احتضنت قاعة المحاضرات للأكاديمية العسكرية لشرشال، اليوم، ندوة تاريخية قيّمة احتفاء بالذكرى 38 لوفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، نشطها الوزير السابق صالح ڤوجيل وهي الندوة التي نظمت بالتنسيق بين مديرية الإعلام والإيصال والتوجيه لوزارة الدفاع الوطني وجمعية مشعل الشهيد. كان قائد الأكاديمية اللواء علي زيدان، قد أشار في معرض افتتاحه للتظاهرة، إلى كونها تترجم حرص قيادة الجيش على التفاعل بين جيل الثورة وجيل الاستقلال، معتبرا الرئيس الراحل هواري بومدين رمزا من رموز الجزائر ورجلا من طينة الكبار، باعتباره قاد الجزائر إلى برّ الأمان وعمل على تعميم التعليم والتكوين والكفاح ضد الفوارق الجهوية. كما أكّد على إدراج تاريخ الجزائر كمادة أساسية ببرامج التكوين العسكري، في بادرة تهدف إلى الرفع من مستوى الجيش إلى مستوى الأمل الذي تصبو إليه الأمة. كما أشار في كلمته، إلى كون تاريخ الجزائر أضخم بكثير مما كتب عنه ولذلك تعمل قيادة الجيش حاليا على مواصلة تسجيل أحداث الثورة حتى تتمكن الأجيال المتعاقبة من الاطلاع عليها. أما المجاهد والوزير الأسبق صالح ڤوجيل، فقد أشار في معرض تدخله، إلى أنّ الحديث عن بومدين يقتضي الإشارة إلى عدّة مراحل من حياته، تجمع بين الدراسة والنضال والجهاد والقيادة، قبل أن يتقلّد منصب وزير الدفاع الوطني فرئيسا للجمهورية منذ سنة 1965، بحيث تتطلب هذه المراحل مجتمعة عدّة مجلدات لتسجيلها وتوثيقها ولا يكفي كتاب واحد أو ندوة تاريخية محدودة في الزمان للحديث عن مختلف التفاصيل. المحاضر ركّز في تدخّله، على المرحلة التي تلت تاريخ التصحيح الثوري والتي شرع فيها الرئيس هواري بومدين بإلقاء ثلاثة خطابات بكل من تلمسان وقسنطينة وتيزي وزو، أشار من خلالها إلى ضرورة الرجوع إلى القاعدة لبناء الدولة الجزائرية الحديثة، بحيث شرع مباشرة في التحضير لقانون البلدية خلال الفترة الفاصلة بين سنوات 65 و67 وهو القانون الذي تمّ تدعيمه بميثاق البلدية، لتختتم هذه المرحلة بإجراء أولى انتخابات بلدية بالوطن سنة 1967، قبل أن تتم العملية ذاتها على مستوى الولايات، التي حظيت بإعداد قانون الولاية المدعم بميثاق الولاية وتنتهي العملية أخيرا سنة 1969 بانتخابات المجالس الولائية التي كانت تضم حينها 15 ولاية فقط، الأمر الذي يترجم المفهوم الحقيقي للتسيير اللامركزي للدولة. مع الإشارة إلى كون ثلث المترشحين لمختلف الانتخابات حينذاك، لا ينتسبون إلى حزب جبهة التحرير الوطني وإنما ينحدرون من فئة المواطنين الصالحين، ما يترجم إشراك مختلف فئات المجتمع. غير أنّ سياسة بومدين لم تركّز، منذ انطلاقتها، على الهيكلة القاعدية دون سواها، بحيث تمّ خلال سنة 66 تأميم المناجم واسترجاع مختلف الصناعات الموجودة حينذاك من الفرنسيين الذين كانوا يسيّرونها، قبل أن يطال التأميم قطاع المحروقات سنة 1971، وهو الحدث الذي حصل، لأول مرّة، بمختلف الدول العربية، التي كانت تستفيد حينها من نسب فوائد تقتطع لها من استغلال الشركات الأجنبية لمواردها النفطية. كما شهدت ذات الفترة، عملية التأسيس لثلاث ثورات هامة، شملت قطاعات الزراعة والصناعة والثقافة وهي القطاعات التي شملت في طياتها الاتجاهات الكبرى للدولة الجزائرية. تتعلق فلسفة الثورة الزراعية، بتمكين الفلاح من الاستفادة من نفس المرافق الموجودة بالمدن. كما اعتنت الثورة الثقافية بالتأسيس للغة العربية بلا تهريج والحفاظ على التراث التاريخي والحضاري للشعب من خلال محو آثار الاستعمار الاستيطاني. أما الثورة الصناعية فقد فرضت نفسها كخيار حتمي يكمل قرار تأميم المحروقات. خلال مختلف هذه الورشات الكبرى التي تمّ فتحها في عهد بومدين، كان الجيش الوطني الشعبي مرافقا لها وضامنا لاستمراريتها، لاسيما وأنّ مبادئ هذه المؤسسة العريقة، التي تعتبر في أساسها سليل جيش التحرير الوطني، اعتمدت منذ الوهلة الأولى على استقلالية القرار السياسي الجزائري وعدم قبول الوسطاء في كلّ مراحل التفاوض مع المستعمر خلال فترة نهاية الثورة، رغم تهافت هؤلاء على قيادة الثورة. وأكّد الوزير ڤوجيل بهذا الشأن، أنّ القضية الفلسطينية التي تفاوض من أجلها كثيرون باسم الفلسطينيين لم يكتب لها الانفراج إلى حد الآن. وتطرق المحاضر إلى أول خطاب للرئيس بومدين بجمعية الأممالمتحدة سنة 1974، الذي تنبّأ فيه ببوادر العولمة والنظام العالمي الجديد، بحيث عملت الجزائر حينها على التموقع الجيّد بالعالم الثالث وما بين القطبين المتصارعين حينذاك، مشيرا إلى أنّ الجزائريين كانوا مثاليين على جميع الأصعدة الثقافية والتنموية والدبلوماسية، برز ذلك جليا من خلال إقدام من كان عمره 70 سنة على حمل السلاح ضد الإرهاب خلال العشرية السوداء التي مرّت على الجزائر، وما كانت التنمية بالجزائر لتكون كما هي عليه الآن لولا التداعيات السلبية للعشرية السوداء الأليمة. تجدر الإشارة، إلى أنّ الندوة التاريخية الخاصة بالرئيس الراحل هواري بومدين، شهدت عرض فيلم وثائقي يتحدّث عن مسار الرجل ومساهمته الفعالة في تغيير مجرى التاريخ. كما تمّ تكريم ممثلين عن أقاربه بمعية رئيس جمعية مشعل الشهيد محمد عباد وثلّة من أساتذة التاريخ بالجامعة الجزائرية.