلة جديدة تحقق فيها الاكتفاء في مجال الماء الشروب والسقي الفلاحي بأكثر من 40 ألف هكتار، نظرا لما تعرفه الولاية من ضعف كبير في التساقطات المطرية واعتمادها بشكل أساسي على الثلوج في توفير المياه والتي عرفت هي الأخرى تساقطا ضعيفا في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات المناخية الحاصلة في العالم بأسره، فكان لابد من دعم الولاية بمشروع التحويلات المائية الكبرى. وسبق التأكيد أن أغلبية السكان لا تستعمل مياه سد عين زادة، غرب مدينة سطيف، في الشرب للاعتقاد السائد بعدم صلاحيتها، واقتصار استعماله على المضطرين وعديمي الإمكانات، رغم تأكيدات مديرية الري للولاية بأن مياه الشرب التي تنضح بها الحنيفات صالحة للشرب وخالية من أية ميكروبات مضرة بالصحة، رغم اعترافها بأنها قد تحتوي على رائحة. وأكدت ذات المديرية، أن منحنى الأمراض المتنقلة عبر المياه بالولاية يعرف تناقصا كبيرا، وهي التي سجلت منذ 1988 حالات كثيرة من مرض التيفوئيد والكواليرا بسبب رداءة نوعية مياه الشرب، وأن الوضع تحسّن كثيرا في السنوات الأخيرة لخلو المياه عند التحاليل من الميكروبات، رغم الرائحة التي يمكن شمّها في المياه. مشروع لبعث الفلاحة بالولاية مشروع التحويلات للهضاب العليا بسطيف، الذي سيسمح بتزويد الولاية بكمية تعادل 390 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، موجهة لحوالي مليون ونصف مليون نسمة بكل من سطيف والعلمة والمناطق المجاورة لهما، وكذا سقي 40 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية على مستوى الهضاب العليا لسطيف. ويتضمن هذا المشروع الطموح، الذي ينتظره سكان المنطقة بفارغ الصبر، نظامين: غربي وشرقي. فالنظام الغربي يعتمد على تحويل المياه من سد إيغيل أمدة نحو سد الموان وبسعة إجمالية 150 مليون متر مكعب بحجم تحويل سنوي يصل 120 مليون متر مكعب، وتتولى إنجازه شركة صينية مختصة ويرتقب انتهاء الأشغال به نهاية شهر ديسمبر المقبل. أما التحويل، فيعتمد على محطات ضخ بقنوات طولها 22 كيلومترا وقطر 1800مم، وينجزه مجمع مؤسستين جزائرية ومصرية،وانطلقت الأشغال به في 31 أكتوبر 2010. أما النظام الشرقي، الذي يعتمد على تحويل من سدي إراغن وطابلوت نحو سد عين الديس بضواحي بلدية تاشودة، الواقعة شرق الولاية، ويبلغ الحجم السنوي للتحويل 200 مليون متر مكعب. علما أن سد طابلوت (ولاية جيجل) يتمتع بسعة إجمالية تقدرب 300 مليون متر مكعب ويشرف على إنجازه مجمع فرنسي إيطالي ممثلا في شركتي «رازل» و»سي.ام.سي ديرافينا». في حين أن التحويل من سد طابلوت – جيجل نحو سد ذراع الديس – سطيف، على مسافة 42 كيلومترا وبقنوات قطرها ما بين 1200مم إلى 1800مم، مع 3 محطات للضخ بكمية تقدر ب7.2 متر مكعب في الثانية وبقدرة إجمالية تقدر ب92.5 ميغاواط. في حين تبلغ الكمية المحولة سنويا نحو السد 200 مليون متر مكعب، وتشرف على إنجازه مؤسسة «مابا انسات» التركية. إلى جانب ذلك، هناك سد عين الديس بولاية سطيف، الذي تقدر سعته ب190 مليون متر مكعب وبحجم منظم يقدر ب190 هكتومتر مكعب في السنة، وتشرف على إنجازه شركة صينية مختصة. إمكانات مائية هائلة... لكن غير كافية تتمتع ولاية سطيف المترامية الأطراف، بقدرات مائية هائلة ومنابع منتشرة في العديد من مناطقها، الأمر الذي جعلها تحتل المرتبة الأولى في تسمية البلدات والقرى باسم «عين»، مضافا إليها كلمة أخرى. لكن المفارقة أن هذه الطاقات، لا تبدو كفيلة بحل أزمة المياه الصالحة للشرب، سواء من حيث الكمية في المناطق الجنوبية خاصة، أو من حيث عدم صلاحيتها للشرب بالنسبة للمياه الواردة من سد عين زادة، الذي يمون سطيف والعلمة وبلديات أخرى. ويتعين الحديث في هذا المقام، عن مصادر المياه المختلفة بالولاية وهي المياه الجوفية والسطحية والتي قدرتها الجهات المعنية ب785 هكم مكعب، منها 170 للجوفية و615 للسطحية. فالأولى وهي المياه التي توجد تحت سطح الأرض وهي مصدر مياه الآبار والعديد من الينابيع وأغلبها مياه عذبة، تتجمع أساسا من الأمطار التي ترشح عبر التربة وتتسرب إلى باطن الأرض من البحيرات والبرك، وتستقر هذه المياه في المسامات والشقوق بين الصخور في جوف الأرض، وفى الفراغات بين الرمل وقطع الحصباء، ويتم حفر الآبار أو النقب إلى الأسفل، وصولا إلى الطبقات الصخرية المائية لسحب المياه إلى سطح الأرض، باستعمال معدات الضخ. كما تتطلب، على وجه الخصوص، حمايتها من التلوث البيولوجي والكيمائي الناجم عن مخلفات الإنسان أو النبات أو الحيوان أو المعدنية أو الصناعية أو الكيماوية المفسدة لنوعيتها، المؤدية إلى اختلال نظامها، مما يقلل من قدرتها على أداء دورها الطبيعي ويفقدها قيمتها الاقتصادية وتتسبب في أضرار صحية وبيئية كثيرة عند استعمالها، بالرغم مما تقوم به التربة من ترشيح وتصفية المياه وتخليصها من معظم الشوائب. تشير الشواهد إلى تعرض المخزون الكبير للأرض من المياه العذبة إلى التلوث الناجم عن سوء استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية والعضوية وترشح مياه الصرف الصحي، مما أدى إلى زيادة تركيز الأملاح والمعادن والنترات وكثرة البكتريا العضوية بالمياه الجوفية، وهذا ما يتطلب إحداث مخابر مختصة لمعالجة المياه وإجراء التحاليل بصفة دورية وعفوية للمحافظة على الطبيعة والصحة العمومية. أما المياه السطحية فتتحكم فيها عوامل المناخ السائد والذي تتميز الولاية بوصفه مناخل قاريل شبه جاف، حار صيفا وقارس شتاءً. أمطار الشتاء المتساقطة غزيرة ومتذبذبة، تختلف من منطقة إلى أخرى ومن سنة إلى سنة، إذ نجد المنطقة الجبلية الشمالية تتلقى حوالي 700 مم سنويا مع تسجيل تساقط البرد والثلوج أثناء فصل الشتاء فهي تشبع التربة بالمياه وتبقى الثلوج تغطي قمم الجبلل العالية حتى شهر مارس وأبريل مما يؤدى إلى تزويد الجيوب الباطنية وملئها بالمياه. وتتلقى منطقة الهضاب العليا حوالي 400 مم سنويا، بينما منطقة الشريط الجنوبي والجنوبي الشرقي فلا يزيد معدل الأمطار السنوي بها عن 300 مم. أما في فصل الصيف فتكاد تنعدم الأمطار حيث ترتفع الحرارة بشدة مؤدية أحيانا إلى نشوب حرائق. هذه العوامل تؤثر على أودية ولاية سطيف، فنجدها ذات جريان غير منتظم، جافة صيفا وغزيرة الجريان شتاء، حيث تحدث فيضانات وتملأ الأحواض والجيوب الباطنية. من جهة أخرى، تتوافر الولاية على عديد الأودية تصل إلى 55 واديا، أهمها على الإطلاق وادي بوسلام الدائم الجريان حتى في فصل الصيف، فهو يجتاز عدة دوائر ليصل إلى وادي الصومام في ولاية بجاية، وتم إنجاز سد عين زادة على مجرى هذا الوادي (ولاية برج بوعريريج) ويمون مدن سطيف والبرج والعلمة بالمياه الشرب والصناعية. وتمون هذه الأودية الينابيع البالغ عددها 21104 ينبوع معروفة، يستغل منها 124 ينبوع كمصدر للمياه الصالحة للشرب، والباقي تجري في فصل الأمطار وتجف صيفا أو تصب مياهها في الأودية. أما المياه الجارية على المنحدرات في فصل الأمطار، فتمون الشطوط الموجودة في منطقة الشريط الجنوبي والجنوبي الشرقي. أما المجارى الشمالية فتتعدى حدود الولاية لتصب مياهها بالبحر ونوضح هذه الحالة بالخريطتين المتعلقتين بالمناخ والشبكة الهدروغرافية للولاية. كما تتوافر الولاية على مجموعة من المسطحات المائية، أنجزت في إطار مختلف البرامج التنموية الهادفة إلى توفير مياه للشرب والسقي الفلاحي وحتى للصناعة وتقليص العجز المحتمل تسجيله، إذ يتم تزويد سكان مدينتي سطيف والعلمة ب22.07 هكم3 بالمياه الموجهة للشرب من سد عين زادة والباقي من المياه الجوفية بالنسبة لمجموع سكان الولاية. كما تم الشروع في إنجاز سدين كبيرين هما سد ألموان وسد ذراع الديس. وتبين الأرقام الصادرة عن مديرية الري ومصالح الجزائرية للمياه بالولاية، على عدد هائل من المنشآت الضخمة للتجميع وتخزين المياه الصالحة للشرب، بلغ عددها 1151، منها 85 خزانا كبيرا (برج للمياه)، و493 خزان متوسط السعة، 573 حوض لتجميع المياه، سعة تخزينها الإجمالية 231525م3 موصولة بشبكتي التحويل والتوزيع.